بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 كانون الثاني 2020 12:00ص ليبقى القضاة في محراب العدالة

حجم الخط
استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية والتشريعية في لبنان كتب فيه الكثير، لكن هذه السلطات بقيت تزيد إمعاناً في تدخّلها لتجعل هذا الاستقلال هشّاً يفسح لها في المجال لتحقيق مآربها، وذلك لتعطيل العدالة والمساواة كي يبقى الظلم والاستبداد قائماً وداعماً لوجودها.

وفي الوقت عينه لم تبادر السلطة الاشتراعية الى بلورة مفهوم السلطة القضائية بشكل وافٍ في الدستور، ولا في القوانين التي من شأنها أن تعطي الصورة الصحيحة لتعزيز استقلاليتها، فإن ما كتب في الدستور بقي حبراً على ورق وبدون المضامين الهادفة الى تحقيق هذا الاستقلال فعلياً.

كما ان مبادرة السلطة التنفيذية تجاه القضاء بقيت خجولة لجهة الضمانات الواجبة للقاضي في الأمور الاقتصادية والاجتماعية والشخصية.

واليوم ان ما جاء من مواقف في هذا «الحراك الثورة» يصبّ في ضرورة إعطاء الهيئات القضائية العليا أوسع الصلاحيات في كل ما يتعلق بالتعيينات، والتنشئة، والتشكيلات، والانتدابات، والمراقبة، والتأديب، وكلها من الأمور الملحّ تحقيقها اليوم قبل الغد، كي نشهد سلطة قضائية تحمل لواء العدالة وتكون الضمانة الحقيقية لحقوق الإنسان.

وكي يتوفر كل ذلك وأكثر، يقتضي أن نحظى بالقاضي المثقف والشجاع المؤمن باستقلاله، والمعتمد على نزاهته وكفاءته.

وهنا لا بد من نص مانع للسلطة التنفيذية من أن تستعير أي قاضٍ عدلي أو إداري لمناصب حكومية أو إدارية لأن ذلك يشكّل فساداً وإفساداً مقصوداً او غير مقصود لا فرق، حيث انه بذلك يضع الطالب الجامعي نصب عينيه وفكره وقبل تخرّجه الى تحقيق رغبة أو رغبات شخصية خارجة عن طبيعة اختصاصه، تستلزم منه التقرّب من السياسيين بشتى الطرق ومنها تقديم خدمات لهم، مما يزرع في ذهن هذا الجامعي قبل الوظيفة وبعدها روح التزلّم والمحاباة وحب الظهور والنزعة الجماهيرية البعيدة عن العمل الرسالي، واشير هنا فيما يتم من تفريغ للسلك القضائي من قضاة نحترم سلوكهم وكفاءتهم ونزاهتهم وعلمهم واستقلاليتهم لإملاء تلك المناصب، وان هذا التصرف بدعة تحبط همّة الإداريين في الوظائف العامة وحملة الشهادات العاطلين عن العمل، وتطعن بكفاءتهم، وتفسد الآخرين، والمشهد أمام الجميع ولا ضرورة للفصيل، ولا أرى موجباً لتسمية وتحديد الأسماء والمواقع التي تم استعارتهم إليها، والمناصب التي شغلوها.

أيتها السلطة التنفيذية أتركي لنا قضاتنا في قلعة النزاهة والكفاءة والاستقلال ليبقوا في محراب العدالة ويحكموا بإسم الشعب اللبناني، علماً ان الثورة اليوم هي للحفاظ على هذا الخزان الوطني وتعزيزه، وليقوم بالمساءلة والمحاسبة في كل الارتكابات التي حصلت على كل المستويات، ولا بد أن يقف مجلس القضاء الأعلى ونادي القضاة ونقابتي المحامين في بيروت وطرابلس ونحن معهم صفاً واحداً لإصدار قانون استقلال السلطة القضائية لحماية القضاء وأن يتضمن نصاً خاصاً يمنع الاستعارة تحت أي سبب من الأسباب.



* الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب