بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 أيار 2023 12:53ص مؤرَّخ بيروت «المحروسة»

حجم الخط
نادراً ما يُذكر شيءٌ من تاريخ بيروت الحديث دون أن يقترن باسم حسان حلاق.
كتاباته عن بيروت تجاوزت العلاقة الباردة بين المؤرخ ومدينته، إلى نوع من العشق العابق بأمجاد التاريخ، ورائحة البخور التي تفوح من الأماكن التاريخية. 
إتخذ من التراث البيروتي هويته الشخصية، وجعل من بيروت محور حياته الجامعية، وموضوع أبحاثه الأكاديمية، والعنوان الدائم لدراساته وكتبه التوثيقية. 
لم يتوقف عند ما توصل اليه أسلافه في كتاباتهم عن «بيروت المحروسة»، بل غاص عميقاً في ملفات التاريخ العثماني، وأعاد تصويب الكثير من الروايات الغربية الملفَّقة عن آخر سلاطين بني عثمان، السلطان عبد الحميد النهضوي، الذي أقام العديد من المنشآت الثقافية والعمرانية في بيروت، وفي مقدمتها السراي القديم ومدرسة الصنايع، التي تحولت إلى مبنى المكتبة الوطنية اليوم، بمكرمة من أمير قطر السابق الشيخ حمد آل ثاني. 
أضاء على العديد من الجوانب الإجتماعية للمجتمع البيروتي في العهد العثماني من خلال أبحاثه ومعالجاته لوثائق المحكمة الشرعية في تلك الفترة، وصولاً إلى أولى سنوات الإنتداب. وأصبحت كتبه عن تلك الوثائق مرجعاً علمياً للباحثين والأكاديميين الذين يهتمون بالواقع الإجتماعي لبيروت في ذلك الزمن من تاريخ المدينة. 
لم يكتفِ بنبش صفحات التاريخ لتمجيد المدينة التي أحبها، بل عمد إلى تكريم أهلها، عبر وضع موسوعة حديثة عن العائلات البيروتية، تُعالج في صفحاتها الأصول العربية لكل عائلة، والبلد الذي جاءت منه، سواء من الجزيرة العربية أم من بلدان المغرب العربي، للمرابطة على الثغور البحرية في عهود الإسلامية الأولى، والتعريف بأهم رجالاتها السابقين، والحديث عن أبرز شبابها المُجلّين في مختلف الحقول العلمية أو التجارية أو المهنية. 
وحرص المؤرخ البيروتي الأصيل على نشر ما كان يُنجزه من أعمال هذه الموسوعة تباعاً على صفحات «اللــواء»، وعلى مدى عشرات الأشهر، حيث إستغرق إعداد وكتابة الموسوعة حوالي السنتين، وإعتمد فيها التسلسل الأبجدي في ترتيب جدول العائلات البيروتية، تجنباً للإحراجات المعروفة. 
كان نشاط «الأستاذ» و«البروفسور» حسان حلاق الجامعي ملازماً لشغفه في الأبحاث التاريخية. حيث إنتقل من التدريس المدرسي في الثانويات إلى مستوى التعليم الجامعي، متخصصاً بمادة التاريخ، ومركزاً على الحقبة العثمانية، التي كتب فيها عدة مؤلفات تاريخية وأكاديمية، إلى جانب الإهتمام بالمواد المتعلقة بتاريخ لبنان الحديث، وقيام «دولة لبنان الكبير». 
حافظ حسان حلاق على تواضعه ودماثة أخلاقه مع تلاميذته كما مع زملائه، ولم تُغير المناصب القيادية التي تولاها في عمله الجامعي، ولا المراكز التي إحتلها في المؤسسات التربوية والإجتماعية والكليات الجامعية، ما نشأ عليه من تعلقه بمدينته «المحروسة»، كما كان يحلو له دائما أن يصفها، ولا من حبه للناس في الطريق الجديدة، المنطقة التي وُلد فيها، وترعرع في ثناياها، وتعلم في مدارسها، وتخرج من جامعتها: جامعة بيروت العربية. 
حسان حلاق كتب تاريخ بيروت ورحل..، وترك لأهل مدينته أن يحفظوا له عربون الوفاء والتقدير.