بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 كانون الأول 2023 12:01ص ما علاقة مطالبة وايزمن بجنوب الليطاني عام ١٩١٨ وتنفيذ القرار ١٧٠١؟

حجم الخط
أتذكّر المرحوم البروفسور زين زين، أستاذ التاريخ العثماني الحديث في الجامعة الأميركية في بيروت في ستينات القرن الماضي، حيث كان يلقي محاضرات لكافة تلاميذ الجامعة عن أحداث مهمة في الفترة العثمانية الحديثة، وكان كثير من الطلبة من خارج دائرة التاريخ يحضرون هذه المحاضرات لأن المحاضر كان يلقي الضوء على أمور مهمة وبطريقة مبسّطة ومشوّقة.
وفي احدى تلك المحاضرات روى لنا البروفسور زين عما دار في  الـ ‏Lobying اثناء انعقاد مؤتمر السلام في فرساي فرنسا عند انتهاء الحرب العالمية الأولى سنة 1918.
أشار المحاضر إلى وايزمن الزعيم اليهودي الصهيوني، الذي حضر كمراقب في اجتماعات السلام، وطلبه من لويد جورج، رئيس وزراء بريطانيا، أن تكون الحدود الشمالية لفلسطين عند نهر الليطاني كي يكون تحت انتداب بريطانيا فيما بعد، وكي يكون هذا النهر ولغاية الناقورة جزءا لا يتجزأ من إسرائيل حين تنشأ بعد الانتداب البريطاني.
حاول لويد جورج أن يقنع كليمنصو، رئيس وزراء فرنسا، بطلب وايزمن، ولكن كليمنصو رفض رفضاً قاطعاً ذلك، وأصرّ ان تكون الحدود الشمالية لفلسطين عند الناقورة، قال كليمنصو للويد جورج ان فرنسا مستعدة أن تقاوم بالقوة إذا حاولت بريطانيا ضم المنطقة الممتدة من الناقورة الى نهر الليطاني الى فلسطين.
فتراجع لويد جورج عن هذا المطلب وأخبر وايزمن أن حكومة صاحب الجلالة ليست على استعداد أن تحارب الفرنسيين من أجل توسيع الحدود الشمالية لفلسطين الى نهر الليطاني، وانه بالتالي قَبِلَ أن تكون الحدود الشمالية لفلسطين عند الناقورة. وقال لوايزمن بالحرف الواحد «إنه لربما بعد خمسين سنة يمكنك ان تأخذ ما تريد» أي أن تكون حدود فلسطين الشمالية (إسرائيل) فيما بعد عند نقطة الليطاني.
والهدف كان ولا يزال الحصول على مياه نهر الليطاني وأيضا زيادة الأراضي لإسكان اليهود الذين سيقدمون إلى فلسطين وإنشاء مستعمرات زراعية «كيبوتز» لهم، بالإضافة إلى الاستيلاء على مدينة صور. واليوم، يضاف إلى هذا كله، وجود بترول وغاز في المنطقة الممتدة من الناقورة إلى نهر الليطاني.
لذلك، بدأت طلبات حكومة الحرب الإسرائيلية، وقد كتب الكاتب الإسرائيلي اوزي دايان منذ يومين في صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، أن حزب الله أقوى بكثير من حماس عسكرياً، ويجب إخراجه من جنوب لبنان إلى شمال نهر الليطاني، حيث تكون مدى صواريخه بعيدة عن إسرائيل، حسب ما ذكر اوزي دايان، مع العلم ان هذا خطأ حيث أن لدى حزب الله صواريخ مداها أطول من المدى من الليطاني الى الناقورة، أي حدود إسرائيل الحالية.
ويزيد الكاتب الصهيوني: ان المنطقة الممتدة من الليطاني إلى الحدود الشمالية لإسرائيل، أي الناقورة يجب أن تصبح منطقة موت (Death Zone)‏، ليس فيها أي سكان، وعلى الجيش الإسرائيلي تدمير كافة إنشاءات الـبنية التحتية، من جسور وطرقات، وكهرباء ومياه. وبما انه لا يمكن الاعتماد على الأمم المتحدة لتحرس تلك المنطقة، فيجب على جيش الدفاع الإسرائيلي القيام بذلك، وقتل كل من يأتي إليها من البشر.
وهنا أربط بين مطالبة وايزمن سنة 1918 بهذه المنطقة من الناقورة الى نهر الليطاني، وبين ما يحضّر له الإسرائيليون اليوم، من اخراج سكان هذه المنطقة الى شمال نهر الليطاني، وتكون إسرائيل هي المراقبة عليها، وممنوع السكن فيها، وطبعاً طمعاً بمياه الليطاني والأرض والبترول المتواجد في بحرها.
وهذه توطئة لضم هذه المنطقة الى إسرائيل بعد تهجير أهلها. وقد بدأت إسرائيل بذلك حيث كما ذكرت بدأت بطلب اخراج حزب الله من هذه المنطقة. وقد ذكرت الأربعاء في 6 كانون الأول 2023 إذاعة الجيش الإسرائيلي نقلاً عن وزير الدفاع الإسرائيلي، انهم سيبعدون حزب الله الى وراء نهر الليطاني عبر تسوية دولية استناداً الى قرار دولي.
بدأت التحضيرات لذلك عبر قدوم موفدين أميركيين وأوروبيين إلينا، وإلى دول الخليج والأردن ومصر، لتحذيرنا بشكل أو بآخر، أن لا نعطي إسرائيل أي مبرر للهجوم علينا، وتدمير لبنان كلياً، كما حصل في غزة، مع العلم ان الحزب أظهر رباطة جأش طويلة، ولم يخرج عن قواعد الاشتباك. ولكن اليوم إسرائيل تريد اخراج الحزب من الجنوب، وهذا انتقاص للسيادة الوطنية، ولا أظن ان الحزب مستعد أن يخرج طوعاً من هذه المنطقة، وانه بالتالي سيقاوم أية محاولة سلمياً أو عسكرياً لإخراجه.
وقد أظهر الهجوم الشرس على غزة والتدمير: للأبنية وقتل الأطفال والنساء والقاطنين العزَّل، ان إسرائيل لا تتأثر وغير معنية بالرأي العام الدولي والشعبي، وبقيت ماضية في هجومها الوحشي بذريعة اجتثاث حماس، والإعلان عبر وسائل إعلامها عن أن حماس تقاوم بشراسة، وتضخِّم تلك الشراسة من أجل إعطاء الأعذار لقواتها بالتدمير والقتل. وعلى العالم أن يُكفِّر عن ذنوبه تجاه اليهود بالنسبة للإبادة الجماعية التي ارتكبها النازيون بهم في الحرب العالمية الثانية.
استعمال حل الدولتين شعار تطلقه الولايات المتحدة، بينما حليفتها إسرائيل تقتل الفلسطينيين بشراسة. ولن تكون مسألة حل الدولتين قابلة ديمغرافياً للتنفيذ بعد عمليه غزة.
ويبدو ان الترنسفير القسري للشعوب، هو سياسة جديدة تنتهجها القوى المعنية، كما حصل في كاراباخ حيث هجر أهلها الأرمن، وكما يحصل في غزة، وكما يمكن أن يحصل في تهجير فلسطينيي الضفة الغربية، ولبنانيين من جنوب نهر الليطاني.
إسرائيل تريد مناطق آمنة على حدودها، تحت سيطرة جيشها وليس في عهدة قوات دولية، وبدأت العمل لتكون منطقة جنوب الليطاني وتطبيق القرار 1701، ويكون الجيش الإسرائيلي هو الضمانة لها، ولمسك الأمن في هذه المنطقة. لكي لا يتكرر ما حصل في غلاف غزة من قبل حماس في7 اكتوبر كما تدَّعي.
وطبعاً حين تكون هذه المنطقة تحت سيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي فستكون بداية الى ضمّها الى الكيان الصهيوني، وتكون نبوءة لويد جورج سنة 1918 قد تحققت، حين قال لوايزمن انه بعد خمسين سنة لربما يمكنه إيصال حدود فلسطين الشمالية إلى نهر الليطاني. ولكن هذه النبوءة تأخّرت خمسين سنة زيادة.
يجب أن لا ننسى بان إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تحدد حدودها.

* أمين عام منبر الوحدة الوطنية