31 كانون الثاني 2023 12:00ص مخاوف من توتر أهلي.. لكن لا حرب لبنانية

حجم الخط

بات واضحاً اليوم بأن الأزمة التي يعانيها لبنان هي أكبر من كونها أزمة عابرة في السياسة، بل تضرب عميقا لتشكل معضلة كبرى بين اللبنانيين وسط انتحار إحدى آخر المؤسسات التي يعول اللبنانيون عليها، ألا وهي القضاء.

يأتي هذا وسط فراغ مؤسساتي خطير: رئاسة جمهورية شاغرة من دون أفق قريب لانتخاب رئيس جديد بعد ثلاثة أشهر على انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون. حكومة تصريف أعمال خاضعة لجدل حول شرعيتها يتسم بطبيعة طائفية خطيرة. مجلس نواب لا ينتخب رئيس الجمهورية ولا يعقد جلساته حتى صدرت مؤخراً دعوات إلى حلّه!

وبذلك تصبح السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية وهي أعمدة النظام اللبناني، في مهب الريح!

ومن نافل القول إنها الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الأكبر منذ نشوء لبنان، بل قبل نشوئه حين خضع للهجرة الديموغرافية الأكبر أيضا. لكن مع فارق اليوم أن لبنان يواجه أزمة نظام كبرى في ظل الإصرار على عدم تطبيق اتفاق الطائف، وهو ليس على جدول الاهتمام الدولي بينما يقع في منطقة فالق زلزالي وإلى جانب كيان عدوّ يتحيّن الفرصة للعبث بأمنه الداخلي.

ليس هناك من يُموّل الإقتتال

هنا بالذات تكمن خطورة هذا الواقع في البلد والذي قد يفتح الأبواب مشرعة أمام التوتر الأهلي، وليس بالضرورة الحرب الأهلية التي لا ظروف لها ولا أموال ولا يبغيها أحد من الأفرقاء الداخليين، كما أن لا عمق خارجياً لها كما كان الحال في العام 1975.

التوتر الأهلي الذي تحذر منه أوساط داخلية وأخرى ديبلوماسية مهتمة بالوضع اللبناني، يستمد مغزاه من الفوضى القائمة، سياسياً ودستورياً وقضائياً وإقتصادياً وماليّاً وحتى إعلامياً وعلى صعيد وسائل التواصل الإجتماعي.. ما يخشى كثيرون من انتقاله الى فوضى أمنية قد تكون عبارة عن سرقات وجريمة وتعديات أخلاقية، واضطرابات تتنقل في المناطق فاتحة الباب أمام الأمن الذاتي وصولاً الى تقسيم مُقنع قد يصبح أمراً واقعاً!

طبعاً تقف المؤسسات الأمنية معنيّة بهذا الوضع الخطير ومعنيّة أيضا بوحدتها أولا، وهي في وضع مادي صعب جداً، مؤكدة على الاستقرار وعلى قدرتها على المواجهة. لكن الظروف قد تصبح أكبر من قدرة أي كان على السيطرة على الوضع الذي يُخشى من أن يكبر ككرة الثلج لا سيما مع وجود مليون ونصف المليون من النازحين مع احتمال تسلل العابثين بالأمن عبر جسدهم الهش.

صحيح أن الدول الكبرى لا تريد انهيار لبنان كما القوى المؤثرة فيه، إلا أن البعض يحذر من انفلات الأمور انطلاقا من مشهد الاسبوع الماضي.

يأسف هؤلاء للمجزرة الحاصلة على الصعيد القضائي انطلاقاً من الطعن بالتحقيق في جريمة المرفأ. حتى بات هناك من يريد إسقاط العدل والقانون في لبنان عبر الشارع، كما حدث في الطيونة، ثم بإسقاط القضاء نفسه بعد فشل الشارع لاستثمار القضاء منصة للتصويب على التحقيق لنسفه من الداخل.

وليس الاعتداء على أهالي شهداء المرفأ سوى قراراً سياسياً تُرجم عبر التصعيد للاعتداء على نواب الأمة من قلب قصر العدل ومن داخل مكتب وزير العدل، ما يظهر نوايا مبيتة ومكشوفة للذهاب نحو مرحلة ما قبل الدولة ناهيك عن فرط مؤسساتها.

في مقابل وجهة النظر هذه يقوم رأي آخر يتهم مؤيدي التحقيق أنفسهم بتعطيل العدالة وبافتعال اقتتال أهلي ظهر في عين الرمانة قبل نيف وعام، وبالاستعداد لما هو أكثر عبر الحديث عن إعادة النظر بوحدة اللبنانيين لا بل الذهاب الى الاستعداد لاستعادة الاقتتال الأهلي الذي يبقى أسوأ مما هو حاصل في لبنان اليوم، على سوء هذا الواقع الحالي.

مهما كان الأمر فإن الخطر قائم على نزاع أهلي مقبل في حال مراوحة الأمور على ما هي عليه لفترة طويلة لا يتحملها اللبنانيون كما في حال وجود القرار الخارجي بافتعال هذا النزاع.

في كل الأحوال تبقى خريطة الطريق الضرورية والوسيلة الوحيدة اليوم المؤدية الى الاستقرار، وهو مفتاح النهوض اقتصادياً، تبدأ في الشروع في إعادة تركيب السلطات الدستورية، أي الانتظام المؤسساتي بدءاً من انتخاب رئيس للجمهورية ثم تشكيل حكومة بعد الاتفاق على هوية رئيسها، ثم الشروع في الإصلاحات، ما سيشكل رسالة إيجابية إلى الخارج لاتخاذ الخطوة الأولى على طريق التسوية الحل.

لكن دون هذه الخطوة الأولى صعوبات جمّة ليس حلّها قريب المنال مع الخلاف الداخلي العميق وافتقاد القرار الدولي الإقليمي للحل في الثلث الأول من العام الحالي.