بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 آب 2019 12:02ص من وحي السوق.. الفلسطينيُّون باعوا أراضيهم..!

حجم الخط
عندما صدر قرار وزارة العمل اللبنانية، بشأن العمالة الفلسطينية في لبنان، أعقب ذلك، موجة عارمة من الغضب الفلسطيني، اذ ان الفلسطينيّين اعتبروا ان وزير العمل ألحق الضيم بهم لمجرد أنه عاملهم كأجانب، لا كلاجئين الى لبنان بفعل ظروف قاسية كانت وحشيتها خارجة عن ارادتهم، وعن المألوف. وبمعزل عن ذلك فإنّ الذي حثّني على خطّ هذا المقال، هو استمرار التناهي الى مسامعي منذ ان كنت على مقاعد الدراسة في ثمانينيات القرن المنصرم، وحتى اليوم، عبارة صادرة على ألسنة نسبة هامة من جماهير أحزاب اليمين اللبناني المسيحية، ومفادها، فوق أنهم يريدون ويريدون ويريدون، يريدون التمرّد على قرار وزارة العمل، وكل امرئ باستطاعته سماع تلك العبارة من زبائن المتاجر أو في صالونات المزيّنين أو من رواد المقاهي. والى كل من لا يزال يؤمن ببيع شعبٍ أبيٍّ لأرضه، أُحيله الى حقيقة تقول بأنّ الدعوات الى اغتصاب فلسطين الحبيبة قد صدرت منذ نحو 400 عام، وتحديدًا في العام 1621، عندما دعا المستشار القانوني لملك إنكلترا عبر دراسته الشهيرة المسماة «الإستعادة الكبرى للعالم» الى حملة لاسترداد الامبراطورية اليهودية، أي فلسطين!! وعندما طالب العالمان اللاهوتيان الإنكليزيان عام 1649 جوانا وألينز كرترايت من الحكومة البريطانية بأن يكون للشعب الإنكليزي ولشعب هولندا شرف نقل اليهود الى فلسطين، أي الى الأرض التي وعد بها أجدادهم إبراهيم واسحق ويعقوب ومنحهم إياها إرثًا أبديًا! فضلًا عن أنه في العام 1799، وجّه نابوليون نداءه الأول الى يهود العالم للقتال معه من اجل إعادة انشاء مملكة القدس القديمة، وهذا غيض من فيض الدعوات القديمة الى اغتصاب فلسطين. أما في لبنان فقد كانت لقاءات أعضاء مجموعة الفينيقيّين الجدد التي تأسّست عام 1936 والتي كانت تمثل حينها توجهات المارونية السياسية بمندوبين صهاينة في العام 1937، وكانت أبرز اللقاءات الأولى بين المهندس البير نقاش عضو المجموعة البارز وبعض المندوبين الصهاينة الذين كانوا يأتون الى بيروت في زمن الاحتلال البريطاني لفلسطين، وقد أسفرت اللقاءات، عن الدعوة الى إنجاح مشروع البير نقاش، المعدّ لبناء سدّ على نهر الليطاني يسمح باستغلال مياهه لإيفاء حاجات لبنان والدولة العبرية، وقد شهد إيلياهو إيلات احد ابرز المندوبين الصهاينة على مشروع التعاون هذا، وهو الذي زار لبنان بين 1931 و1943 من خلال مقاله الشهير «معبر الفينيقية الصهيونية في لبنان» وهذه المعلومات واردة في كتاب صلات بلا وصل للكاتب والمؤرخ فواز طرابلسي صفحة 259-260. واكتفى بهذا القدر من اللقاءات بين الجانبين، وتفاصيل كافة اللقاءات واردة في كتاب «عدو عدوي» لمؤلفته لورا ايزينبرغ، ومردّ هذه العلاقة بين الطرفين يعود الى مصالح الإغتراب الماروني التجارية مع الدول المعسكر الرأسمالي.

لقد اغتصبوا فلسطين لتكون المعبر الجيوسياسي الأول نحو السيطرة الأميركية على مقدرات وثروات كافة أقطار أمتنا العربية، والتخطيط للنكبة بدأ عقب إبصار اتفاقية سايكس-بيكو المشؤومة النور على أثر انهيار الإمبراطورية العثمانية، وعند تفجّر البترول في محافظة كركوك شمال العراق، لذا اتفقت الأطراف الإستعمارية، بريطانيا وهولندا وفرنسا وأميركا في شهر أكتوبر 1927، على أن تشكل المصالح النفطية التابعة لهذه الدول فريقاً متضامناً واحداً في منطقة تشمل العراق والسعودية وامارات الجنوب العربي وفلسطين والأردن وسورية ولبنان، وفي هذا الاطار يقول عالم الجيولوجيا الأميركي الفرت دوغلر ان دول غرب أوروبا زاد اعتمادها على بترول الشرق الأوسط بصورة كبيرة فازدادت درجة الاعتماد عليه من نسبة 20% من جملة استهلاك البترول قبل الحرب العالمية الثانية، الى 43 بالمئة في العام 1947 أي قبل سنة من حدوث النكبة ثم الى 50 بالمائة بعد النكبة في العام 1950، ما يعني ان الطمع الأميركي بالنفط العربي كان من أحد أهمّ أسباب حدوث نكبة بلاد المسيح. والجدير ذكره، أو للتذكير فقط، بأنّ النكبة حصلت بعد الاعلان الشهير للرئيس الأميركي الأسبق ترومان القائل في آذار 1947 أمام الكونغرس الأميركي بأنّ على الولايات المتحدة متابعة سياسة الاحتواء التي مارستها حكومة واشنطن بُعيد الحرب العالمية الثانية، لوقف المدّ الشيوعي باتجاه أوروبا وباتجاه منابع النفط أينما وجدت، لذا كانت النكبة، وبالمناسبة فإنّه خلال السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية ونكبة فلسطين مباشرةً وضعت واشنطن خطتين لمنطقة شرق المتوسط. الخطة الأولى تقضي بالحفاظ التام على خلطة المصالح العسكرية والتجارية من جهة، والخطة الثانية تهدف الى تحصين مصالحها النفطية العربية والغربية.

لقد ساعد الكيان الصهيوني أميركا عام 1947 باغتياله للوسيط السويدي الدولي الكونت فولك برنادوت المكلف بالإشراف على مشروع تقسيم فلسطين، بدليل ان عملية الاغتيال أتت عقب رفض الفلسطينيين وضع الأمم المتحدة مدينة القدس تحت وصاية دولية، ما يعني ان القدس الشرقية لن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية حينها، وبالتالي لم يكن هنالك من وجود بالأساس لشيءٍ إسمه سلامٌ عادل وشامل، لأن المطلوب استمرار الصراع على موارد العالم العربي واستمرار تبرير السيطرة الأميركية على المزيد من حقول النفط العربية من خلال تخويف العرب من البعبع الشيوعي، وبالتالي فإن عبور واشنطن الى تلك الحقول تمّ حتمًا من البوابة الفلسطينية. من هنا أجيز لنفسي القول لكل من لا يزالون مؤمنين بأنّ الفلسطيني باع ارضه لأقول له استنادًا الى ادلة ووثائق واردة في كتب هامة وأبرزها كتاب مذكرات سمسار أراضي صهيوني لمؤلفه يوسف نحماني، بأنّ مساحة الأراضي التي اشتراها اليهود من عرب فلسطين كانت نتيجة أحكام أصدرتها المحاكم المختصة، جراء ظروف اقتصادية قاهرة، وفي غاية القسوة، بلغت 261.400 ألف دونمًا من مساحة فلسطين التي تبلغ 270 مليون دونمًا، لذا يتضح من خلال هذه الأرقام أنّ الذين باعوا أراضيهم تحت وطأة تلك الظروف، انما باعوا ما نسبته أقل من 1 بالمائة من مساحة الأراضي الفلسطينية البرية، أما العرب غير الفلسطينيين المالكين لأراضٍ في البلاد، فقد باعوا حوالي 625 ألف دونمًا، كما أوردت الوكالة اليهودية، وكلهم من عائلات عربية حصلوا على هذه الأراضي، عندما باعت الدولة العثمانية لكبار الملّاكين اللبنانيين والسوريين قرى وأراضٍ فلسطينية، بعدما عجز أبناء الأرض عن تسديد ديونها، نتيجة الضرائب الباهظة التي فرضتها الدولة العثمانية عليهم، وقد بلغت نسبة الأراضي التي باعها الملاكون العرب 3 بالمائة من مساحة الأراضي الفلسطينية. من هنا تكون مساحة 96 بالمائة من أراضي فلسطين قد أُخذت بالاغتصاب والقتل والطرد، ولمزيد من الايضاح أكثر أذكّر بما ورد في كتاب التطهير العرقي في فلسطين لمؤلفه المؤرخ الصهيوني ايلان بابيه الصادر عام 2006، اذ يقول أنّه في بداية النكبة تمّ تدمير 531 قرية وتمّ طرد 800 الف فلسطيني ما يعني، والكلام لبابيه ان ما حصل هو تطهير عرقي وليس مجرد حرب فقط، وقد استمرت الأعمال الوحشية الصهيونية طيلة ستة اشهر متتالية، وقد أعطيت الأوامر لعصابات الأرغون والشتيرن المعروفة، بإثارة الرعب في مناطق واسعة، وقصف القرى والمراكز السكنية، وحرق المنازل والأملاك والبضائع وزرع الألغام وسط الأنقاض لمنع السكان من العودة الى منازلهم، وقد تمّ خلاها اقتلاع 250 الف فلسطيني من منازلهم ورافق ذلك القيام بعشارات المجازر أهمها مجزرة دير ياسين، كما تمّ تلويث مياه الشرب في القناة التي تنقل المياه الى مدينتي عكّا وحيفا بجراثيم التيفوئيد والديسنتريا، إضافةً الى ارتكاب مجازر في قسم كبير من قرى الجليل، وفي السهل الساحلي جنوب حيفا، وفي بلدة طنطورة الساحلية المعروفة.

من هنا أوجه ندائي الى معالي وزير العمل لمعاملة الفلسطيني كلاجئ وليس كأجنبي، وعدم إرغامه على دفع قيمة رسوم لا أثر لها في جيبه أساسًا.



ريمون ميشال هنود