بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 كانون الأول 2019 12:00ص من وحي الميلاد

حجم الخط
ليس لملك السيّد المسيح بداية ولا نهاية، وولادته في مذود بيت لحم تجسيد لأزليته وسرّ من أسرار الإيمان المسيحي. وفي مقدمة الرسالة إلى العبرانيين أوضح موجز لهذا السر.

«إن الله، بعد ان كلّم الآباء قديماً بالأنبياء مراراً عديدة وبشتى الطرق، كلمنا نحن في هذه الأيام الأخيرة..». إن أعظم عطاءات الله الأزلي للبشر هو تجسّد كلمته، أي الأقوم الثاني من الثالث الأقدس الذي صار جسداً من أجل الإنسان، إذ اتخذ طبيعتنا البشرية فغدا يشبهنا في كل شيء ما عدا الخطيئة. «الكلمة صار جسداً، وسكن بيننا مملوءاً نعمة وحقاً. وقد رأينا مجده، مجد ابن وحيد آتٍ من الآب» (يوحنا: 1:14: والثابت ان الله صار بشراً وحلّ فينا.

لا يقتصر الإيمان المسيحي على الإيمان بالله وحسب، وعلى الحقائق التي أوحى بها، بل إنه إيمان بالله الذي لم يكلمنا فقط بالكتاب، بل تجسّد أيضاً. ولم يكتف بأن يرسل إلى البشر رسلاً ليعرّفهم بنفسه بل أحبهم حتى انه أتى بنفسه إلى الأرض ليكلمهم ويظهر لهم في كيان بشري حقيقي، مما يُجسّد أقصى درجات المحبة لبني البشر.

مع حلول الله على الأرض، لم تعد غاية الإنسان الخضوع لشريعة فحسب بل الأخذ بتعاليم المسيح القائل: «أنا هو الطريق والحق والحياة، وكل يتبعني لا يسير في الظلام». ونحن المسيحيين لم نعُد بحاجة إلى ان نرى المسيح بعين الجسد بل نراه بإيماننا وقلوبنا.

وهنا نتساءل: هل نؤمن، نحن المسيحيين، بحقيقة تجسّد المسيح، بحضوره الآن بيننا وفي كل أيم حياتنا؟ 

هل نؤمن بأنه معا وفينا إلى منتهى الدهر؟

هل ما زلنا ندرك ان الجسّد ليس مجرّد زيارة يقوم بها الله لنا مثلما كان في الأساطير الوثنية حيث كانت الآلهة «تتنزه» على الأرض؟ هل استعار الله لباسنا البشري ليظهر بيننا ردحاً من الزمن مُبشراً بشرائع وأخلاقيات وعاد بعدها إلى السماء يراقب تصرفاتنا في هذه الدنيا لكي يكافئنا على الفضيلة ويُعاقبنا على الرذيلة؟ لو كان إيماننا يتوقف عند هذا الحد لكان المسيح ديّاناً لا فادياً. وحقيقة التجسد ان الله تأنسن ليُشرك الإنسان في ألوهته، وهذا ما شأنه أن يهزّ فينا رواقد الأذهان!

السيّد المسيح هو في البدء الذي لا بدء له وفي النهاية التي لا نهاية لها، تأنسن ليجذب إليه الإنسان، وارتضى أن ولد في ذلك المذود الحقير ليعلّمنا التواضع والحدب على الفقراء والمستضعفين في الأرض. ذلك ان مجد الله (الحقيقي!) في العلى، ما عدا ذلك أمجاد باطلة، لا معنى لميلاد السيّد المسيح ما لم يولد في قلوبنا كل يوم. ولا معنى له ولو لمن يرتبط بسر الفداء العظيم الذي يشمل بعناية الله اليقظى الجميع، كل بحسب ناموسه!

ليكن كل منا، على غرار الطفل الإلهي، كثافة ضياء وشاهداً على عتمات عالمنا! سيعود الأشرار عن غيّهم لا محالة ولو بعد حين. عندها نجسّد حقاً ميلاد المسيح فعلاً وكذلك فداءه.