بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 تشرين الأول 2023 12:01ص وطن ودولة لشعب الجبّارين

حجم الخط
تستمر مذبحة غزة، ودمارها المريع، ويستمر نفاق حكومات دول الغرب وتستّرها وتغطيتها لعمليات قصف منازل غزة ومستشفياتها وكنائسها ومدنييها العزّل، تحت ذريعة «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، فيما الحقيقة تتبدّى ان ما تقوم به إسرائيل هو استمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية وتوسيع مستوطناتها واقتلاع شعب من أرضه ومنعه من تقرير مصيره وإقامة دولته الوطنية، فمنذ أكثر من منذ ٥٦ سنة تجري عمليات تهويد الضفة الغربية والاستيلاء على أملاك الفلسطينيين ومواردهم، رغم ذلك، يستمر الإعلام الغربي في شيطنة حركة حماس وإلصاق صفات الارهاب فيها، أو الوحشية، أو الأصولية الدينية، لا فرق، المهم إدانتها، هذه الإدانة التي أصبحت مبتدأ كل مقابلة إعلامية أو بيان يصدر عن لقاء دولي أو خطاب سياسي، أو مقالة في جريدة أو موقع إلكتروني...
الكذب وترويج الاتهامات الباطلة، والروايات الزائفة والأخبار الملفقة، أصبحت صناعة يومية لحكومة اليمين الإسرائيلي، ينقلها رؤساء جمهورية وحكومات غربية دون تدقيق أو تمحيص، ولا يشعرون بخجل أو عيب، حتى حين تكشف عين الحقيقة زيفها وخداعها، المهم استرضاء إسرائيل، وتبرير انتقامها وتشريع العنف المجنون الذي تقوم به وتمارسه...
 فمن كذبة «قطع رؤوس الأطفال»، التي ردّدها الغرب بشكل كامل وشامل، الى كذبة إلصاق جريمة تدمير «المستشفى المعمداني العربي» بصاروخ مزعوم ضل طريقه للجهاد الإسلامي، فيما الحقيقة البسيطة، ان إسرائيل طلبت إفراغ المستشفى وهدّدت بقصفها، وزعمت ان تحتها نفقا لحماس، ثم أنكرت قصفها بعد انكشاف هول جريمتها وفداحة الخسائر التي نتجت عن تدميره، فيما لم يشعر أي مسؤول غربي بعار الكذب والتستر على جريمة حرب، بعد إبراز دليل الجريمة الإسرائيلية بعرض جزء من غلاف القنبلة الأميركية التي دمرت المستشفى بين أنقاض المستشفى ذاتها...
في الوقت ذاته تتوالى التهديدات الإسرائيلية المتكررة بالطلب بتفريغ مستشفى القدس التابع للهلال الأحمر الفلسطيني، وبالاستمرار في قصف محيط مستشفى ناصر في غزة، ليكتمل سياق ضرب المستشفيات كسياسة معتمدة ومتسلسلة لتضم الى مسارها، استهداف الأطقم الطبية وقتلهم، وإخراج ٢٤ مستشفى في غزة عن العمل...
لا تكتفي آلة تزوير الحقيقة في الإعلام الإسرائيلي، وفي أغلب وسائل الإعلام الغربي بكل ما تقدم من ممارسات تخرج عن أخلاق الصحافة والقيم المهنية الإعلامية، بل تقوم هذه الوسائل باخراج عملية «طوفان الأقصى» من سياقها بجعل عملية حماس نقطة البداية، والسابع من تشرين الأول الحدث، وكل الحكاية، ولتصور «مقاومة غزة» الطرف البادئ بالعدوان، وأما إسرائيل ففي موقف الضحية التي تدافع عن نفسها.
وللتذكير فقط، فإن حكاية التاريخ والحقيقة هي حكاية احتلال استيطاني ونظام ابارتهايد عنصري بدأ منذ ٧٥ عاما، وتوسّع وتمدّد منذ ٥٦ عاما، ثم تم التوصل الى توقيع تسوية للنزاع في اتفاقية أوسلو سنة ١٩٩٣، برعاية أميركية، وخلال سنوات الصراع هذه، صدرت بصدده قرارات دولية لم تنفذ إسرائيل أي بند منها...
أما لائحة وسائل إسرائيل لدفاع مزعوم عن نفسها، فهي كل جرائم الحرب الموصوفة بداية بـ؛
• جعل قطاع غزة أكبر سجن جماعي في التاريخ يحتجز فيه أكثر من مليوني نفس بشرية.
• ممارسة العقاب الجماعي لكل سكان غزة عبر قطع الماء والكهرباء والوقود والغذاء والاتصالات عن أسر وعائلات بشرية تخضع لسلطة الاحتلال الإسرائيلي، التي تُحَمِّلها اتفاقيات جنيف، مسؤولية حماية المدنيين في ظروف الحرب.
• ممارسة جريمة التهجير الجماعي والتطهير العرقي والإجلاء القسري للسكان باستعمال العنف المفرط.
• استهداف المدنيين والقطاع الطبي والمستشفيات والتجمعات في أماكن العبادة كالمساجد والكنائس التاريخية.
• رفض اعتماد أية هدنة إنسانية، ومنع إيصال المواد الطبية والإغاثية لنازحين اجبروا على الإقامة في العراء نتيجة قصف بيوتهم وتدميرها.
وبالرغم من كل جرائم إسرائيل هذه، فأن موقف حكومات الدول الغربية يستمر في دعم إسرائيل واحتضانها وتبرير ممارساتها. فيما لا تلوح في الأفق أية مبادرة للذهاب الى صفقة أو تسوية تتيح وقف التصعيد والحفاظ على الحد الأدنى من احترام القانون الدولي الإنساني...
ما يريد تحقيقه اليمين القومي والديني الصهيوني اليوم من مذبحة غزة، لا يتضمن فقط عملية انتقام وعقاب جماعي لأهل فلسطين، ولا انزال أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف حركة حماس وبناها التحتية وتجهيزاتها الميدانية، الأهداف الإسرائيلية ترمي الى تحقيق أهداف استراتيجية أبعد مدى من الانتقام من صفعة «طوفان الأقصى»، ومن السعي لاستعادة هيبة جيش الاحتلال وتأكيد قدرته على الردع، وترميم صورة أجهزة مخابراته وأجهزته الأمنية...
المواجهة الراهنة هي منعطف بالغ الأهمية في مشروع اليمين الإسرائيلي لتحديد مستقبل الكيان الصهيوني وطبيعة دولته السياسية والثقافية والايديولوجية؛ فبعد اتفاقية أوسلو التي شرع عرفات ورابين بتنفيذها كانت فلسطين التاريخية، تنتظر رسم واقع قانوني، يقوم على بناء دولة فلسطينية في معظم الضفة الغربية وكامل قطاع غزة وشرقي القدس، ويعيش على أرضها أقل من أربعة مليون فلسطيني إضافة الى حوالي ٢٠٠ ألف مستوطن، فيما تضم دولة إسرائيل حوالي ٦ مليون يهودي وأقل من مليوني مواطن غير يهودي معظمهم فلسطينيون عرب..
كان هذا الواقع السياسي والديموغرافي يشكّل خطرا وجوديا على المشروع الصهيوني من وجهة نظر اليمين القومي والديني، الذي لا يكتفي بحدود الـ ٦٧ بل يريد استيطان وتهويد الضفة الغربية، وكانت توقعاته، إذا ما نجحت التسوية، انه خلال سنوات لا تتجاوز عقد من الزمن، فان الاستيطان في الضفة الغربية سيتراجع وقد يصبح هامشيا، فيما يتعزز حضور العرب سياسيا واقتصاديا داخل الخط الأخضر لدرجة قيام كتلة أو كتل برلمانية عربية يمكن أن يصل تعداد نوابها الى ١٦ أو ١٨ نائبا، وهي كتلة وازنة لانتزاع حقوق المواطنة والعدالة داخل المجتمع الإسرائيلي، ولتوسّع فعالية الحضور العربي في كافة مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، ولتؤثر في مسار بقاء الحكومات الإسرائيلية أو اسقاطها...
لذلك اعتبر اليمين الإسرائيلي ان مواجهة التسوية السلمية ومنع حل الدولتين يتضمن الاجراءات التالية:
• قتل رابين أولا وتخريب علاقات أميركا وعرفات ثم قتل عرفات نفسه.
• تسهيل حضور وتنامي اتجاه إسلامي متطرف يرفض التسوية من على الضفة الأخرى للنزاع، سواء كانت حماس أو غيرها، وحتى داخل الخط الأخضر، في عملية مزدوجة قضت بإضعاف الصفة التمثيلية لمنظمة التحرير، وبانبثاق حركة إسلامية داخل الكيان بسقف مرتفع لا يقبل بدولة إسرائيل ولا بمناهضتها على قاعدة خذ وطالب.
• غض الطرف عن استيلاء حماس على قطاع غزة وإنشاء حكومة لها، وعلى أرضية الانقسام الفلسطيني نجح اليمين الإسرائيلي بوقف مسار التسوية وحل الدولتين بحجة عدم وجود شريك سلام فلسطيني.

• إعلان «يهودية الدولة» ونزع صفة المواطنة عن عرب الـ ٤٨ وإشهار نظام ابارتهايد عنصري لا يعترف بحقوق عرب الكيان أو مطالبهم.
• توسيع مستوطنات الضفة الغربية عاموديا عبر البناء في المستوطنات القائمة وأفقيا عبر إقامة مستوطنات جديدة والاستيلاء على أراضٍ فلسطينية جديدة وتطويق المدن الفلسطينية بجدران الفصل العنصري، وتقطيع أوصال الضفة الغربية لتصبح جزرا منفصلة لا تصلح لإقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيا. وليرتفع عدد المستوطنين في الضفة الى أكثر من ٧٠٠ ألف مستوطن.
قبل معركة «سيف القدس» التي اندلعت اثر سعي الصهاينة للاستيلاء على منازل فلسطينية في حي الشيخ جراح المقدسي، حسب اليمين الإسرائيلي، انه حقق كل اهدافه، لا دولة فلسطينية يمكن أن تنشأ بسبب الانقسام الفلسطيني، من جهة أولى، وبسبب الاستيطان الذي مزّق الضفة الغربية من جهة ثانية، وبسبب تحوّل سلطة رام الله الى طرف عاجز ومستفرد من جهة ثالثة، وبسبب تحالف حركة حماس مع إيران التي تمد نفوذها على حساب دول المشرق العربي، كما تهدد دول الخليج من جهة رابعة، فيما أظهرت حرب اليمن انكشاف الأمن العربي أمام إيران وأذرعها، واستنتجت بعض دولها ان التطبيع مع إسرائيل قد يوفر لها حماية مزعومة...
كانت معركة «سيف القدس» منعطفا هاما أظهر وحدة الشعب الفلسطيني في أرجاء فلسطين وخلط الأوراق الذي حرص عل توزيعها اليمين الإسرائيلي، واكتشف ان غزة بقيادة حماس، التي تصور لها، مهمة مواجهة مشروع الدولة الفلسطينية، ومشروع جعل الحضور العربي داخل كيان العدو مشروعا لا يبنى عليه أي مكسب أو حراك لانتزاع الحق بالمواطنة والعدالة، اكتشف ان غزة تلك أصبحت خنجرا في حلقه يدميه ويفرض عليه التراجع وتقديم التنازلات، ولذلك هو يريد تصفية غزة كل غزة، لا تصفية حركة حماس فقط، ويريد تصفية القضية الفلسطينية بكل أبعادها، تضحيات غزة تستحق انتصارا لا يضمد الجراح فقط ولا يكفكف دموع الأطفال فقط، بل يصنع وطنا للحياة والحرية والاستقلال لشعب فلسطين، تلك مسؤولية حركة حماس أولا ومصر والأردن والسعودية ثانيا وكل من أعلى صوته لدعم شعب الجبارين من حزب الله الى إيران الى كل متظاهرة في مدن العالم.
{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ...}.