بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 تشرين الأول 2017 08:11ص المسؤولية تجاه الإنسانية

الهجوم النووي الأميركي على هيروشيما عام ١٩٤٥ الهجوم النووي الأميركي على هيروشيما عام ١٩٤٥
حجم الخط
بينما يرتعد العالم اليوم من تهديد الغرب ووعيد الشرق بإمكان نشوب حرب نووية، في ظل حالات "كوليرا مذهبية" متفشية في المعمورة المغمورة بتفاهة الصراعات وفقاً لتفاهم المتصارعين!
يتجدد بين دعاة السلام طرح ما سبق إليه أكثر من عالِمٍ تنبيهاً للإنسانية والعالم من مخاطر الحروب وقد تطورت ظواهرها إلى الحروب النووية. بادر أشهر علماء الفيزياء والرياضيات وعلى رأسهم ألبرت إينشتاين وبرتراند راسل، وهما من هما علماً وذكاءً وعبقريةً وفلسفةً ومنطقاً، بل وإنسانية، إلى دعوة سلام مبتكرة، هي جذر من جذور كل "حوار سلام" عقلاني.
بادروا عبر بيانٍ ينم عن المسؤولية الإنسانية ويحض علماء القوى العظمى والدول الكبرى، ومن ثمَّ القوى والدول نفسها للكف عن سباق "التسلح النووي"، على تحمل المسؤولية الأخلاقية إن كانت تقوى على ذلك حقاً!
أما كيف تحمل العلماء مسؤوليتهم عبر هذا البيان؟ وإزاء من كانت هذه المسؤولية؟ وفقاً للبيان والموقعين عليه (أحد عشر عالماً)، وكذا المراسلات بين رائدي البيان الشهيرين إينشتاين وراسل، أن تنقية القائمة من أسماء غير العلماء الرياضيين والفيزيائيين، أمر من الأهمية بمكان، كون فصيلة الفيزيائيين من العلماء بمعادلاتهم الرياضية يتحملون مسئولية خاصة نتيجة اكتشافهم للذرة، لأن الأخطار ناجمة عن غير قصد من اكتشافهم، حسب رسالة راسل.
بروح المسؤولية الأخلاقية وصفتهم البشرية، صدر البيان عام 1955م، بعد شهور من وفاة إينشتاين، مستدلين بما حل بهيروشيما (والتجارب في بكيني بجزر المارشال بالمحيط الهادئ) وما يمكن أن يحل بلندن وواشنطن وموسكو أيضاً، وما قد يصيب الطبيعة والبيئة والبشرية كلها من تلوث ودمار وفناء.
هكذا تحملوا مسئوليتهم، أما إزاء من كانت هذه المسؤولية فإزاء البشرية أو الإنسانية كلها، متجاوزين التصور القاصر بأن الخطر محدق فقط بدولة أو جماعة دون أخرى. أو كما يشير راسل في إحدى محاوراته إلى  انقطاع متعة الناس بالحروب عندما تقع في أراضيهم.
وبرغم اقتناع العلماء الإنسانيين بأن الحروب لا تتوقف، لكنهم اهتدوا إلى دعوة حل النزاعات والقضايا العالقة بين الشرق والغرب أو أي بلد أو تيار متعارض مع الآخر، بالوسائل السلمية. لأن القضايا والنزاعات "أبداً لا تُحَل بالحروب". و"ذهاب الناس إلى التقدم والسعادة والحكمة لا يكون عن طريق التخلف والشقاء والموت".
يبدو من نوادر هذي الأيام توفر هكذا حس بالمسؤولية، وتنبه العلماء والمخترعين لمخاطر الاختراعات والأسلحة ومدى فداحة استخدامها. نؤكد على الندرة، لئلا يتوقع أحد أن تجار السلاح سيصدرون بياناً يحض زبائنهم على عدم استخدام السلاح المباع لهم (..)، وإن شطح خيال السذج بوجوب تخصيص نسبة من قيمة السلاح المشترى لإعمار ما حل بالأرض من دمار (...)!
جلاء هذه الندرة يوزايها جلاء القدرة على عدم إدراك فداحة وغياب الحس بالمسؤولية تجاه السلام العالمي والأمن القومي، نتيجة أمزجة شريرة لا تؤمن بأن سعادتها من سعادة الآخرين، لذا تقترف من جرائم الحرب أبشعها، ومن الفظائع أوحشها وسط بلدان لا يرعوي ساستها عن غيهم، ولا يكف المتصارعون عن الناس صراعهم. ولا يتحمل مسؤولون مسئوليتهم ولو بكلمة اعتذار أخف وقعاً عليهم من صدور "بيان للناس"!
يغني الآن عن زيادة بيانِ "سوء" اليوم سرد بيان "تحذير" الأمس لـ"إينشتاين وراسل"، بما تضمن من تذكير فريد لكل بني الإنسان أتباع مختلف التيارات والأديان، في شتى الأوطان، أن: "تذكروا إنسانيتكم وانسوا ما دونها".
ويبقى في الأخير التذكير بالأثر الظاهر لذلك البيان الصادر عام 1955م وهو: تجنب أهل "العالم المجنون" التطبيق الكامل لدعوة العلماء العقلاء، فبقوا متناسين "إنسانيتهم" متذكرين "ما دونها".
وإن أخّروا "حروب النوويات" فقد تقدموا إلى "حروب النيات". مستعيضين عن "حل النزاعات وتسوية الخلافات بين الدول بطرق سلمية"، بتجديد أشكال النزاعات بطرق سلبية، تفتقر إلى نُبلِ إبعاد صراع الأشقياء عن حياة الأبرياء!
 
ترجمة نص البيان:
 
بيان راسل – اينشتاين
9 يوليو 1955م
 
نظراً للحالة المأساوية التي تشهدها الإنسانية، نستشعر ضرورة التقاء العلماء في مؤتمر تقويمي للمخاطر الناجمة عن تطور أسلحة الدمار الشاملة، ومناقشة إتخاذ قرار مستوحى من روح المشروع المرفق.
لا نتحدث في هذه المناسبة، باعتبارنا أفراداً في أمة أو قارة او أتباع عقيدة، إنما كبشر من بين جنس البشرية، التي أصبح استمرار وجودها مشكوكاً فيه، وسط عالم حافل بالصراعات ومغمور بالصراعات الصغرى، والنزاع الكبير بين الشيوعية والرافضين لها.
وتقريباً، فإن كل شخص يتمتع بالوعي السياسي، يحمل مشاعر قوية تجاه واحدة، أو عدد من هذه القضايا، لكننا نريدك، تنحية مشاعرك جانباً، إن استطعت، واعتبار نفسك جزءً من المجموعة البيولوجية ذات التاريخ الملحوظ والمعرض للاندثار رغماً عن رغبة أي منا.
سنحاول عدم التفوه بكلمة مفردة لمناشدة مجموعة معينة عوضاً عن مجموعة أخرى. بل نخاطب الجميع، لأننا جميعاً على قدم المساواة في الخطر. وإذا كان الخطر مفهوماً لدى الجميع فهناك أمل في تجنيب الجميع لهذا الخطر المحدق.
علينا تعلم التفكير بطريقة جديدة، ومساءلة أنفسنا، لا عن الخطوات اللازمة لإكساب مجموعتنا المفضلة النصر العسكري، إذ لم تعد هناك إجراءات وخطى لازمة لذلك. إن السؤال الواجب الآن هو:
ما هي الخطوات اللازم اتخاذها لتبني جميع الأطراف قضية منع المنافسة العسكرية الكارثية؟
إن الجمهور، وكثيراً من الرجال ذوي المناصب السلطوية، لم يدركوا بعد ما تنطوي عليه حروب القنابل النووية، وما يزال التفكير السائد لدى العموم، في إمكان طمس المدن. إذ بات مفهوماً مدى قدرة القنابل الجديدة عن القنابل القديمة، ففي حين قدرت قنبلة واحدة على طمس هيروشيما، فإن قنبلة واحدة أيضاً يمكنها طمس أي من المدن الكبيرة مثل: لندن، نيويورك، وموسكو.
لا مجال للشك إذاً في أن حرب القنابل النووية يمكنها تدمير المدن الكبرى، ولكن هذا واحداً من أبسط الكوارث الممكن مواجهتها. فإذا تم إبادة البشر في لندن أو نيويورك أو موسكو، قد يتعافى العالم من آثار الضربة في غضون قرون، لكننا الآن ندرك جيداً بعد "تجربة بكيني"، إمكانية انتشار دمار القنابل النووية عبر مساحة أكثر اتساعاً من المفترض.
لقد أعلن بمعلومات موثقة أنه يمكن تصنيع قنبلة تتضاعف قوتها 2500 مرة عن تلك التي دمرت هيروشيما. ومثل هذه القنبلة إذا انفجرت بقرب الأرض أو تحت الماء، سترسل إشعاعات نشطة عبر الهواء، فيغرق الجميع تدريجياً، ويغمرون سطح الأرض بما يتشكل من رماد قاتل أو أمطار قاتلة. كالرماد الذي أصاب الصيادين اليابانيين وأسماكهم.
لا أحد يعلم مدى انتشار هذه الجسيمات المشعة النشطة، لكن المصادر الموثوقة تجمع على أن حروب القنابل النووية قد تضع حداً وتنهي الجنس البشري. ويخشى أنه إذا تم استخدام العديد من القنابل النووية ستكون حالة موت عالمية، قد تفاجئنا بموت أقليات بشرية، لكنها ستنتج عذابات بطيئة لغالبية البشر من المرض والتفكك.
لقد أطلق العديد من العلماء البارزين والاستراتيجبيين العسكريين، تحذيرات كثيرة حول هذا الأمر. بيد أن أياً منهم لن يقول إن النتائج السيئة مؤكدة، لكنهم يقولون إنها أمرٌ محتمل، وليس ثمة من يؤكد عدم تحقق هذه النتائج السيئة. ولم ينكشف لنا بعد أن آراء الخبراء بهذه المسألة مبنيةٌ على تحامل أو تحيز سياسي. إنهم يعتمدون، وبعيداً عما توحي إليه أبحاثنا، على خبرتهم واختصاصهم فقط. ووجدناهم يدركون بشكل كبير مدى قتامة عواقب هذه الحرب.
هنا، إذاً، تكمن المشكلة التي نعرضها عليكم، وهي صارخة ومريعة، ولا مفر من مواجهتها:
هل نضع حداً للجنس البشري، أم أن تتخلى البشرية عن خيار الحرب؟
لن يواجه الناس هذا البديل، إذ يصعب تماماً إلغاء الحرب.
سيتطلب إلغاء الحرب أن يفرض قيوداً كريهة على السيادة الوطنية.
لكن، ربما أكثر ما يعيق فهم الوضع هو غموض وتجرد مصطلح "البشرية"، فالناس بالكاد يدركون وفق مخيلتهم أن الخطر يحيط بهم وبأطفالهم وأحفادهم، وليس لكل الإنسانية. ومن الممكن أن يدركوا بعد جهد جهيد أنهم، منفردين أو مجتمعين مع أولئك الذين يحبونهم، معرضون لمخاطر وفجائع قارسة ووشيكة، لذا يأملون أن الحروب قد تتواصل ولكن وفق معطى تحريم الأسلحة الحديثة.
هذا الأمل ضرب من الوهم، بصرف النظر عن اتفاقيات عدم استخدام القنابل النووية، المبرمة أثناء فترة السلم، لأنها لن تصمد في زمن الحرب، وستعمل الأطراف المتحاربة على تصنيع القنابل النووية فور اندلاع الحرب، لذا، إذا صنع جانب ما نوعاً من القنابل فسيكون النصر محتوماً بالنسبة له طالما لم يصنع الجانب الآخر قنبلة.
ومع أن التوصل إلى اتفاق التخلي عن الأسلحة النووية كجزء من إجراءات خفض الأسلحة، لن يوفر حلاً نهائياً، لكنه سيخدم أغراضاً مهمة ومحددة.
أولاً: إن أي اتفاق بين الشرق والغرب سيكون مجدياً على المدى البعيد بذات القدر المرجح لتخفيف حدة التوتر.
ثانياً: إن إلغاء الأسلحة النووية-الحرارية، متى اعتقد كل جانب بتنفيذ الجانب الآخر للاتفاق بمصداقية، سيخفف مخاوف الهجمات المفاجئة على نمط "بيرل هاربر"، الذي يبقي كلا الجانبين في حالة توتر عصبي. لذلك ينبغي علينا الترحيب بهذا الاتفاق باعتباره الخطوة الأولى.
معظمنا لا يمتلك شعوراً محايداً، ولكننا كبشر، ينبغي لنا تذكر وجوب تقرير القضايا بين الشرق والغرب بما يبعث على ارتياح أي شخص سواء الشيوعي منهم أو المعادي للشيوعية، الأوروبي أو الآسيوي أو الأميركي، الأبيض أو الأسود، كما لا تُقرر هذه القضايا بالحرب، ونود أن يكون هذا مفهوماً في الشرق أو الغرب، على حد سواء.
إن أمامنا خيارات التقدم المستمر في المعرفة والسعادة والحكمة، فهل نختار الموت بدلاً عن ذلك، كوننا غير قادرين على نسيان نزاعاتنا؟
إننا كبشر نناشد البشرية: تذكروا إنسانيتكم وانسوا ما دون ذلك.
إذا كنتم تستطيعون ذلك، فالطريق متاح أمامكم لافتتاح جنة جديدة. إذا كنتم لا تستطيعون فإن ما يقابلكم هو خطر الموت العالمي.
 
القرار:
ندعو الكونجرس ومن خلاله علماء العالم والناس كافة، إلى تأييد القرار التالي:
نظراً لواقع احتمال استخدام القنابل النووية في الحروب العالمية مستقبلاً، وبما أن هذه الأسلحة تهدد استمرارية الوجود البشري.
فإننا نحث حكومات العالم أجمع على الإدراك والاعتراف العلني أن أهدافها لا يمكنها التحقق عبر حرب عالمية.
وتبعاً لذلك فإننا نحض على إيجاد سبل سلمية لتسوية جميع مسائل النزاع بينها.
الموقعون: ماكس بورن، بيرسي و.بريدجمان، ألبرت إينشتاين، ليوبولد اينفيلد، فريدريك جوليوت كوري، هيرمان ج.مولر، لينوس بولينج، سيسيل ف. باول، جوزيف روتبلات، بيرتراند راسل، هايديكي يوكاوا
ملاحظات:
1-    يود البروفيسور جيلوليوت كوري إضافة عبارة "كوسيلة لتسوية الخلافات بين الدول".
2-    يود أيضاً البروفيسور كوري إضافة عبارة "وهذه القيود ينبغي أن تكون لمصلحة الجميع ويتفق عليها الجميع".
3-    أبدى البروفيسور مولر تحفظاً على أن هذا يعني "خفضاً متوازناً مصاحباً لجميع الأسلحة".
 
ملاحظة:
حواشي أضيفت من جوزيف روتبلات، محرر وقائع مؤتمر بوغواش الأول للعلوم والشؤون الدولية (مجلس بوغواش، 1982م، 167-170.