بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 تموز 2019 12:00ص الموسيقار محمد الموجي دنا من «نادي الكبار» بـ «صافيني مرَّة»

ودَخَلَه بلحن قصيدة «الرضا والنور» بصوت أم كلثوم

الموسيقار محمد الموجي الموسيقار محمد الموجي
حجم الخط
صحيح أن الموسيقار محمد الموجي بدأ رحلة الشهرة بعد نجاح لحنه (صافيني مرَّة) بصوت عبد الحليم حافظ... وصحيح أيضاً ان هذا النجاح شكّل الحافز الأقوى لإستمرار تعاون الإثنين، وبحيث بلغت ألحان الأول لصوت الثاني (65)، وهو رقم غير مسبوق في تعاون عبد الحليم مع أي من الملحنين الآخرين... وصحيح كذلك ان «صافيني مرَّة» عرّفت الكثيرين من المستمعين في مصر والوطن العربي إلى موهبة «لحنية شبابية - متجدّدة» - في ذاك الزمان - إسمها محمد الموجي، بمثل ما عرّفتهم إلى موهبة غنائية «جديدة» اسمها عبد الحليم حافظ...

لكن الصحيح أيضاً وأيضاً، هو ان الصوت الذي أدخل محمد الموجي إلى «نادي الكبار»، كان صوت أم كلثوم الذي كان «المقياس» الأساس لجميع ملحنّي عصرها، وكل من غنّت لحناً له دخل تاريخ التلحين العربي..

هذه المقدمة، كان لا بدّ منها وأنا أقدّم للقرّاء، إبداعات محمد الموجي التلحينية - الموسيقية، وذلك تصويباً لرأي ساد كثيراً بين غالبية أوساط المستمعين، وكذلك بعض «حديثي ممتهني النقد الفني - الغنائي» وحيث ان هؤلاء، يعتبرون أن أغنية «صافيني مرة» وراء إدخال الموسيقار محمد الموجي إلى «نادي الكبار»، ومن أبرز أعضائه في ذاك الزمان: محمد عبد الوهاب، رياض السنباطي، محمد القصبجي، الشيخ زكريا أحمد ومحمود الشريف...

فالموسيقار محمد الموجي التقى بصوت أم كلثوم في العام 1954، من خلال نشيد قومي سجلته كوكب الشرق ضمن «مختارات» إذاعة «صوت العرب»، وحمل إسم «نشيد الجهاد». وهذا اللقاء بين صوت أم كلثوم والملحن الناشئ محمد الموجي، مهّد لتعاون آخر خارج إطار الأناشيد الوطنية الحماسية، وحدث بعد عام واحد على اللقاء الأول، أي في العام 1955، ومن خلال أغنية دينية بعنوان «الرضا والنور» وأخرى بعنوان «حانة الاقدار»، والإثنتين من كلمات الشاعر طاهر أبو فاشا المتجلّي دائماً في نظم القصائد الدينية...

وما يهمّنا في هذه المقالة، لحن أغنية «الرضا والنور» الذي تسبّب بنقاش فني - نقدي مطوّل بين مجموعة من أهل التلحين تناولوا إبداع محمد الموجي اللحني «بشيء من السلبية» فكان للناقد الكبير - المؤرّخ الفني الراحل كمال النجمي الرأي - الفصل، أبرز من خلاله مقدرة محمد الموجي، واستحقاقه ولوج «باب الكبار» في زمانه، عن جدارة، وحيث جاء في المداخلة:

- محمد الموجي، وجد نفسه فجأة، وبطلب من أم كلثوم، بمواجهة صعبة جداً... وجد موهبته أمام قالب غنائي لا يحتمل التجريب - أمام قصيدة دينية لا هي عاطفية ولا هي وطنية؟! أمام كلمات تسبح في أجواء صوفية خالصة؟ فكيف له أن يتصدّى لهذه المهمة تلبية لطلب لا يُرد جاءه من أم كلثوم؟ وكيف القبول بمهمة لم يكن ليجرؤ على قبولها سوى الروّاد؟

ويضيف الناقد الكبير كمال النجمي: محمد الموجي «المتجدِّد»، قبل التحدّي، وقرّر إقتحام القالب الغنائي الجديد، مستنيراً بضياء من سبقوه من الكبار، وإنما بأسلوبه المبتكر ورؤيته... صحيح ما قاله الأساتذة والمتابعون، العالمون بأسرار التلحين وصياغة النغمات الذين استمعوا للحن «الرضا والنور»، فذكروا ان في مقدمته الموسيقية التي صاغها محمد الموجي «أثراً لموسيقى محمد عبد الوهاب»، لكن إذا ما أصغينا جيداً، وتأمّلنا بإمعان، صياغة موسيقى هذه المقدمة، فسنجدها تتشكّل من «تنويعات» على جملة أساسية، هي جملة البداية التي حملت «بصمات» محمد عبد الوهاب في مقدمة لحنه المعروف «أنشودة الفن»، ولكن الفارق بينهما - وهذا ما لم يتنبّه إليه المعترضون، متهمّو محمد الموجي بالإقتباس- هو ان جملة محمد عبد الوهاب كانت «خاتمة» لفقرة موسيقية طويلة يبدأ من بعدها الغناء، فيما هي عند محمد الموجي في «الرضا والنور»، «بداية» لفقرة موسيقية تتكرر بعد انتهاء الغناء، وإنها تترافق مع أصوات «الكورس» النسائي عبر «الآهات»... جملة غنائية قصيرة، لكنها غاية في الإبداع والتميّز، ولم تتعدّى «المازورات» الأربع المسموح بالتعامل معها قانونياً.. أما لمن يودّ إفتراض «انها جملة موسيقية شائعة الاستخدام»، نقول ونؤكد أنها لم ترد سوى في أغنيتي محمد عبد الوهاب ومحمد الموجي، وما على أصحاب الرأي المخالف سوى تقديم براهينهم..

(إنتهى كلام الناقد - المؤرّخ كمال النجمي - رحمه الله - الذي وضع النهاية العلمية - الموسيقية للمناقشة)...

ويبقى ان الموسيقار محمد الموجي يُعتبر من الملحنين القلائل الذين يوحي ذكر إسمهم بالجودة والمستوى الفني الراقي، بسبب تمرُّسه، منذ إنطلاقته، بخصائص الكبار الذين انتمى سريعاً إليهم، وهي: تناول الأساليب المتطوّرة في التلحين، واهتمامه بدور الموسيقى إلى جانب الإهتمام بالغناء، واتباعه المدرسة التعبيرية في صياغة ألحانه، ومزجه بين أسلوبي الغرب والشرق في التلحين جرّاء الاستماع الدائم لكل جديد غربي وشرقي، ثم دقّته في تنفيذ ألحانه بأصوات يختارها هو، وتكون معبّرة وحساسة وقادرة على منح ألحانه كل ما يتوخّاه منها، وكل هذه العوامل تكشفت منذ لحنه الشهير «صافيني مرة»، وفي كل ما تلاه من ألحان بأصوات انطبقت عليها «المواصفات» المذكورة وبرزت غالبيتها في مرحلة بروز موهبة محمد الموجي التلحينية، مثل أصوات فايزة أحمد وصباح ونجاح سلام ومحرم فؤاد ونجاة ووردة، وقبل كل هؤلاء صوت عبد الحليم حافظ ثم كوكب الشرق أم كلثوم التي غنّت له (8) أغنيات، إثنتان دينيتان ذكرناهما أعلاه، وأربعة أناشيد وطنية وهي: «الجهاد - 1954، محلاك يا مصري - 1957، صوت بلدنا - 1964، ويا سلام عالأمة - 1965... وأغنيتان عاطفيتان: للصبر حدود - 1964 وإسأل روحك 1970».

محمد الموجي المولود في العام 1923، رحل عن 72 عاماً (1995) تاركاً للمكتبة الموسيقية - الغنائية - التلحينية إرثاً مجيداً لا يُقدَّر بثمن، ستستمر الأجيال المتلاحقة بالإنقضاض عليه، سطواً أو استماعاً، لسنوات طويلة، رحمه الله؟!

abed.salam1941@gmail.com