11 تموز 2024 12:15ص اللاسامية... وسيلة ابتزاز

حجم الخط
إن عبارة «اللاسامية» التي شاع انتشارها في اوروبا هي ترجمة حرفية للكلمة الأوروبية التي تعني «المذهب المعادي للسامية» ويقصد بها «معاداة اليهود» أو» نبذ اليهود في المجتمع» أو «مناهضة اليهود» لأنهم وحدهم يمثلون الجنس السامي في أوروبا.
في القرن التاسع عشر كان المجتمع الأوروبي يعتبر ان البشرية مقسمة الى اعراق متمايزة تماما وينتمي اليها الأفراد بالولادة. وكان اللاهوتيون يعتقدون ان نوح (عليه السلام ) كان له ثلاثة ابناء، اعطى آسيا «سام» وأوروبا «يافت» وأفريقيا «حام». لكن المعضلة تكمن في معرفة كيف أن ابناء نوح الثلاثة وهم مولودون من اب واحد ومن أم واحدة ومع ذلك يؤسسون ثلاثة أعراق مختلفة؟!.
إن اول من استعمل اصطلاح «مناهضة السامية» كان الكاتب الألماني «اوغست لودفيغ شلوتزر» في مقاله الذي كتبه في العام 1781 عن الكلدانيين وقال فيه «من البحر المتوسط الى الفرات وفي ارض الرافدين حتى بلاد العرب جنوبا سادت كما هو معروف لغة واحدة هي اللغة السامية التي كان يتكلمها السوريون والبابليون والعبريون والعرب والفنيقيون».
وقد قال الباحثون ان الأقوام التي تكلمت هذه اللغة انحدرت من جد واحد هو «سام بن نوح» لذلك اطلقوا على هذه الأقوام «الجنس السامي» او «الأصل السامي» وعلى اللغات «اللغة السامية».
من جهته يقول المؤلف اليهودي الصهيوني «بولياكوف» في كتابه «مختصر السامية»، ان السامية لقيت هوى عميقا لدى اليهود لأنها فتحت لهم بابا جديدا اضافة الى باب الهولوكوست من اجل ابتزاز اوروبا خاصة فرنسا والمانيا وروسيا وشعوب اوروبا عامة لأنهم صاروا يلصقون تهمة «اللاسامية» بكل من لا يشاطرهم افكارهم الهدامة ولا يساعدهم على تنفيذ مخططاتهم المشبوهة.
وفي العام 2005 قام «المركز الأوروبي لمراقبة العنصرية وارهاب الأجانب» بالتعاون مع «مكتب منظمات الديمقراطية وحقوق الإنسان في منظمة الأمن والتعاون الأوروبية» بوضع تعريف حديث لمصطلح «مناهضة السامية»، يعتبر ان هذا المصطلح يشكل تصورا معينا لليهود يعبر عن الكراهية تجاههم وان مظاهر السامية اللفظية او المادية توجه نحو افراد اليهود او غيرهم او نحو ممتلكاتهم او نحو مؤسسات المجتمع اليهودي ومرافقه الدينية.
لقد اعتمدت الخارجية الأميركية التعريف الأوروبي لمناهضة السامية مع اعترافها بأنه تعريف فضفاض لاسيما من جهة البنود الواردة فيه والتي تحاول ان تفصل بين ما يمكن اعتباره مناهضا للسامية وما يمكن اعتباره انتقادا مسموحا لإسرائيل، وان ثمة من يميز بين مفهوم العداء للسامية ومفهوم العداء للصهيونية. 
فمعاداة السامية يعتبر عملا عدائيا ضد اليهود اما الصهيونية فهي تلك الحركة التي كانت تعمل لإنشاء دولة اليهود في الشرق الأوسط. وقد ظهرت هذه الحركة في اواخر القرن التاسع عشر وكانت تهدف لإنشاء وطن لليهود فكانت دولة اسرائيل. اما اليهودية فهي دين وهوية ثقافية ووجدت قبل الصهيونية.
ان مناهضة الصهيونية تهدف الى انتقاد سياسة الإحتلال الإسرائيلي للوطن الفلسطيني والظروف المأساوية التي فرضت على الفلسطينين ان يعيشوها.
لكن اسرائيل ودائما في حركتها لإستجداء العطف الأوروبي ولإبتزاز شعوب اوروبا راحت تستعمل مصطلح «اللاسامية» حتى عندما يكون النقد موجهاً ضد سياسة اسرائيل خاصة لجهة احتلال الأراضي العربية نتيجة عدد من الحروب خلافا للتعريف الذي اعطي لمصطلح «مناهضة السامية» الذي حصرها باليهود فقط.

* مدعي عام التمييز سابقاً