صعّدت اسرائيل المواجهة العسكرية مع ايران واذرعتها العسكرية منذ الهجوم الذي شنته حماس في السابع من تشرين اول على مستعمرات غلاق غزة، بعد ان اتهمت القيادة الاسرائيلية طهران بدعم حماس في عملية هجومية غير مسبوقة تسببت بمقتل 1200 اسرائيلي وخطف 200 من العسكريين والمدنيين.
بدأت اسرائيل بشن هجمات جوية وصاروخية ضد مواقع الحرس الثوري في سوريا وضد اذرعة ايران العسكرية الاخرى وعلى رأسها حزب الله منذ سنوات مستهدفة مطار دمشق الدولي والست زينب والغوطة الشرقية، وتوسعت هذه العمليات الانتقائية لتشمل القلمون وريف حمص وحماه، وتمددت لاحقاً لتشمل مناطق دير الزور والميادين والبوكمال على الحدود السورية العراقية. كما تركزت الضربات الاسرائيلية على البنية الصناعية - العلمية في مناطق ريف حماه، لتمتد لاحقاً وبصورة متكررة على مطار حلب، بهدف تدمير شحنات الاسلحة الايرانية للحرس الثوري وحزب الله اللبناني.
لكن كانت هذه الهجمات بمثابة عمليات هجومية، لخدمة اهداف دفاعية، تنفذها اسرائيل من اجل اضعاف ايران وميليشياتها المنتشرة في سوريا ولبنان، وعلى اعتبار ان البلدين يشكلان جبهة موحدة للحرس الثوري الايراني، وتحديداً لفيلق القدس.
لكن يمثل الهجوم الذي شنته اسرائيل داخل دمشق، وعلى القنصلية الايرانية تصعيداً خطيراً لعمليات اسرائيل الجوية داخل سوريا، وذلك بالنسبة لمكانة ولنوعية الهدف الذي جرى تدميره، والذي تمثل بالقنصلية الايرانية، ومقر اقامة السفير الايراني، والتي تجاور مبنى السفارة الرئيسي، والتي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من سيادة ايران الوطن. انه الهجوم الاول الذي تستهدف فيه اسرائيل مبنى، يرتفع فوقه العلم الايراني، وفق ملاحظة السفير الايراني لدى دمشق حسين أكبري، ادلى بها بعد الهجوم.
سارعت طهران، وعلى لسان الناطق باسم وزارة خارجيتها ناصر كنعاني الى التحذير من انها «تحتفظ بحق الرد المناسب، وهي ستقرر طبيعة الرد والعقاب اللازم ضد المعتدي». اما وزير الخارجية حسين امير عبد اللهيان فقد وصف الهجوم بأنه «خرق لكل الالتزامات والاعراف الدولية»، وبأنه بات مطلوباً من المجتمع الدولي الرد عليه بحزم. وذهب ايضاً عبد اللهيان الى تحميل واشنطن جزءًا من المسؤولية، وذلك انطلاقاً من دعمها غير المحدود لاسرائيل. في الواقع لم يأتِ هذا التصعيد الخطير في العمليات الاسرائيلية ضد ايران في سوريا من فراغ، بل جاء، وفق رأي عدد من الخبراء كنتيجة فعلية لمجموعة واسعة من الهجمات التي شنتها الميليشيات التابعة لايران من جنوبي لبنان ومن اليمن ومن العراق ضد اهداف اسرائيلية واميركية، مع ترافق هذه الهجمات مع مطلبات للمجتمع الدولي بفرض وقف لاطلاق النار في غزة.
تأتي خطورة الهجوم على القنصلية الايرانية من نوعية الخسائر بالارواح التي تكبدتها ايران. من خلال مقتل قائد الحرس الثوري في سوريا ولبنان ومساعده مع خمسة ضباط آخرين من الحرس الثوري، والتي تفوق في قيمتها العسكرية كل العمليات الاخرى التي استهدفت مسؤولين وعلماء في البرنامج النووي الايراني.
مع الهجوم على القنصلية انتقلت الحرب المستمرة منذ سنوات من حرب سرية ومخابراتية الى حرب علنية، ويمكن النظر الى هذا التبدل على انه نتيجة طبيعية لكل المواجهات العسكرية الجارية بين اسرائيل مع الميلشيات التابعة لايران. واعتادت اسرائيل ان لا تتبنى مسؤولية الهجمات التي كانت تشنها ضد مواقع ايرانية في سوريا، وهي لم تخرج رسمياً عن هذه القاعدة، ولكن تصريحات اربع مسؤولين اسرائيليين، لم يشاءوا الافصاح عن هويتهم قد اكدت مسؤولية اسرائيل عن هذا الهجوم الذي بدّل في طبيعة المواجهات السابقة.
بعد 24 ساعة من الهجوم على القنصلية خرج الرئيس ابراهيم رئيسي بأن هذا الهجوم يأتي كنتيجة لفشل اسرائيل «في تدمير ارادة جبهة المقاومة، فقد لجأت اسرائيل الى اعتماد اسلوب القتل الاعمى على اجندتها، كوسيلة للدفاع عن نفسها، يجب ان تدرك اسرائيل بأنها لن تنجح في حماية نفسها، ولن تحقق اهدافها من الحرب وبأن هذه الجريمة لن تمر دون عقاب».
بعد كل هذه التأكيدات التي صدرت عن كل دوائر القرار في ايران بأن هذه الجريمة لن تمر دون عقاب، بدأت وسائل الاعلام العالمية بطرح السؤال حول طبيعة الرد الذي ستعتمده طهران على مقتل الجنرالين زاهدي ورحيمي ورفاقهما. وهل سيكون الرد مباشراً من خلال عملية ايرانية تنفذها ايران بأدواتها الذاتية، ام انه سيأتي عن طريق عملية هجومية تنفذها احدى اذرعة ايران العسكرية ضد اسرائيل داخل الكيان الصهيوني.
الخيار الاول: ان تقوم ايران بوسائلها الذاتية بهجوم على هدف اسرائيلي بحجم الهجوم على القنصلية، ويرجح في مثل هذه الحالة ان يكون هذا الهدف احدى السفارات الاسرائيلية في الخارج، وهناك احتمالات ان يكون الهدف شن هجوم على احدى المصالح الاسرائيلية الكبرى كاختطاف مركب تجاري اسرائيلي، واخذ طواقمه كرهائن للمساومة عليهم واجبار اسرائيل على وقف عملياتها ضد الاهداف الايرانية في سوريا، ويمكن ان تتفادى ايران في مثل هذه الحالة الانزلاق الى حرب مفتوحة مع اسرائيل في حال استمرار اسرائيل في توسيع عملياتها من اجل استئصال الوجود الايراني على مقربة من حدودها.
الخيار الثاني: ان تلجأ ايران الى تكليف بعض اذرعتها العسكرية بمهاجمة اهداف حيوية داخل اسرائيل، والعمل على لجم ردود الفعل الاسرائيلية على هذه الهجمات من خلال اصدار تهديدات ايرانية بامكانية الدخول كشريك في الحرب، وبالتالي تحويلها الى حرب اقليمية لا تريدها الولايات المتحدة، على امل ان تضغط واشنطن على تل ابيب للحد من ردودها على ايران وحلفائها.
في حال اعتماد هكذا خيار فإن حزب الله سيمثل الجبهة الوحيدة القادرة على القيام بعمل عسكري مؤثر ضد بعض الاهداف الهامة داخل اسرائيل. لكن على طهران وقيادة الحزب احتساب الخسائر التي سيدفعها لبنان وحزب الله جراء رد الفعل الاسرائيلي وتنفيذ عملية جوية وبرية واسعة داخل لبنان، وكان حزب الله قد صرح عقب الهجوم على القنصلية بقوله:«من المؤكد ان هذه الجريمة لن تمر دون معاقبة العدو والثأر منه»، واعتبر الحزب بأن اسرائيل مخطئة اذا رأت بأن عملية اغتيال بعض القادة ستؤدي الى وقف غضب الشعب المقاوم».
اللافت ان الهجوم الجوي الاسرائيلي على القنصلية يأتي بعد هجوم كبير نفذته اسرائيل داخل سوريا قبل اسبوع، وكان من نتيجته مقتل 40 عنصراً من القوات السورية وحزب الله، لكن يربط بعض المراقبين ما بين الهجوم الاخير وبين هجوم بطائرة «مسيرة» ضد القاعدة البحرية في ميناء ايلات، والتي وصفها ناطق اسرائيل بأنها مصنوعة في ايران، وبأن الهجوم قد جرى تنفيذاً لتوجيهات ايرانية.
من المرجح ان تقوم الميليشيات العراقية الموالية لإيران بتنفيذ هجمات ضد المواقع الاميركية وابرزها قاعدة التنف، وهذا ما اكدته بعض التقارير الاعلامية، يبقى المخرج من حدوث تصعيد يهدد بتوسيع النزاع الى حرب اقليمية ان تدخل اميركا وايران في عملية تفاوضية للامساك بالوضع من جديد.