ندى عبد الرزاق
تواجه المستشفيات اللبنانية تحدّيات غير مسبوقة نتيجة للأزمات المتتالية التي يعاني منها البلد، جرّاء الحرب المستمرة والتفجيرات المتكررة التي تزيد من إجهاد المؤسسات الصحية. فقد وصل الحال إلى أن المستشفيات الكبرى باتت تشهد ضغطا هائلا على طاقاتها الاستيعابية، حيث تجاوزت قدرتها على استقبال الحالات الطارئة والإصابات. وقد أكد عدد من المسؤولين في القطاع الصحي، الذين أفادوا بأنهم وصلوا إلى «الحافة» فيما يتعلق بقدرة التحمّل، محذّرين من أن الظروف الحالية قد تؤدي إلى تدهور الوضع الصحي إذا ظل الواقع على ما هو عليه.
وفي هذا السياق، تكشف «اللواء» تفاصيل كيفية استعداد الفرق الطبية للكوارث الطارئة في الأيام المقبلة. ورغم الجهود المبذولة من قبل المستشفيات لرفع جاهزيتها والتأكّد من توفر المعدات الطبية الضرورية، يبقى السؤال الكبير: «ماذا بعد؟» خاصة في ظل تعاظم الأزمات وتزايد الطلب على الخدمات الصحية في ظل نقص الموارد.
التأهّب لا يكفي.. ولكن!
من جانبه، يوضح الطبيب والنائب السابق عاصم عراجي لـ «اللواء» أنه «بالنسبة إلى القطاع الصحي في لبنان، ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على البلد، الذي أسفر عن سقوط آلاف الضحايا والجرحى، أصبح لهذا المجال متانة نتيجة التحديات السابقة، مثل حرب 2006، وكورونا، وانفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020. مما أكسبه خبرة في التعامل مع الأزمات الحالية، وبالتالي التأقلم مع الصعوبات المستمرة، رغم معاناته من شظف اقتصادي وهجرة الممرضين والممرضات».
ويؤكد ان «القطاع الصحي متماسك حتى الآن، رغم وجود آلاف الشهداء الذين سقطوا جرّاء الهجمات الإسرائيلية، بالإضافة إلى الجرحى الذين تتفاوت إصاباتهم. لدينا الآن حوالي 150 مستشفى، منها 120 خاصة و30 حكومية. وخرجت 15 مؤسسة عن الخدمة، 8 منها كليا و7 جزئيا، وتقع تلك التي توقفت عن العمل في مناطق العمليات العسكرية في الجنوب، مثل مستشفى مرجعيون، وبنت جبيل، وميس الجبل، وبعضها تضرر جراء القصف. كما تأثّرت مستشفيات في البقاع وبعضها خرج عن العمل بشكل جزئي أو مطلق أيضا. ومع ذلك لا يزال هناك عدد جيد من الأسرّة في المستشفيات، والقطاع قادر على المقاومة في هذه الظروف الدقيقة. لكن من المعروف أن إطالة الحرب من شأنها أن تضعف القطاع الصحي وكوادره».
ويشير إلى «توقف بعض المستشفيات في بيروت عن العمل كليا أو جزئيا، مثل مستشفى الرسول الأعظم، والساحل، وبهمن، والسان تريز، وهي مراكز كبيرة تأذّت بشكل كبير». ويشدّد على أن «القطاع الصحي ثابت حتى الآن، ولكن إذا استمرت الاشتباكات، وبخاصة مع دخول فصل الخريف، في ظل وجود حوالي مليون ونصف المليون نازح، منهم 300 ألف في مراكز الإيواء، يعيشون في المدارس، لذلك هناك اكتظاظ ضخم في هذه المرافق، وهذا موسم الرشح ونزلات البرد والإنفلونزا. وبالتالي من الطبيعي أن تتفشى العدوى بين المهجرين، وهذا أمر مهم جدا يجب الانتباه له، خصوصا في ما يتعلق بالمسنين، لأن أي إصابة قد تؤدي إلى انتشار الفيروس الذي يصيب الجهاز التنفسي لهذه الفئة، مما يستدعي دخول البعض إلى المستشفى لتلقي العلاج المناسب. ويبقى الأهم هو وقف إطلاق النار والاهتمام بالنازحين في أماكن الاستضافة، ونحن على مشارف فصل الشتاء».
لا تعديل في خطة الطوارئ
ويطمئن انه «حتى الآن، الأمور جيدة، وقد ساعدت بعض التدابير في تخفيف الأعباء عن كاهل المستشفيات، مثل علاج الحالات غير الطارئة في المنزل، بسبب وجود مستشفيات على خطوط التماس أو تعرض بعضها للاستهداف. وبناء على ما تقدّم، فإن خوف البعض من الخروج قلّل من الضغط على المنشآت الصحية، واقتصر الحضور على الحالات الطارئة مثل حوادث السير، الجراحات القلبية، والنزيف الدماغي، مما ساعد القطاع الطبي على الصمود».
ويضيف «بالطبع، في حال تصاعدت الضربات العسكرية من قبل العدو الصهيوني على لبنان، ستزداد الإصابات، وقد تخرج مستشفيات إضافية عن الخدمة. لذلك، يجب أن يكون وقف إطلاق النار في المرتبة الأولى أو على الأقل إعطاء هدنة تمنح القطاع الطبي الفرصة لاستعادة أنفاسه. وأودّ التشديد على قضية النازحين واحتمالية انتشار العدوى بينهم. في المقابل، من الضروري ان تبادر الدولة إلى توزيع المساعدات وتقديم الدعم للقطاع الصحي».
اللقاحات
ويحثُّ عراجي على «وجوب أخذ اللقاحات الخاصة بنزلات البرد، والرشح، والإنفلونزا، حيث أن بعض الناس لا يعيرونها أهمية أو يتهاونون في أخذها، مما يشكّل خطرا على المجتمع الأوسع».
المعدات الطبية
وعن المستلزمات الطبية والأدوية، يقول: «أن الأدوات الطبية والعقاقير متوافرة وغير مقطوعة، سواء في الصيدليات أو المستشفيات. ولكن يواجه لبنان أزمة من نوع آخر، تتجسّد في هجرة الأطباء المتخصصين في الجراحة الترميمية. فقد تبيّن أن هناك نقصا كبيرا في هذا التخصص خلال تفجيرات البيجرز، وكان عدد الأطباء المتخصصين في جراحات الترميم قليلا جدا لأن معظم المؤهلين غادروا البلاد. أيضا، هناك مشكلة في طب العيون، وهذا ظهر أثناء حادثة تفجيرات البيجرز، حيث كانت معظم الإصابات في العيون. بالإضافة إلى نقص في تخصصات أخرى مثل جراحة القلب للأطفال، وذلك بسبب هجرة الأطباء. وعلمت من نقيب الأطباء أنهم تمكنوا من تخطي هذه المشكلات، وقد عاد بعض أطباء الترميم إلى لبنان في هذه الفترة لتقديم المساعدة الطبية اللازمة للجرحى».
استعداد تام!
من جهته، يقول رئيس قسم أمراض القلب ونائب المدير التنفيذي في المركز الطبي في مستشفى رزق، البروفيسور جورج غانم: «منذ التاريخ السيئ في 4 آب 2020، نحن على أتم الجهوزية، حيث تدفقت إلى المستشفيات أعداد ضخمة من الجرحى خلال فترة قصيرة جدا. وبدأنا منذ ذلك الحين نستعد لنكون متأهبين لأي كارثة طبيعية أو أي طارئ في البلد من هذا النوع، لا سيما مع الحرب المتواصلة منذ نحو عام. لذلك، أجرينا خلال السنة الأخيرة تدريبات لجميع العاملين في نطاق المستشفيات، سواء على صعيد المستشفى التابع لنا أو على مستوى وزارة الصحة مع بقية المؤسسات الأخرى. وقد تم وضع برنامج للجهوزية في كل مراكز الرعاية الصحية في لبنان. إذ ان طب الطوارئ أو الكوارث هو اختصاص قائم بحد ذاته، وبناءً على ذلك، أجرينا تمرينات بالاشتراك مع الصليب الأحمر اللبناني منذ العام الفائت، وبالتالي تجهزنا كما ينبغي».
ماذا تعني بالجهوزية؟ يجيب موضحا لـ «اللواء»: «أهم نقطة في الجهوزية أن يعرف كل فرد ما هو مطلوب منه، حتى يقوم بمهمته على أكمل وجه وبالسرعة القصوى عند وقوع الكارثة الكبرى. وتشمل هذه الاستراتيجية الطبيب والممرضة، وكذلك بنك الدم وتفاصيل أخرى لا تقل أهمية عن استجابة الكادر وإسعاف المصابين». والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف نستدعي هؤلاء جميعهم في حالة الخطر؟ يشرح غانم لـ «اللواء» «بالطبع يوجد «كود» من خلاله يتم التجاوب من قبل كل موظف في الحال والمجيء إلى المستشفى وأخذ مركزه. وحتى تسير هذه العملية بالشكل المطلوب، هناك فريق مكون من كبار المسؤولين في المستشفى يدير العمليات، والذي يعيٌن شخصا مسؤولاً من قبله ليتابع التفاصيل على الأرض مباشرة، وتتوزع المسؤوليات وفقاً لأطر عالية الدقة والتنظيم لتفادي الفوضى».
3 حوادث طارئة في بيروت
ويتطرق إلى «أول حادث كبير وقع هذا العام، والذي كان تفجير البيجرز حيث أعلمتنا وزارة الصحة مباشرة، ووصلنا يومذاك حوالي 60 إصابة في نفس الليلة واليوم التالي، وكانت الحالات متشابهة، وتتركز الإصابات في منطقة العيون واليدين. وهنا كانت الصعوبة في إدارة هذا الوضع، لأن جميع الحالات تستدعي نفس الطبيب والمعدات والأجهزة الطبية وغرف العمليات. بالرغم من ذلك، استطاعت جميع المستشفيات الكبرى تلبية الأمور بشكل جيد وسريع. أيضا تهافت المرضى يوم ضربت إسرائيل رأس النبع والنويري، إذ وصل إلينا 22 جريحا. وكنا في كل مرة كطواقم طبية حاضرين ومتأهبين، ولم نشعر ولو لمرة واحدة أننا غير قادرين على المواجهة أو التعامل مع أي مصيبة».
ويردف «هناك تحضيرات خلف المكاتب تتمثل في تأمين الأدوية والمستلزمات الطبية، بحيث ان المخزون يجب أن يلبّي احتياجاتنا لعدة أشهر في أي نطاق عمل طبي. مع العلم أن الطريقة الحديثة للإدارة اليوم لا تحبذ تخزين فائض من المستلزمات، لكن نظرا للظروف، قررنا حفظ فائض من المعدات والعقاقير، منها ما يكفي لستة أشهر وبعضها يمتد إلى سنة مثل «السيرومات» والأمصال، مما يوفر لنا بعض الطمأنينة لاستكمال عملنا وتقديم الخدمات الطبية اللازمة لأطول وقت ممكن».
ويكشف عن «خروج الكثير من المستشفيات عن الخدمة إما بسبب تضررها مباشرة أو لوجودها في مناطق خطرة ومعرّضة للقصف. بالرغم من ذلك، لم نلحظ في المستشفى زيادة في عدد الزائرين، بالطبع عدا الحوادث التي ذكرتها». مشيرا إلى أن «الإصابات الأخرى كانت تذهب إلى المستشفيات الصغيرة لإجراء الإسعافات الأولية، ومن ثم تعود لاستكمال العلاج في مشفانا في حال كانت تحتاج إلى جراحة دقيقة، وهذا ينطبق على كافة المستشفيات الجامعية الكبرى. تجدر الإشارة الى ان المستشفيات الصغيرة تمكّنت هذه المرة من علاج حالات معينة، خصوصاً تقديم العناية ما بعد العملية الجراحية».
ويؤكد «أن خطة الطوارئ التي وضعها وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال، الدكتور فراس الأبيض، لوزارة الصحة جعلت الأمور تسير بفوضى أقل، وبالتالي كانت الإجراءات منظمة وجيدة، وتم توزيع المرضى على المستشفيات بحسب وضعهم الصحي. وقد أوكلت المستشفيات الجامعية الكبرى بمهمة تنفيذ العمليات المعقدة، وهذا ناتج من تنسيق تام بين وزارة الصحة والمستشفيات الحكومية والخاصة».
ويختتم حديثه قائلا: «أرجو أن تظل الظروف في صالحنا من أجل الاستمرار، لأننا فعلياً وصلنا إلى الحافة بالنسبة إلى القدرة الاستيعابية، ولكن بالرغم من ذلك، الأوضاع تحت السيطرة. ونتمنى أن لا تتعطّل المرافق الأساسية كالمطار والمرفأ، لأن ذلك يؤثر سلباً في وصول الأدوية والمستلزمات الطبية. وبعض العقاقير بدأت تُفقد من السوق، لكن هذا الوضع لن يطول».