فاجأ الرئيس فؤاد السنيورة أمس، المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم، بالحضور إلى قصر العدل في بيروت للاستماع إليه في قضية الـ 11 مليار دولار، مصطحباً معه كل ما يتعلق بهذه القضية من وثائق وبيانات، وهو أراد هذه الخطوة قطعاً لدابر الإشاعات التي انتشرت حول عدم قبوله الذهاب إلى القضاء، وقطعاً للطريق أيضاً على الكيديات السياسية التي تمارسها بعض أطراف السلطة ضدّ رموز سياسية محسوبة على طائفة معينة بشكل بات يثير أسئلة ضرورية.
وعلمت «اللواء» أن الرئيس السنيورة أصرّ على الذهاب إلى القضاء بعد اللغط الذي أثير يوم الأربعاء الماضي لناحية عدم تبلغه وإرجاء جلسة الاستماع إلى 14 الجاري، وحتى لا يفهم الموضوع في سياق خاطئ. وهو حضر صباح أمس الخميس إلى مكتب المدعي العام المالي، مع مراعاة الحرص على عدم الإعلان عن خطوته للاعتبارات الأمنية أولاً، ولعدم استنفار الاعلام أمام قصر العدل ثانياً.
وبحسب معلومات «اللواء» فقد كانت جلسة الاستماع التي استمرت أكثر من ثلاث ساعات، مهنية، حيث تمّ توجيه أسئلة محددة أجاب عنها السنيورة باستفاضة وإسهاب بنداً بنداً، وبالوثائق والأرقام، حول مسار إدارة المالية العامة للدولة اللبنانية وأوجه إنفاقها، ليس فقط في ما يتعلق بالـ11 مليار دولار، بل لكامل الفترة التي كان فيها وزيراً للمالية (2000 – 2004)، ثم لاحقاً رئيساً لمجلس الوزراء (2005 – 2009)، كما زوّد القاضي إبراهيم بنسخة متكاملة عن الوثائق والبيانات المتعلقة بالمرحلة الزمنية موضوع الجلسة، وهي الوثائق الموجودة أصلاً في وزارة المالية.
سوء فهم أم كيدية؟
وأوضح المكتب الإعلامي للسنيورة في بيان أنه «بناءً على دعوة المدّعي العام المالي القاضي علي إبراهيم؛ توجَّه الرئيس فؤاد السنيورة إلى مكتب الأخير في وزارة العدل كمستمع إليه؛ وتأكيداً منه على احترامه للقضاء اللبناني؛ واعتباره أنّ الجميع ينبغي أن يكون تحت سقف القضاء والقانون.
وقد طرح القاضي ابراهيم على الرئيس السنيورة مجموعة مطوَّلة من الأسئلة، تناولت فترة توليه المسؤولية في وزارة المالية؛ وبعدها كرئيس لمجلس الوزراء. وتناولت هذه الاسئلة شؤوناً مختلفةً بشأن عمل وزارة المالية، وكذلك مسألة الإنفاق الإضافي بما يعادل الـ11 مليار دولار التي شرح الرئيس السنيورة أنها ناتجة عن الخلط في ذهن البعض من غير المختصين أو العالمين بشؤون الموازنة والإنفاق، ما بين «حساب الموازنة» و«حساب الخزينة» الأمرين المختلفين تماماً؛ مالياً وحسابياً، وذلك الإنفاق الذي تمّ خلال فترة تعطيل مجلس النواب وضمن الظروف الاستثنائية والصعبة آنذاك.
وأوضح الرئيس السنيورة طبيعة، وإلزامية، وموجبات القيام بذلك الإنفاق الإضافي؛ والأوجه القانونية التي تمّ الاستناد إليها خلاله. كما عمد إلى تفنيد تلك المبالغ بكاملها للمدعي العام المالي، وكونها أنفقت لتلبية حاجات الدولة اللبنانية، ولتسديد مبالغ متوجبة عليها؛ وذلك تجنباً للمخاطر التي قد تقع على الدولة، وعلى المواطنين اللبنانيين، في حال عدم تسديد تلك الموجبات. هذا فضلاً عن أنّ إنفاق تلك المبالغ، استند إلى القوانين والأصول المرعية الإجراء في «قانون المحاسبة العمومية» المعتمد من قبل الدولة اللبنانية، وهي مسجلة بالكامل في حسابات وزارة المالية والوزارات الأخرى المعنية.
تجدر الإشارة إلى أنّ المبالغ الإضافية التي أنفقت من حساب الخزينة اللبنانية، خلال السنوات 2006- 2009 بما يفوق حدود «القاعدة الاثني عشرية» (التي لا تصلح قاعدة للقياس لفترة تتعدى الشهر؛ فكيف بنا لفترة أحد عشر عاماً، لم تقر فيها الموازنات العامة للدولة اللبنانية) بلغت حوالى سبعة عشر ألف مليار ليرة لبنانية (أي ما يعادل 11 مليار دولار أميركي)، وهي كانت مشابهة في توجهاتها وقانونيتها، لما كان يحصل في السنوات المالية السابقة؛ ومشابهةً أيضاً لما تمّ من إنفاق إضافي في السنوات 2010 وما بعدها. علماً بأنّ مجموع الإنفاق الإضافي على حدود ما تعيّنه «القاعدة الاثني عشرية»، وبما يتعدى أيضاً الاعتمادات الإضافية التي أقرّها مجلس النواب لاحقاً؛ فقد بلغ مجموعها للسنوات 2010- 2014، وكذلك للعام 2018 حوالي 23 ألف مليار ليرة.
وفي هذا الإطار؛ يهم المكتب الاعلامي أن يعلن أنّ الرئيس السنيورة؛ هو اول من نادى وينادي بالالتزام بالقوانين، وقواعد الشفافية، والحوكمة، والحكم الرشيد؛ وهو يأمل أن يكون القانون والحرص على تطبيقه هو اساس العمل العام باستمرار.
كما يذكّر الرئيس السنيورة؛ بأنه أحال في أيار من العام 2006 إلى مجلس النواب مشروع «قانون التدقيق المالي» على حسابات الدولة اللبنانية السابقة واللاحقة من قبل مؤسسات التدقيق الدولية؛ تأكيداً منه على «مبدأ الإفصاح والشفافية»؛ لكي تُعرفْ كل أوجه الإنفاق والصرف خلال السنوات الماضية، وفي المستقبل؛ ولكي تتبين للشعب اللبناني كل الحقائق، وهو المشروع الذي ما يزال قابعاً في إدراج مجلس النواب.
والرئيس السنيورة يتوجه الى القضاء اللبناني بالاحترام والتقدير؛ ويرجو أن يكون دائماً مستقلاً ونزيهاً وعادلاً، في هذه الظروف، وفي كل الظروف».
أرقام وبيانات
وتنشر «اللواء» الفروقات بين الموازنة على أساس القاعدة الاثني عشرية والانفاق الإضافي الذي تمّ بين 2006 و2009، على الشكل التالي بالليرة اللبنانية:
{ فروقات الرتب والرواتب: 850 مليارا (على 4 سنوات).
{ فرق خدمة الدين: 5300 مليار.
{ الإنفاق من حساب موازنات سابقة مدوّرة: 3000 مليار.
{ سلف اضافية لكهرباء لبنان: 3150 مليارا.
{ حصص البلديات من الضرائب والرسوم: 1700 مليار.
{ ردّيات القيمة المضافة: 1200 مليار.
{ دعم الفوائد المدينة عبر البنك المركزي: 350 مليارا.
{ سلف لهيئة الإغاثة (خلال عدوان تموز): 700 مليار.
{ سلف لمجلس الجنوب: 90 مليارا.
{ سلف لصندوق المهجرين: 180 مليارا.
{ سلف مكتب الحبوب والشمندر السكري: 185 مليارا.
مجلس الانماء والإعمار (حصة الدولة من التمويل): 200 مليار.
مدفوعات من حسابات ودائع لدى الخزينة: 300 مليار.
مدفوعات أخرى: 300 مليار.
المجموع العام: 17500 مليار ليرة لبنانية أي ما يعادل 11،5 مليار دولار.
والمفاجأة، كما يظهر، ليس في تفصيل أوجه الانفاق بما يفوق القاعدة الاثني عشرية، بل إن ذات الطريقة هي التي اعتمدت في إدارة المالية العامة في السنوات السابقة، أي قبل 2006 – 2009، وهي نفسها التي اعتمدت لاحقاً، أي 2010- 2012، وكذلك للعام 2018، وفق التالي:
2006 – 2009: 16500 مليار زيادة عن القاعدة الاثني عشرية.
2010: 7600 مليار زيادة عن القاعدة الاثني عشرية.
2012: 1700 مليار زيادة بعد رفع سقف القاعدة الاثني عشرية، من 10 مليارات إلى 18 مليار ليرة.
2018: 2400 مليار زيادة على الموازنة التي بلغت حوالي 24 ألف مليار ليرة لبنانية.