مرّت سنة كاملة منذ ٢٥ تشرين الاول ٢٠٢٣، يوم وجّه أمين عام حزب الله السابق السيد حسن نصرالله رسالة الى المعنيين في الوحدات والمؤسسات الاعلامية التابعة لحزب الله متمنياً عليهم «اعتماد تسمية الشهداء الذين سقطوا منذ ٧ تشرين الأول بالشهداء على طريق القدس والاعلان عن ارتقاء اي شهيد جديد بالشهيد على طريق القدس، في بيانات النعي أو مسيرات التشييع أو مناسبات الذكرى أو ما شاكل ذلك».
لم يكُن يخطر في بال أحد يومها ومن بينهم السيد نصرالله أن توجيهاته سيتمّ اعتمادها في نعيِه بعد أن ارتقى في أدبيات الحزب «شهيداً على طريق القدس»، وقضى وفق أدبيات عموم الشعب اللبناني من غير مؤيدي الحزب أو منتسبيه شهيداً نتيجة عملية اغتيال نفذّها العدو الاسرائيلي باستهدافٍ جوي لمقر الحزب المركزي بصواريخ قد تبلغ زنتها الماية طن أو أكثر من المتفجرات.
بين توجيهات السيّد نصرالله في ٢٥ تشرين الأول ٢٠٢٣، واغتياله في ٢٧ أيلول ٢٠٢٤ ، وما قبلهما وما بعدهما محطات كثيرة قد يكون أكثرها مفصلية يوم ٨ تشرين الاول ٢٠٢٣ تاريخ اطلاق حزب الله معركته بمواجهة العدو الاسرائيلي تحت عنوان «معركة اسناد غزّة».
في الواقع ليس من عربيٍ مسلماً كان أم مسيحيّاً أم غيرهما، الاّ واعتبر الوقوف مع أهل غزة قبل الحرب وخلالها وفي كلّ حين واجباً أخلاقياً دفاعاً عن قضية عربية مركزية لا طالما عدّها العرب وما يزالون قضيةً محقّة تفترض ايجاد الحل العادل لها، ولا مجال في هذا الإطار الاّ التنويه أن كبرى الجامعات أو المستشفيات التي استهدفها العدو في حربه على غزة تمّ تمويل بنائها وتجهيزها وتشغيلها بهباتٍ ومساعدات من الدول العربية.
وفي ذات الإطار ليس من عربيّ الاّ وتمنّى تحرير القدس اليوم قبل غداً، ولكن لم تغالِ أي من الدول العربية في اطار تمسكّها بأحقية القضية الفلسطينية، كمثل مغالاة حزب الله في لبنان، والحوثيّون في اليمن، وميليشيات الحشد الشعبي في العراق، ومن خلفهم جميعاً إيران وفيلق القدس فيها، الذي قاتل أو درّب مقاتلين في غير دولةٍ عربية ولم يحمل من القدس او عنها الاّ اسمها. ولم يُزايد العرب في شعاراتهم مثلما فعل هؤلاء فلم يرفعوا شعار «الموت لأمريكا والموت لإسرائيل»، ولا بالغوا كما فعل هؤلاء عندما نادوا بإزالة اسرائيل من الوجود بل تمسّك العرب بالحل العادل للقضية الفلسطينية على قاعدة حلّ الدولتَين.
في الواقع لم يُفرّط العرب لا بحقوقهم ولا بحقوق الفلسطينيين، وتمسكواً بالقضية بثباتٍ وحكمةٍ وعقل ولكن دون افراطٍ في تقدير قُدراتهم أو استخفافٍ في تقدير نوايا العدو الاسرائيلي وقوّته العسكرية ووحشيّته. ورغم أن بيوتهم لم تكُن من زجاج لم ينظروا الى العدو أنه «أوهن من بيت العنكبوت».
قد لا يكون الوقت مناسباً للاستفاضة في استعراض المنهجية الذي اعتمدها « المحور العربي» ان صحّ التعبير دعماً لفلسطين والفلسطينيين، وتلك التي اعتمدها «محور الممانعة» وعلى رأسه ايران، في تكريس هيمنته والدفاع عنها تحت عنوان «فلسطين». وقد لا يكون مناسباً أيضاً للمحاسبة سواء على النوايا أو الأفعال، في إقحام حزب الله لبنان واللبنانيين في تداعيات «معركة إسناد غزّة» التي تمّ تعديل شعارها لتُصبح «معركة الدفاع عن لبنان»، فالكلام هنا ليس من باب المحاسبة بل من باب «الاحتساب» أن أكثر من ٢٦٠٠ شهيد و١٢٠٠٠ جريح ومليون ونصف مهجّر لبناني منذ «معركة اسناد غزة» وحتى اليوم، لم يقرّبونا ولو قيد أنملة باتجاه القدس الاّ بالشعارات، أما الواقع فهو أن الجنوبييّن وأهل الضاحية والبقاع شُرّدوا، ليس «زحفاً زحفاً نحو القدس»، فمنهم من هُجّر وبقيَ في لبنان ومنهم من غادر ومنهم من علِق على الحدود ... ليس حدود لبنان الجنوبية وفلسطين المحتلّة وعلى «طريق القدس»، بل حدود لبنان الشرقية عند «طريق المصنع» التي أغلقتها غارات العدو رغم أنها ليست على حدوده.
فمن باب الاحتساب نقول أن أهمّ من «الشهادة على طريق القدس» أن يكفّ بعضنا عن المكابرة وبعضنا الآخر عن الشماتة وبينهم البعض من غير المبالين عن عدم مبالاته، حتى نتمكّن من أن نحيا معاً على طريق قيامة لبنان.
«راجح»