التصعيد الإسرائيلي الأخير ليس عبثياً، بل يُخفي في أبعاده نوايا مبيتة من جانب العدو الإسرائيلي لإستفراد الجبهة اللبنانية، التي أثبتت حضورها العسكري في «معركة الإسناد»، وتسببت بإرباكات إسرائيلية داخلية، وموجة تهجير غير مسبوقة في المستوطنات الشمالية.
جهود التبريد الدولية والإقليمية التي أطفأت التوترات التي إشتعلت بعد إغتيال هنية في طهران، والقيادي شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، وحالت دون إنزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية شاملة، تلك الجهود التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية مع بعض دول المنطقة، بدأت تفقد مفعولها على إيقاع التصعيد المتمادي من جانب العدو الإسرائيلي، الذي تعمّد توسيع جغرافية الحرب، ومضاعفة عنف الغارات الجوية وزيادة عددها، وتوجيه ضربات مؤذية وموجعة للمدنيين في الجنوب والبقاع، في تكتيك واضح لإستدراج حزب الله ومحور المقاومة إلى حرب لا يسعون إليها، ولا يريدونها بالتوقيت الإسرائيلي، وفي خضم هذه التظاهرة الكبيرة لعرض العضلات العسكرية، والقوات البحرية الأميركية القادمة للمنطقة تحت شعار الدفاع عن إسرائيل!
أجواء المزايدات والصراعات بين الأحزاب الإسرائيلية، والإنقسامات المستجدة في المجتمع الإسرائيلي من جهة، وفشل حرب غزة في تحقيق أهدافها، بعد مرور ١١ شهراً على إندلاعها من جهة ثانية، تجعل من التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة ضد لبنان، أمراً على جانب كبير من الخطورة، سيّما وأن الإدارة الأميركية منهمكة حالياً في المعركة الرئاسية المحتدمة بين المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس والجمهوري دونالد ترامب، حيث الرئيس بايدن فقد الكثير من نفوذه في تل أبيب، بعد خلافاته المتكررة مع نتنياهو.
التصعيد الإسرائيلي المستمر جنوباً، يثير الكثير من القلق في الداخل اللبناني، ويفرض أنماطاً من المعالجات الداخلية والديبلوماسية، مختلفة عما كان يجري سابقاً، خاصة وأن الإنقسامات المزمنة جعلت من الوضع اللبناني خاصرة رخوة، في المواجهة المفتوحة مع العدو الإسرائيلي.
ولعل تقديرات هذه المخاطر كانت أبرز دوافع التحرك الجديد لسفراء الخماسية، سعياً لتصليب الموقف الداخلي اللبناني في وجه التهديدات الإسرائيلية، فيما ساسة آخر زمان غارقون في معارك كلامية دونكيشوتية تزيد الأمور تعقيداً، وتباعد في مسافات الحوار والحلول!