بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 نيسان 2019 12:05ص المؤسَّسات في بيروت المحروسة المشكلات وآليات النهوض (الأخيرة)

لوضع إستراتيجية موحَّدة هدفها الأساسي التنسيق بين كل المؤسَّسات

حجم الخط
بالرغم من الأوضاع المتعلقة بالمؤسسات الإسلامية البيروتية المشار إليها آنفاً، غير أن بعض المؤسسات العاملة الأخرى ما تزال تقوم بدورها الرعائي والاجتماعي والخيري والاستشفائي بوتيرة متواضعة نظراً للتمويل المتواضع والمداخيل المتواضعة، بعد أن امتنعت بعض الدول العربية من دعم هذه المؤسسات أو بعضها إما لأسباب سياسية أو بسبب الأوضاع المالية لتلك الدول، علماً أن بعض المؤسسات الإسلامية البيروتية تعتمد في مسيرتها على التمويل الذاتي نشأة ومسيرة.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى بعض المؤسسات الإسلامية العاملة منها على سبيل المثال:
جامعة بيروت العربية:
تأسست جامعة بيروت العربية عام 1960 من قبل جمعية البر والإحسان وبدعم كبير من الشقيقة الكبرى مصر، وبدعم مباشر من الرئيس جمال عبد الناصر، وهي المؤسسة الوحيدة في بيروت ولبنان التي تعتمد على التمويل الذاتي، ولا تلقى الدعم المالي من أية جهة عربية أو أجنبية أو لبنانية، وبالرغم من ذلك، فهي اليوم المؤسسة الأولى بين المؤسسات التربوية والعلمية في بيروت، بل هي أغنى المؤسسات البيروتية واللبنانية من حيث الانتشار والعقارات الموزعة في بيروت والدبية وطرابلس والبقاع والإسكندرية، وملكية هذه العقارات تعود لوقف البر والإحسان الذي بدوره لا يلقى الدعم من أية جهة.
وفي الوقت نفسه، فإن قيمة جامعة بيروت العربية لا يعود إلى كثرة عقاراتها وانتشارها في لبنان، بل إن الجامعة باتت اليوم في مقدمة الجامعات اللبنانية والعربية: مناهج وبرامج وكليات وأقسام، وأساتذة وإدارة، بل قيمتها بإسهاماتها العلمية للمجتمع اللبناني والعربي.
يتساءل الباحث: لماذا جامعة بيروت العربية لا تعاني من الديون؟ ولماذا جامعة بيروت العربية لا تعاني من مشكلات مالية أو علمية أو إدارية؟
بدون أدنى شك؛ فإن مؤسسات وقف البر والإحسان المستمرة منذ أكثر من ثمانين عاماً فاعلة في المجتمع البيروتي واللبناني والعربي يعود لعدة أسباب منها على سبيل المثال:
تحويل جمعية البر والإحسان من جمعية كبقية الجمعيات إلى وقف خيري إسلامي، فضلاً عن الاستقامة والإخلاص والأمانة التي يتحلّى بها رجالات البر والإحسان والمسؤولين في جامعة بيروت العربية، والقناعة المشتركة بأهمية المهمة الرسولية للجامعة.
اقتناع جمعية البر والإحسان منذ نشأتها بالتخصص الدقيق، وسياسة خدمة المجتمع ورعايته، باختيارها أفضل الأساليب لتحقيق أهدافها التربوية والاجتماعية، فعند بنائها في الأربعينات والخمسينات والستينات مدارس وثانويات تلبية لمتطلبات المجتمع البيروتي، فإنها لم تتسلّم إدارة هذه المدارس والثانويات، بل تعاونت مع الدولة اللبنانية التي تسلّمت هذه المؤسسات: إدارة وتعليماً ورعاية، لهذا باتت مدارسها وثانوياتها في مقدمة المؤسسات التربوية في لبنان، ومن بينها ثانوية البر والإحسان المعروفة اليوم باسم «ثانوية جميل رواس الرسمية للبنين» وثانوية عمر فروخ للبنات وسواها.
عندما أنشأت جمعية البر والإحسان جامعة بيروت العربية عام 1960، فقد اتفقت مع الرئيس جمال عبد الناصر على التعاون البنّاء والمثمر، لما فيه خدمة المجتمع البيروتي واللبناني والعربي استناداً إلى وضع مصر السياسي والعلمي والثقافي المميّز في العالم العربي.
كانت جمعية البر والإحسان على قناعة تامة بالتخصص سواء من حيث الأمور العلمية أو الإدارية أو الإنشائية، لذا فإن مصر الشقيقة لم تتوانَ عن دعم الجامعة بأهم الكوادر العلمية والإدارية، فقد قامت الجامعة في مسيرتها على رؤساء للجامعة من أهم الرؤساء من الناحية العلمية والإدارية منذ الرئيس المؤسس أ.د. علي راشد إلى الرئيس النهضوي أ.د. عمرو جلال العدوي الذي نهض بجامعة بيروت العربية نهوضاً لم تشهده قبل عام 2006، يعاونه فريق عمل أكاديمي وإداري يأتي في مقدمتهم المرحوم الأستاذ عصام حوري أمين عام الجامعة الذي تميّز بالإدارة الرشيدة والحكيمة، كما حرصت مصر على إرسال أهم أساتذة الجامعات المصرية سواء من الإسكندرية أو من القاهرة أو عين شمس وسواها من الجامعات المصرية.
بدون أدنى شك، فإن وقوف مصر الشقيقة إلى جانب جامعة بيروت العربية طيلة عقود كان له دور أساسي في مسيرة الجامعة وتقدّمها، كما أن الإدارة الرشيدة والعلم المتميّز هما توأمان لا ينفصلان في انطلاقة جامعة بيروت العربية، فضلاً عن ابتعاد المسؤولين في الجامعة ووقف البر والإحسان عن مظاهر الفساد وعقد الصفقات، وهي العوامل التي أدّت إلى انهيار وضعف بعض المؤسسات الأخرى بالرغم من اعتمادها طيلة عقود على التمويل الداخلي والخارجي.
لا بد من الإشارة، بأن الانتماء والإخلاص والوفاء الذي تشهده الجامعة من جميع العاملين فيها عامل إضافي آخر، أدّى إلى الحفاظ على مسيرتها ونهضتها وتقدّمها وتوسّعاتها بل وحمايتها.
أما فيما يختص بمشاركة وقف البر والإحسان في مجالس الجامعة ولجانها، فهي ممثلة في مجلس أمناء الجامعة، وفي مجلس الجامعة، وفي لجان الجامعة المختلفة، فضلاً عن صلاحيات الوقف الذي لحظه نظامها ونظام جامعة بيروت العربية، مما أعطى للوقف دوراً أساسياً في مسيرة الجامعة منذ إنشاء المجلس الأعلى للجامعة (1985-2010) بل ومنذ تأسيسها عام 1960.
ومن بين المؤسسات الإسلامية العاملة تلبية لمتطلبات المجتمع الإسلامي على سبيل المثال لا الحصر:
مؤسسات دار الفتوى والمديرية العامة للأوقاف الإسلامية وكلية الشريعة (جامعة بيروت الإسلامية) وصندوق الزكاة، وإدارة المساجد والأوقاف الإسلامية.
جمعية ومؤسسات ومستشفى المقاصد وكلية التمريض والمعهد العالي للدراسات الإسلامية وبعض مدارس المقاصد.
مؤسسات الرئيس الشهيد رفيق الحريري وجامعة الحريري، علماً أن الكثير من هذه المؤسسات قد أقفل لسبب أو لآخر.
دار الأيتام الإسلامية ومؤسساتها المتنوّعة.
مستشفى دار العجزة الإسلامية.
مؤسسات الدكتور محمد خالد الاجتماعية.
جامعة الإمام الأوزاعي.
مؤسسات مخزومي.
جمعية التربية الإسلامية (مدارس الإيمان).
جمعية الفتوة الإسلامية (مدارس الأخاء).
جمعية الإرشاد والإصلاح الخيرية الإسلامية.
جماعة عباد الرحمن.
جمعية العناية بالطفل والأم ومستشفاها.
مؤسسات جمعية المشاريع ومدارسها وجامعتها.
المركز الإسلامي – عائشة بكار ومؤسساته.
الكشاف المسلم ورواد الكشاف المسلم وبقية الحركات الكشفية.
جمعية التكافل لرعاية الطفولة.
مؤسسة الشهيد حسن خالد.
مؤسسة أجيالنا.
مؤسسة إرادة.
سواها من المؤسسات البيروتية.
ومن الأهمية بمكان القول، بأن الكثير من المؤسسات الإسلامية في بيروت المحروسة ما تزال تعاني من ضائقة وأزمة مالية وإدارية، مما ينذر – لا سمح الله – بإقفالها ولو بعد حين، إلا إذا تم إستدراك أوضاع تلك المؤسسات قبل ضياعها.
آليات النهوض المؤسساتي في بيروت المحروسة
من أجل إيجاد الحلول لواقع المؤسسات الإسلامية البيروتية، فلا بد من وضع آليات للنهوض المؤسساتي في بيروت المحروسة منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- إِنشاء «المجلس الأعلى للمؤسسات الإسلامية» لوضع إستراتيجية ورؤية موحّدة هدفها الأساسي التنسيق أو التعاون الفعّال والمثمر بين المؤسسات الإسلامية البيروتية واللبنانية بهدف إيجاد سبل النهوض المؤسساتي.
2- وضع رؤية مالية جديدة، والاعتماد بالدرجة الأولى على التمويل الذاتي الداخلي من المتموّلين البيارتة واللبنانيين، كما يحدث طيلة العام، وخاصة في شهر رمضان المبارك.
3- إيجاد استثمار دائم وأوقاف خيرية عامة توقف على كل مؤسسة على حدة، لضمان التمويل الذاتي الدائم (نماذج من الأوقاف: وقف العلماء، وقف المقاصد، وقف البر والإحسان، ووقف الروم، وقف الموارنة...) (وقف الراجحي نموذجاً في المملكة العربية السعودية الذي أوقف (24) مليار دولار أميركي على مؤسسات المجتمع المدني، والذي أصبح قدوة ورائداً في المملكة للكثير من الأغنياء ورجال الأعمال السعوديين).
4- إِعادة إحياء ثقافة الوقف الخيري العام، للإنفاق من خيراته على المؤسسات الإسلامية سواء في بيروت المحروسة أو في المناطق، ولإيجاد استثمارات ومداخيل دائمة.
5- تفعيل دور الوقف ووظيفته، والعمل على إِحيائه بشكل أساسي، من أجل استفادة المواطن البيروتي من هذا المشروع بشكل فاعل.
6- لا مانع من الدعم العربي الخيري والإنساني كخيار ثانٍ ومؤقت، لأن المؤسسات الإسلامية الأولى تأسست بفضل تمويل البيارتة أساساً، مع أهمية الإشارة إلى أن المستجدات الاقتصادية والمالية والسياسية والعسكرية في الدول العربية، ومن بينها دول البترول لا تُطمئن في موضوع التمويل المالي الدائم لا سيما في الخمسين سنة القادمة.
7- أهمية التخطيط لإعداد القيادات والكوادر البيروتية لتسلّم المهام القيادية حالياً، وفي المستقبل، في مختلف المؤسسات البيروتية العاملة.
8- الاستعانة بأفضل الكفاءات والخبرات البيروتية لوضع كفاءاتها وخبراتها المعاصرة في سبيل النهوض بالمؤسسات البيروتية في المجالات كافة.
9- عدم اعتماد التوريث في المؤسسات الإسلامية عامة، والبيروتية خاصة، لأن تداول المسؤولية هو الضمانة الأساسية للنهوض بالمؤسسات البيروتية.
10- العمل بشكل دؤوب على مأسسة المؤسسات الإسلامية التي لم تتحوّل إلى الآن إلى مؤسسات بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ومضمون، وضرورة وضع أنظمة وقوانين وحوكمة معاصرة يُعمل على التقيّد بها وتطبيقها.
11- العمل بكل السبل الآيلة لاستنهاض العائلات البيروتية لتأسيس مؤسسات تلبية لمتطلبات المجتمع البيروتي واللبناني، واستنهاضها لدعم المؤسسات القائمة على غرار الرعيل البيروتي الأول.
12- إِبعاد المفسدين والفاسدين والمرتشين من بعض المؤسسات الإسلامية، ومعاقبتهم ومحاكمتكم واعتماد سياسة الثواب والعقاب.
13- تحتاج المؤسسات الإسلامية للحفاظ عليها ولنموّها وتطوّرها إلى إدارة نظيفة تتميّز بالإدارة القائمة على التخصص والكفاءة والإخلاص، للعمل في إِنماء وتنمية المؤسسات الإسلامية، ووضع الخطط المستقبلية القائمة على التنمية المستدامة، بهدف تطوير مداخيل المؤسسات واعتماد الاستثمار وعدم الاكتفاء بمورد واحد للمؤسسات تلافياً لأية تطورات سلبية طارئة.
14- إِن إدارة المؤسسات الإسلامية تحتاج إلى أفراد لا يتمتعون بالحكمة والتخصص والإدارة الرشيدة فحسب، بل تحتاج إلى أفراد يتمتعون بالأخلاق والقيم والمثل العليا، والشعور بالمسؤولية، وأن تكون هذه الإدارة حريصة على مالية المؤسسات، وعلى عقاراتها وموجوداتها ومداخيلها، لهذا، فإن الإدارة ملزمة بمتابعة أوضاع المؤسسات متابعة فاعلة، وكي يتم حصول المؤسسات على الاستقرار والأمن الإداري والمالي والعلمي والاجتماعي والرعائي.
15- اعتماد الشفافية الإدارية والمالية في إِدارة المؤسسات وإدارة ماليتها، والعمل على نشر الموازنات التقديرية، ونشر الميزانية السنوية.
16- تحديث المؤسسات الإسلامية: علماً وإدارة ومالية وأنظمة.
17- الابتعاد عن الصراعات والمنافسات الداخلية في مجالس المؤسسات الإسلامية البيروتية على قاعدة صراع النفوذ والتفرّد والشخصنة والاستئثار بأموال ومقدرات تلك المؤسسات.
18- أهمية ابتعاد المؤسسات الإسلامية البيروتية وعدم إقحامها في المنافسات السياسية بين السياسيين البيارتة واللبنانيين، وعدم تورّطها بأن تكون تابعة لهذه القوى السياسية أو تلك، لأن المؤسسات العلمية والخيرية والاجتماعية والرعائية ينبغي أن تكون بمنأى عن السياسة، وأن تكون على مسافة واحدة من الجميع.
19- سائر الآليات الهادفة إلى ضمان استمرار مهام المؤسسات الإسلامية البيروتية.