بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 حزيران 2024 12:00ص الهجوم على الإسلام بين الجهل والمؤامرة

حجم الخط
د. محمد المنسي*

لا يُعدّ الهجوم على الإسلام اليوم، أمرا مفاجئا أو مستغربا؛ إذ منذ نزل القرآن الكريم من أربعة عشر قرنا، وبدأت معه وبه حضارة جديدة على الواقع الإنساني، إلّا أن ذلك صاحبه هجوم بأشكال متنوعة، ومن جهات مختلفة، بهدف واحد هو النيل من القرآن الكريم ومن ثم النيل من الدين الجديد وهو الإسلام.
لكن الهجوم اليوم يختلف عما سبقه، لانه يتعلق بأول وأهم مقدّسات المسلمين وأساس دينهم وهو القرآن الكريم، من حيث التفسير والتأويل، ويتعلق كذلك بأهم ركن من أركان الإسلام وهو ركن الصلاة، من حيث مدلولها وكل ما يتصل بها من العدد والهيئة والمسمى وغير ذلك، في محاولة مكشوفة لبناء نظرية باطلة في التفسير مقطوعة الصلة حسب تعبير بعضهم (بالموروث الديني) وهو يقصد السنّة النبوية وكافة الأدلة التي أقيمت عليها الشريعة الإسلامية.. وتعتمد هذه النظرية على الوقوف عند الدلالة اللغوية للفظة القرآنية وليس السياق الذي وردت فيه اللفظة كما تستند الى الاستشهاد بموضع واحد من الآيات وليس الى عدة مواضع، كما تستند الى قراءة مرسلة أي غير ملتزمة بأية قواعد اتفق عليها جمهور العلماء والمفسرين في الأربعة عشر قرنا، والقاعدة الوحيدة التي يحتكمون إليها هي ما تقتنع به عقولهم وحدها على أساس ان القرآن الكريم دعا الى التدبّر، وكأنهم فهموا أن معنى التدبّر هو رفض الفهوم السابقة بدءا من عصر الصحابة حتى يوم الناس هذا.

استهداف الثوابت

ولأن الأصوات غير المعروفة في أي موقع علمي في العالمين العربي والإسلامي هي التي تداعت عبر تقنية الـ«يوتيوب» لطرح أفكارها وآرائها ورؤاها على ملايين المسلمين، أقول لأن هذه الأصوات، في ظل حالة الأميّة الدينية، تجد من يستمع إليها، وربما تبنّي منطقها الباطل، كان ولا بد من إثبات موقف، تمليه علينا المسؤولية العلمية والدينية والاجتماعية، ومن هنا نؤكد اننا سنتابع كل ما يقال، ونجمعه، وننظر فيه نظرة متأنّية، لمعرفة ما ورائه، للقيام بمهمة حراسة الدين والأوطان التي يمكن أن تتعرض لمخاطر لا يعلم مداها إلّا الله ، لأن الهجوم هذه المرة يستهدف ثوابت الدين والوطنية.
ولا أبالغ إذا قلت اننا أمام حالة (داعشية ) نسبة الى (داعش) المعاصرة، أو الدواعش القدامى وأعني الخوارج، فالدواعش بنوا لهم فكرا خاصا بهم، وانفصلوا به عن مجموع الأمة ويحاربون معركتهم حديثا من وراء شاشات الفيديو.. لكن هل يستطيع أحدهم أن ينزل الى الشارع أو المسجد ليقول ما يقول؟!
وهم وأي عاقل يعلم الجواب الصحيح عن ذلك السؤال..
ويتبقى لي أن أؤكد على بعض التوجيهات العامة، استهدف بها حماية جمهور المسلمين من الوقوع في هذه الفتنة والضلالة الجديدة:
أولا: لا ينبغي لمسلم أن يعتمد في فهم دينه وعقيدته على من لا يعرف من الأشخاص رجالا ونساء، مهما كان كلامه منمّقا أو يبدو منطقيا عند بعض العقول.
فان هذا الدين علم، فانظروا عمن تأخذون دينكم أي لا بد أن يتحقق الإنسان من هوية من يتكلم في مسألة من مسائل الدين بأية صورة من صور التحقق وإلّا وقع في الإثم حيث خالف قوله تعالى {ولا تقف ما ليس لك به علم...}، اننا نأخذ الدين ممن نعرف نسبه العلمي:
من هذا؟ أين تعلّم؟ من شيوخه ومعلموه؟
ومن الذي شهد له من أهل العلم؟؟
ثانيا: انه قد ثبت بالنص القطعي الثبوت، أن الأمة الإسلامية هي (خير أمة أخرجت للناس) وان هذه الخيرية تستلزم ألا تجتمع هذه الأمة على ضلالة، مع ورود أحاديث تفيد هذا المعنى، وقد أجمعت الأمة على أن القرآن لا يفهم حق الفهم إلّا بالعودة الى السنّة والسيرة النبوية، كما أجمعت على أن ما يمارسه المسلمون من أركان الإسلام: صلاة أو زكاة أو حج أو عمرة، هو الصورة النهائية، التي استقرّت منذ حياة النبي صلى الله عليه وسلم والتي لا تقبل المناقشة أو الحذف أو الإضافة لأنها ثابتة بأصول الإسلام وازدادت ثبوتا بإجماع المسلمين العملي، وهو أقوى من الإجماع القولي.
ثالثا: في ظل حالة الفوضى الإعلامية التي أنتجت نظرية (الفوضى الخلّاقة) ومعناها الفوضى التي تصنع أوضاعا جديدة في الفكر والثقافة والسياسة والسلوك الإنساني.
يجب أن يتوقف المرء طويلا أمام أي كلام يقال له (في الدين والدنيا) عبر هذه الوسائل لأنها تعمل بأحد أمرين:
اما التوجيه الإعلامي ومعناه أن هناك توجيهات أي أوامر لا تصدّ ولا تردّ، وهذا هو الغالب، واما الصدفة ولا مكان للصدفة في عالم اليوم فلم يبقَ إذن إلّا التوجيه الإعلامي والضحية هو المشاهد المسكين الغلبان الذي يسلّم نفسه للجناة بأقل مجهود..
{قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا} [الإسراء،: ٨٤].

* أستاذ الشريعة في كلية دار العلوم المصرية