تحدث الدكتور إبراهيم عبد المعطي، الباحث المصري بالعلوم اللغوية، عن حديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسدوا، ولا تناجَشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبِع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذُله ولا يحقِره»، وقال عبد المعطي أن هذا الحديث يدعونا إلى أن نتجنّب الأخلاق السيئة، وأن نحافظ على سلامة قلوبنا من أجل سلامة المجتمع، ليعيش الجميع في محبة وسعادة، فلا ينغّص الواحد منّا على أخيه حياته، فتمتلئ القلوب بالشحناء وهو حديث يدعو إلى تجنّب بعض الصفات التي تؤدي إلى زعزعة السلم في المجتمع، وتنشر الكراهية بين الناس، ومنها الحسد، ويصل بعضها إلى جرائم في التجارة، حسبما يقول عبد المعطي موضحاً معنى التناجش في اللغة وفي التجارة وكيف يحدث في العصر الحديث.
وأشار عبد المعطي إلى أن من أسباب تغيّر القلوب، أن يظلم الشخص شخصا آخر، فيشعر بشيء في نفسه تجاه هذا الشخص، ويصل الأمر أحيانا، إلى نشوب المشاجرات، التي قد تبدأ بالعتاب، أو الكلمات العنيفة، وتصل إلى وقوع إصابات، ولا تخلو من جرائم قتل، وفي الحديث ينبّهنا الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً إلى ضرورة أن نعمل على صيانة قلوبنا لترتقي أخلاقنا، فتسود المحبة بدلا من الشحناء والتنازع، والتعاون والمنافسة الشريفة، بدلا من الأحقاد والمعارك.
وأضاف عبد المعطي أن النبي صلى الله عليه وسلم لفت النظر إلى ضرورة البُعد عن الآفات التي تشعل القلوب، وأن نرضى بما قسمه الله لنا فلا ننظر إلى ما لدى الآخرين من نِعَم أنعم الله بها عليهم، بل ننظر إلى ما بين أيدينا ولو كان قليلا، ليبارك الله فيه، فيكفينا.
وأوضح الدكتور عبد المعطي معنى التناجش الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو أمر يقع فيه بعض التجار، والتناجش هو جريمة من الجرائم التي تحمل صفات الغش والخداع والتدليس، وقال عبد المعطي أن أصل كلمة «النجش» يعني: الاستثارة، وهو أمر يقوم به الصياد عند التعامل مع حيوانات الصيد، إذ يستعين بشخص يقال له «الناجش»، ومهمته هي استثارة الحيوان حتى يمرُّ أمام الصائد، وهو ما يحدث مثيله في التجارة، فيقول عبد المعطي أن النجش وسيلة لاصطياد المشتري وإيقاعه في شباك التاجر، مع خداعه لكي يرضى بالسعر المرتفع الذي يسعى إليه التاجر، وذلك عن طريق استعانة بعض التجار بشخص يقوم بعملية «النجش».
وقال عبد المعطي أنه في معظم الأحيان، يكون «النجش» باتفاق بين البائع و«الناجش»، ليتعرض المشتري لعملية خداع، ينتج عنها أن يشتري السلعة بسعر مبالغ فيه، ويقع في الفخ؛ لأنه يظن أن «الناجش» أحد المشترين.
وجوه بلاغية
قال عبد المعطي أن بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم ظهرت في الحديث عن أمراض القلوب، فقد قال «لا تحاسدوا ولا تناجشوا»، على وزن «لا تَفَاعَلُوا»، وصيغة «تَفَاعَل» في اللغة تدل على المشاركة بين طرفين أو أكثر، فيقول عبد المعطي أن النبي صلى الله عليه وسلم يدعونا إلى ألا نتشارك في هذه الأفعال السيئة حتى لا تتحوّل إلى صفات راسخة بيننا، وأوضح عبد المعطي إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم يدعونا في الحديث السابق إلى التعامل العادل مع الناس، فلا نخدعهم من أجل الحصول على المال.