كتبنا كثيرا وقلنا أن الإصلاح في الفكر الديني بات ضرورة في أيامنا هذه، وخاصة في بلادنا التي تعاني من شتّى أنواع الفساد والمنكرات ولا أحد يتكلم أو يتحرّك..؟!
وقلنا أيضا كثيرا... أن هذا السكوت المخزي سينعكس زيادة في الفساد في شتى المجالات وخاصة في أمور الدين وفي الفكر الديني، بل وربما يكون في التعدّي الواضح على الدين نفسه..؟!
ومع ذلك لم يتحرّك أحد ساكنا ولم يبادر أحد، وإنما ظلوا في سباتهم نائمين..؟!
كنا نقول دوما لا تقفوا عند ما وصلنا من أساليب دعوية، بل تفكّروا وتفاعلوا مع كتاب الله حتى نكون من أهل القرآن قولا وعملا وحضارة، فقالوا لنا نتمسّك بالسلف وبالأصالة وبالتاريخ وبالتراث..؟!
ولكن كان تمسّك السلف بسلفهم توقفاً عن التفكير والتطوّر والإبداع..
هل كان احتضان القدماء للأصالة خنقا للتجديد والاجتهاد والتطوّر والابتكار..؟
هل لبسوا عباءة الماضي حتى تعرَّى حاضرهم وانكشف مستقبلهم..؟
فبأي منطق يتكلمون ولسانهم للأسف لم يتعوّد إلا على التقليد وعلى «الببغاوية»..؟
إدّعاء النبوّة وصمت تام
فماذا كانت نتيجة هذا الهجر العام لكل مجريات الحياة من حولنا وابتعاد لسان الدعوة والإرشاد عنها..؟!
منذ أيام انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع لكائن ما من بلادنا يدّعي النبوّة، وأنه رسول من رب العالمين، وبدأ «بالتخريف» ونشر الأكاذيب والضلالات، وتمّت مشاركة المقطع والإقبال عليه بمئات الألوف، ربما حبّاً باستطلاع الأمر فقط، ولكن الواقع يقول أن بات بيننا من يدّعي النبوّة والرسالة وأن الوحي يأتيه من رب العالمين... ولم يتحرك أحد..؟!
قبله انتشرت برامج أخرى ضجّت بها وسائل الإعلام لمدّعين يتكلمون بالغيب ويتنبأون بالمستقبل ويقولون زورا وبهتانا أنهم على علم بما سيجري بعد أشهر، ومع ذلك أيضا لم يتحرك أحد ولم يبادر أحد..؟!
إذن هناك مشكلة كبيرة جدا جدا جدا في موضوع الدعوة في بلادنا، وإن لم نبادر لحلّها فالمستقبل أمام أولادنا في لبنان أسود تماما..؟!
وهنا يطرح السؤال... لماذا وصل حال الدعوة والدعاة إلى هذا المستوى السلبي الذي يعاني منه الجميع، صالحين كانوا أم فاسدين..؟!
نعم.. الدعاة أنفسهم يتحمّلون جزءا كبيرا من تلك المسؤولية خاصة وأنهم آثروا الصمت والسكوت على أدعياء انتسبوا أولا إلى صفوفهم فأساءوا وأفسدوا وأضلّوا بل وأشاعوا صورة سوداء عن خنوع وخضوع وإنكسار وربما عن جهل الداعية...
نعم... هم محاربون من غير واحدة من الجهات التي تريد قتل دورهم ومكانتهم في النفوس، ولكن للأسف هم أيضا في الأساس من ساعد على تنفيذ عملية القتل بأنهم ارتضوا السكوت عن ظلم طالهم فما حركوا ساكنا ولا رفضوا فسادا ولا أنكروا منكرا...؟!
أيها السادة الأفاضل... إن الداعية الذي يريد الدعوة باللسان فقط ويهجر الدعوة بالكيان، فينأى بذاته وبسلوكه وتصرفاته وفكره عن دعوته وعن واقع الحياة من حوله، هو داعية يعاني من طفولة فكرية... فالداعية الحق هو الذي يجعل حياته كلها بما تحتويه من أحداث ومواقف وكلام وأفعال مرآة واضحة على صدق دعوته باللسان فلا يأتي بفعل يخالف قوله ولا يصرّ على عمل يناقض ما يدعو له، ولا يقدم على تجارة أو صناعة أو بيع يرتكب فيه ما ينهى الناس عنه، ولا يعش أيضا في دعوته بعيدا عن واقع الحياة، بل يكون فاعلا ومؤثّرا وكاشفا لكل فساد يحدث من حوله...
نعم الدعاة محاربون ولكن...
من الذي أساء منذ البدء فطالب الناس بالإحسان وهو يسيء إليهم..؟!
من الذي دعا الناس إلى التواضع ثم عاش متكبّرا عليهم..؟!
من الذي يحدثهم عن ضرورة الصدق بينما هو يعامل المجتمع كله بالــــ«مجاملة» (حتى لا نقول تعبيرا آخرا)....؟!؟
بل من الذي أصّـل في نفوسهم حرمة الربا والغش والسرقة والتحايل ثم (غطس) في بحور المنفعة الخاصة والكسب الذاتي والمصالح الشخصية وجني الأرباح...؟!
أليسوا الدعاة في جزء كبير منهم...؟!
وقف إنكسار الصورة
إذن... حالنا يصرخ أن حالة التناقض التي يعيش بداخلها كثير من الدعاة والمشايخ لم يعد من المسموح أبدا السكوت عنها ولا القبول بها تحت أية ذريعة تساق هنا أو هناك، كما لم يعد مسموحا أن تنكسر الصورة - الرمز أكثر من انكسارها التي هي عليه الآن..؟!
والمطلوب نعم.. عمليات إصلاحية مكثّفة.. تطال نفوس جميع الصادقين من أجل التغيير والتحسين والتصويب ورفض البقاء خارج نطاق الحياة..؟!
المطلوب.. إصرار صادق للعودة بمسار الدعوة في بلادنا إلى جادة الحق التي أرادها الله تعالى من الدعاة وبيّنها لنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله (العلماء ورثة الأنبياء)...
إن الوضع أصبح صعبا جدا جدا، وأصبح خطيرا جدا جدا، فإيمان أبناؤنا وبناتنا يتعرّض للتشويه الكامل الذي وصل كما قلنا إلى حد إدّعاء النبوّة عند البعض، عدا عن حملات التحريض والإساءة المستمرة لكل ما له علاقة بالإسلام.
أيها الدعاة اللبنانيون جميعا أنا آسف ولكن...
اسألوا أنفسكم...
لماذا غابت الثقة من نفوس الناس تجاهكم...؟!
وما هو سر عزوف المسلمين عن أكثركم...؟!
بل ولماذا دخل بينكم من لا يستحق حتى بات العمامة (وظيفة من لا وظيفة له)..؟!
آسف للمرة الثانية... ولكن بين الدعاة اليوم من لا يحملون من صفات الداعية سوى لباسه وهيئته، ومن لا يشابه العلماء إلا بالإسم والرسم واللحية..؟!
فهيا بنا جميعا نجدّد العهد والميثاق مع الله تعالى فنعمل جميعا تحت راية التوحيد لنعلنها صراحة لا لكل من يريد تحويل (العمامة) إلى وظيفة أو استثمار..؟!
هيا بنا لنبرأ ذمتنا أمام الله أولا، ثم لننقّي ساحاتنا من الذين تأكسدت عقولهم وقلوبهم وعمائمهم، فإن الخوف.. كل الخوف.. أن يؤدي طول الصمت إلى صدأ يعتري القلوب فيعميها عن رؤية الصواب ونصرة الحق وقول العدل.. هذا إن كان في الصدر بقية قلب..؟!؟
bahaasalam@yahoo.com