في ختام ملتقى البحرين للحوار «الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني»، وبحضور «البابا فرنسيس»، دعوة بارزة وجّهها «شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب» إلى علماء الدين الإسلامي من مختلف الطوائف لإجراء «حوار إسلامي - إسلامي»، وخاطب فيها الإخوة من المسلمين الشيعة بالقول: «هذه الدعوة إذ أتوجه بها إلى إخوتنا من المسلمين الشيعة، فإنني على استعداد، ومعي كبار علماء الأزهر ومجلس حكماء المسلمين، لعقد مثل هذا الاجتماع بقلوب مفتوحة وأيدٍ ممدودة للجلوس معاً على مائدة واحدة».
دعوة إلى المسارعة إلى حوار جاد من أجل إقرار الوحدة والتقارب والتعارف، ونبذ أسباب الفرقة والفتنة والنزاع الطائفي، وتجاوز صفحة الماضي، والعمل على وقف خطابات الكراهية والتكفير، ومنع استغلال الدين في إثارة النعرات القومية والمذهبية، والتدخل في شؤون الدول والنيل من سيادتها وسلامة أراضيها.
وتأتي هذه الدعوة الطيّبة في هذا التوقيت لاستكمال المسار السياسي الحواري الذي أطلقه العراق قبل قرابة العام بين إيران والمملكة العربية السعودية، بهدف تحسين العلاقات بين أكبر قوتين شيعيّة وسنيّة، وبعد سنوات طويلة من الخصومة الممتدّة والمتمدّدة في الأقاليم العربية من العراق إلى اليمن ودول الخليج العربي، ومن سوريا إلى لبنان وفلسطين.
وقد رحّبت إيران بهذه الدعوة عبر أمين عام المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب «حجة الإسلام حميد شهرياري»، الذي دعا شيخ الأزهر إلى زيارة طهران من أجل وضع الأسس الأولية للحوار الإسلامي - الإسلامي، وفي نفس الوقت أبدى الأمين العام استعداده للذهاب إلى القاهرة ومناقشة موضوع الحوار عبر وفد من مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية.
وكذلك لاقت دعوة شيخ الأزهر ترحيباً واسعاً من قبل المراجع الدينيّة الشيعيّة في لبنان، من العلّامة السيد علي فضل الله، إلى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، إلى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب.
الأسس التي يمكن أن ينطلق منها الحوار
ولكن ما هي الأسس التي يمكن أن ينطلق منها «الحوار الإسلامي - الإسلامي» الذي دعا إليه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب لتحقيق الأهداف المرجوّة من الاجتماع؟
الأساس الأول لا بد وأن يكون أساساً إلهياً، من منطلق إيماني وتوحيدي عقائدي بشهادة «لا إله إلا الله».
والأساس الثاني نبوي بشهادة «محمد رسول الله».
أمّا الثالث فهو أساس فقهي مرتكزه التوافق على عصمة القرآن الكريم من التحريف، وعصمة الرسول، وتكريس مبدأ عدم الإساءة إلى رموز المسلمين، والأساس الرابع هو الأساس السياسي والشرط اللازم لإنجاح الحوار الديني من خلال التوافق السياسي وتعزيز الأمن وإحلال السلام بين الدول الإسلامية.
أولاً- الأساس الإلهي للحوار الإسلامي - الإسلامي: القضية المركزية في هذا الأساس هي وجوب التمييز بين الشريعة الإسلامية ذات المصدر الإلهي، وبين الفقه الإسلامي باعتباره علماً يعنى بدراسة الأحكام الشرعيّة.
وأهمية هذه القضية تتجلى في إزالة اللغط حول إطلاق إسم الشريعة الإسلامية على الفقه الإسلامي، وهي مسألة غاية الخطورة وغير جائزة في حلول المدلول الإلهي للشريعة الإسلامية في المدلول الإنساني للفقه الإسلامي، وفي إلحاق تبعات ونتائج غير محسوبة وغير صحيحة على المستويين النظري والعملي، ومنها على سبيل المثال:
1- الخطأ في إسناد إطلاق إسم الشريعة الإسلامية على الفقه الإسلامي إلى قاعدة «إطلاق العام وإرادة الخاص»، ومردّ ذلك أن الفقه الإسلامي (الإنساني) ليس قسماً خاصاً من أقسام الشريعة الإسلامية (الإلهية) لتطبيق هذه القاعدة كما هو معمول به في كليات الحقوق والشريعة، وإنما هو علم يُعنى بدراسة الأحكام الشرعيّة، وهو يحتمل الصواب والخطأ في تحديد هذه الأحكام الإلهيّة.
2- الخطأ في القول بأن «إطلاق إسم الشريعة على الفقه جائز ومقبول ما دام المعنى المراد من هذا الإطلاق معروف»، ولو جاز ذلك لأمكن إطلاق أيّ كلمة ذات مدلول معيّن على كلمة ذات مدلول مختلف دون ضابط، وهو عمل غير مقبول في إطار العلوم التطبيقية والعلوم الإنسانية على حدٍّ سواء، ويشكِّل هذا الأمر في علم الفقه التباساً على الدارسين من جهة، وباباً للطعن في الشريعة الإسلامية بسبب أخطاء الفقه الإسلامي الواردة في فهم أحكامها من جهة ثانية.
وهكذا الأساس الإلهي القائم على عقيدة التوحيد هو صمّام الأمان والإيمان بكتاب الله وطريق الوحدة بين المسلمين من خلال تسليمهم بدين الله دون اختزاله بطائفة أو مذهب أو مدرسة فقهية بعينها. قال تعالى: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء} [الأعراف: 3].
ثانياً- الأساس النبوي للحوار الإسلامي - الإسلامي: يستند هذا الأساس إلى السنّة النبويّة باعتبارها المصدر الثاني لأحكام الشريعة الإسلامية بعد القرآن الكريم.
وأدلة السنّة كمصدر للأحكام الشرعيّة آيات قرآنية عديدة تدعو إلى طاعة الله ورسوله، ومنها: {وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون} [آل عمران: 132]، وقوله تعالى: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا} [الأنفال: 46]. وقوله تعالى: {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر، 7]. الأساس النبوي الجامع بين المسلمين هو الأساس الملازم للأساس الإلهي بتلازم الشهادتين في الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمداً رسول الله.
ثالثاً- الأساس الفقهي للحوار الإسلامي - الإسلامي: يمكن تحديده من خلال العناصر التالية:
- الفقه الإسلامي وإلزاميته المستمدة من أحكام القرآن والسنَّة.
- الفقه والإجتهاد باعتباره المصدر الثالث للأحكام الشرعيّة.
- سياسات الدول الإسلامية وتقييد الإلتزام بها بأحكام الفقه الإسلامي المتفق عليها بين المسلمين، وبناءً عليه، يتحدد الأساس الفقهي للحوار الإسلامي - الإسلامي بأنه إقرار الوحدة والتقارب والتعارف عملاً بأحكام القرآن والسنّة، ونبذ الإساءة إلى رموز المسلمين وأسباب الفرقة والفتنة والنزاع الطائفي والتكفير.
رابعاً- الأساس السياسي للحوار الإسلامي - الإسلامي: يشكّل هذا الأساس شرطاً لازماً لإنجاح الحوار الديني بين المسلمين، ومن خلاله تظهر نتائج التوافق السياسي بالتوازي مع نتائج التوافق الديني على أمور محددة، قد تكون كثيرة أو قليلة، ومن شأنها حفظ السلم والأمن بين مختلف الدول الإسلامية.
من المعروف أن حالة الدولة الإسلامية الواحدة التي كانت قائمة عملاً بمبدأ وحدة الأمة الإسلامية قد تحولت مع الزمن إلى حالة تعدد الدول الإسلامية، ومنها اليوم 57 دولة عضو في منظمة التعاون الإسلامي.
وفي ظل هذا الانتشار الكبير للمسلمين ودولهم في العالم، من الصعب جداً توقع حدوث تقارب إلى حدود الوحدة السياسية، أو حتى وحدة اقتصادية كاملة أو شبه كاملة على الأقل، وإنما هو تقارب بين الإخوة من كافة الطوائف والمذاهب الإسلامية مع الاحتفاظ بالخصوصيات والتنوع، وهو تقرّب إلى الله من خلال السعي إلى توحيد الصف والكلمة في كافة المسائل والقضايا التي تهمّ العالم الإسلامي.
هي دعوة مباركة في توقيتها ومضمونها من قبل شيخ الأزهر، وهذه أسس ومبادئ الحوار فيها: الأساس الإلهي ومبدأ التمييز بين الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي، والوحدة بين المسلمين من كافة الطوائف والمذاهب والمدارس وتسليمهم بدين الله الواحد «الإسلام»، والأساس النبوي الجامع بين المسلمين، والأساس الفقهي للحوار الإسلامي - الإسلامي، ومبدأ الوحدة والتقارب والتعارف، ونبذ أسباب الفرقة والفتنة والنزاع الطائفي والتكفير، ومبدأ عدم الإساءة إلى رموز المسلمين.