بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 أيار 2024 12:00ص مرصد الأزهر يؤكّد في تقرير جديد: تجويع غزة.. سياسة صهيونية طويلة الأمد

حجم الخط
يرتكب الاحتلال الصهيوني جرائم الإبادة الجماعية ضد أبناء الشعب الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر الماضي ٢٠٢٣م في قطاع غزة، عبر عدة طرق ووسائل أبرزها: القصف الجوي والعمليات البرية وتدمير المستشفيات، وغيرها من الوسائل التي يستخدمها الاحتلال الصهيوني أسلحةً تهدف إلى الإبادة الجماعية بحق فلسطينيي القطاع المحاصر. 
ولعل سلاح «التجويع» من أبرز الأسلحة التي يستخدمها الاحتلال في هذه الجريمة وتُعدّ من أبرز جرائم الحرب التي يرتكبها في عدوانه المستمر على قطاع غزة منذ أكثر من نصف عام.
وعلى الرغم من كونها ليست سياسة جديدة على الاحتلال ضد قطاع غزة، فإنها تُعدّ الأشدّ شراسة وفتكاً بسكان القطاع منذ عام ١٩٦٧م، أي منذ بداية الاحتلال الصهيوني في غزة، فمنذ ذلك التاريخ وسلطة الاحتلال تسيطر على سلة الغذاء الفلسطينية في قطاع غزة، وتهندس الاستهلاك الغذائي لسكانها كي تستخدم الغذاء سلاحاً للسيطرة عليهم. وعلى مدار عقود من الزمن ألحق الاحتلال ضرراً منهجيًّا بقدرة القطاع على إنتاج غذائه، كما قلّص إمكانية حصول سكانه على المياه الصالحة للشرب والأغذية المفيدة، ومن ثم، فمعرفة هذه السياسة الممتدة تُعدُّ أمراً ضروريًّا لفهم المجاعة التي تتفشى حالياً في غزة.
واتبع الاحتلال سياسة «التجويع» في قطاع غزة، حيث دمّر المزارع، وقام بسرقة أكثر من 10% من الأراضي الزراعية في غزة، واقتلع أكثر من 226000 شجرة، كما شدّد الاحتلال من الحصار الجوي والبحري على غزة، وقام بقصف المطار الذي تم بناؤه عام 1998 كجزء من اتفاقيات أوسلو، ودمّر الاحتلال في عام 2002م ميناءً بحريًّا تم بناؤه بالتعاون الهولندي - الفرنسي، كجزء من الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في مذكرة شرم الشيخ لعام 1999، كما قيّد الاحتلال المناطق التي يمكن للفلسطينيين الصيد فيها، حيث حدّدتها بمنطقة صغيرة جدًّا قبالة الساحل، مما وجّه ضربة قاسية لأحد أعمدة النظام الغذائي في غزة.

انعدام الأمن الغذائي

وقد أدّت هذه الممارسات، مقترنة بالقيود المتزايدة الشدّة المفروضة على حركة الأشخاص والبضائع، إلى انعدام الأمن الغذائي إلى حد كبير داخل القطاع، وهو الأمر الذي أكده تقرير منشور في المجلة الطبية البريطانية عام 2002، أن عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في غزة قد تضاعف في غضون عامين.
وخلال هذه المدة، بدأ رئيس وزراء الاحتلال –حينئذٍ- آريئيل شارون يدرك أنه لم يعد في الإمكان نشر مئات الجنود من جيش الاحتلال داخل قطاع غزة من أجل تأمين ثمانية آلاف مستوطن في القطاع، كما اعتقد أنه من خلال تنفيذ «خطة فك الارتباط» أحادية الجانب، سيتمكن الكيان الصهيوني من تقديم نفسه على أنه أنهى احتلال غزة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يساعد على خلق فصل تام بين غزة والضفة الغربية بشكل عام، كما سيسمح للكيان الصهيوني بالتوسع في بناء المستوطنات في الضفة الغربية وتحصينها كذلك.
وبالفعل قامت حكومة الاحتلال في عام 2005 بتفكيك المستوطنات غير القانونية في غزة، ونشرت جنود جيش الاحتلال على حدود القطاع، وأنشأت قواعد عسكرية خارج القطاع بشكل مباشر، وزادت من استخدام الطائرات بدون طيار، وأنشأت منطقة عازلة بعرض يتراوح من 150 إلى 500 متر تقتطع الأراضي الزراعية، وألزمت المزارعين أن يقتصروا على المحاصيل منخفضة الأوراق مثل السبانخ والفجل والخس؛ وذلك لعدم حجب الرؤية عن جنود الاحتلال المتمركزين على حدود القطاع. ومنذ هذا الحين، بدأ الاحتلال في تجميع قوائم المنتجات التي لا يمكن إدخالها إلى غزة، وفرضت قيوداً صارمة على عدد من السلع التجارية والإنسانية، وهو الأمر الذي أكده المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وعدد من المنظمات الأخرى في عام 2006، إذ ذكرت أن قيود الاحتلال خلقت نقصاً في الدقيق وبدائل الحليب والأدوية، وهو الأمر الذي أعلنه صراحة مستشار رئيس وزراء الاحتلال في ذلك الوقت ورئيس مجلس أمناء جامعة حيفا حالياً «دوف فايسجلاس» في قوله: سياسة الحكومة: «الأمر أشبه بلقاء مع أخصائي تغذية سوف يفقد الفلسطينيون وزنهم بشكل عادل، لكنهم لن يموتوا».
وأسفر فرض تلك القيود عن زيادة الفقر، وخلق حالة من انعدام الأمن الغذائي، ووقتئذ أخلت حكومة الاحتلال مسؤوليتها تجاه هذا الوضع، حيث زعمت أنه وفقاً لصياغة «خطة فك الارتباط» الأحادية الجانب، والتي تنص على أنه بعد انسحاب قوات الاحتلال من غزة «فلن يكون هناك أساس للادّعاء بأن قطاع غزة أرض محتلة»، وأعلن المدعي العام للاحتلال أن الكيان الصهيوني لم يعد يتحمل أية التزامات تجاه سكان القطاع بوصفه قوة احتلال.
وفي عام 2007، فرض الاحتلال بشكل رسمي حصاراً على سكان القطاع البالغ عددهم حينذاك 1.5 مليون نسمة، في منطقة تُعدّ بالفعل من بين أكثر المناطق كثافة سكانية على مستوى العالم، وكجزء من توجيهات مجلس الوزراء الأمني الصهيوني «الكابنيت» لفرض الإغلاق على القطاع، أوصى المجلس بتقليص إمدادات الوقود والكهرباء، والسماح فقط بدخول السلع الضرورية للبقاء على قيد الحياة.

سوء التغذية وحساب السعرات الحرارية

واستمر الكيان الصهيوني في سياساته الرامية إلى هندسة سوء تغذية سكان قطاع غزة، وذلك من خلال إدخال السلع الغذائية الأساسية إلى القطاع، بكميات محددة، وهو الأمر الذي كشفت عنه مجلة «نيويورك ريفيو» في مقال نشرته في كانون الأول من العام الماضي، حيث اقتبست الباحثة سارة روي من بيان بتاريخ 3 نوفمبر 2008 أرسلته السفارة الأميركية في تل أبيب إلى وزير الخارجية: «كجزء من خطة الحصار الشاملة ضد غزة، صرّح كبار المسؤولين الصهاينة [لمسؤولي السفارة] في عدة مناسبات بأنهم يعتزمون إبقاء اقتصاد غزة على حافة الانهيار دون دفعه إلى الحافة».
وشملت الأطعمة التي حظر الاحتلال إدخالها إلى القطاع (الشوكولاته وزيت الزيتون والعسل وبعض الفواكه) والتي صنّفها الاحتلال على أنها «سلع فاخرة». وتم تحديد حصة اللحوم الطازجة لجميع السكان بـ 300 عجل في الأسبوع.
وهو الأمر الذي أفضى إلى تقديم شركة أغذية في غزة التماساً إلى محكمة الاحتلال العليا ضد القيود الأخيرة في عام 2008.
وكان رد المدعي العام للاحتلال أن الحكومة حسبت أن سكان غزة يحتاجون إلى 300 عجل بالضبط في الأسبوع لتلبية احتياجاتهم الإنسانية. وتماشياً مع تقليد قديم فيما يتعلق بمسائل حقوق الإنسان الأساسية للفلسطينيين، رفضت محكمة الاحتلال التدخّل.
وفي أعقاب ذلك، بدأت منظمة حقوقية تعمل داخل الكيان الصهيوني تُسمّى: «جيشاه» العمل في محاولات للكشف عن معركة قانونية استمرت ثلاث سنوات ونصف لكشف السجلات التي تظهر أن الكيان الصهيوني توصل إلى مجموعة متنوعة من الصيغ الرياضية لتحديد كمية وأنواع الطعام التي تسمح لها بدخول غزة.
وفي عام 2012 نجحت المنظمة في نشر وثيقة صادرة عن وزارة الحرب الصهيونية، استناداً إلى نموذج أعدّه مسؤولو وزارة الصحة، بعنوان: «استهلاك الغذاء في قطاع غزة - خطوط حمراء». ويتضمن جداول ومخططات توضح بالتفصيل المدخول الغذائي اليومي حسب الجنس والعمر وحساب الحد الأدنى من السعرات الحرارية التي ستسمح «بنظام غذائي كاف للعيش دون تطور لحالات سوء التغذية».
وافترضت الوثيقة أن الفلسطينيين في غزة لن يتمكنوا من استيراد «المنتجات الغذائية الأساسية» إلّا بكميات محدودة، من الدقيق والأرز والزيت والفواكه والخضروات واللحوم والأسماك والحليب المجفف وبدائل حليب الأم للرضّع، والتي قدّر الاحتلال أنها يمكن أن تدخل في 77 شاحنة في اليوم.
ومع إضافة الأدوية والمعدات الطبية ومستلزمات النظافة والمعدات الزراعية، بلغ عدد الشاحنات المسموح بدخولها يوميًّا (5 أيام أسبوعيا) 106 شاحنات، إضافة إلى 60 شاحنة أخرى محمّلة بالقمح أسبوعيًّا ستدخل عبر السيور الناقلة في معبر كارني، ليصبح إجمالي عدد الشاحنات المسموح بدخولها يوميًّا إلى 118 شاحنة. وافترضت هذه الحسابات أن المواد الغذائية التي ستدخل إلى غزة ستوزع بالتساوي بين السكان، وهو افتراض لم يسبق له مثيل في أي سياق تاريخي أو جغرافي.
وافترض الاحتلال كذلك أن 10% فقط من الاحتياجات الغذائية للسكان سيتم تلبيتها من الفواكه والخضروات المنتجة في غزة – وهو اعتراف ضمني بمدى استمرار سيطرة الاحتلال على حياة الفلسطينيين. ويتضح من خلال ما ذكرناه، ووفقاً لبيانات ذكرها تقرير نشره موقع «سيحا مقوميت»، فإنه قبل العدوان الحالي المستمر ضد قطاع غزة والذي يُمكن تسميته: «حرب إبادة» بوقت طويل، فإن الاحتلال جعل معظم سكان القطاع يعانون من نقص التغذية، حيث كان الأطفال (حديثو الولادة) أكثر عرضة للوفاة بسبع مرات من أولئك الذين يولدون في مناطق قريبة جدًّا من القطاع مثل بئر السبع أو تل أبيب.
هذه الحسابات التي عرضناها هي في الأوقات العادية، وليست في أوقات العدوان الصهيوني على القطاع، والتي حدثت خمس مرات خلال الـ 15 عاماً الماضية، أما خلال الفترة التي تشتدّ فيها الأزمة يخفض الاحتلال الحد الأدنى من المدخول الغذائي لسكان القطاع بشكل كبيرٍ.