بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 حزيران 2022 12:00ص مساوئ قوانين الزّواج المدني

حجم الخط
 إنّ القوانين التي يُطلق عليها إسم قوانين الزواج المدني، فهي ليست قوانين مدنيّة، بل هي قوانين وضعيّة لا دينية. وقد أطلق الغربيون عليها هذا الاسم ليُوهِمُوا الناس بأنّها قوانين حديثة ومتطوّرة. والحقيقة أنها ليست حديثة ولا  متطوّرة، بل هي قوانين تؤدّي إلى خلل اجتماعي، وينتج عنها أزمات كثيرة: أسريّة وصحيّة واجتماعية وتربوية وتعليمية وأدبية و أخلاقية وقيميّة...; وذلك كما حدث ويحدث في المجتمعات الغربية التي طبّقت هذه القوانين، ويمكننا عرض بعض هذه الأزمات على الشكل التالي:
1- إنّ معظم الأسر في المجتمعات الأوروبية والأميركية قد تفكّكت وانهارت، وساءت العلاقات بين أفرادها، وارتفعت نسب الطلاق فيها، فوصلت في إسبانيا، إلى ما بين 70 و75٪، وفقاً لإحصاءات الدولة الرسمية. ومن الأخبار التي تتناقلها الصحف والمجلات في الغرب أن بعض النسوة يُسارعْنَ إلى طلب الطلاق بثبات وعناد وإصرار، من غير خوف على الأولاد من تشرّد أو صدمة أو انفصام; وذلك للحصول على نصف ثروة أزواجهنّ إذا كانوا من أهل الغنى والسَّرَاء، كون القاضي سيحكم لهنّ بنصف هذه الثروة على الأقل بإسم المساواة بين الجنسين، وبإسم قوانين الزواج المدني التي أحلّت الطلاق بعد أن كان محرّماً في المجتمعات المسيحية.
وقد عبّرت الممثلة العالمية مونيكا بللوتشي عن هذه الظاهرة بالقول: «أعتقد أن الأمر الطبيعي هو أن يكون المرء وحده، فإن يستمرّ زوجان مع بعضهما بشكل جيد أمر نادر، ومن الممكن أن يستمرّ هذا الأمر، لكنه إذا استمرّ فيكون عندئذ معجزة».
2- إنّ علاقات الأسرة الواحدة، التي كانت تقوم على قيم الوداد والتعاون والتضامن والاحترام، قد تزعزعت وانهارت هي الأخرى، بسبب قوانين الزواج المدني التي سمحت لهؤلاء الأفراد بالتحلّل والتفلّت من هذه القيم والعيش وفقاً لرغباتهم وأهوائهم، ضاربين عرض الحائط بكل القيم الأخلاقية والإجتماعية، والدليل على ذلك ما ترويه الصحف كل يوم عن الفضائح الجنسية والخيانات الزوجية التي يرتكبها الناس وبعض المسؤولين في الغرب.
3- إنّ قوانين الزواج المدني سمحت للأبناء - ذكوراً وإناثاً - بترك منازل والديهم، والعيش في مساكن مستقلّة مع أصدقائهم، والإنجاب منهم بزواج غير شرعي; وهذا ما يُعرف في الغرب بحياة المساكنة التي انتشرت بشكل واسع وكبير، والتي أدّت إلى انقطاع صلات الأرحام، وإلى ضياع الأنساب، وازدياد أولاد الزّنى، بحيث وصلت نسبتهم في المجتمع البريطاني - على سبيل المثال لا الحصر- إلى 70٪.
4- كما سمحت هذه القوانين للقاصرين والقاصرات بممارسة الجنس في سنٍّ مبكّرة، بحيث إنه من النادر أن تجد في المدارس والجامعات الأوروبية والأميركية طالبة أو تلميذة في عمر الرابعة عشر ربيعاً من دون أن تُقيم علاقات جنسية مع زميل لها أو أكثر.
وقد عبّر الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الإبن عن هذه الظاهرة، في التصريح الذي أدلى به أمام وسائل الإعلام بقوله: «إن الإختلاط في مؤسساتنا التربوية شكّل لنا مشاكل جنسية كثيرة». ولكنه لم يفصح عن هذه المشاكل الجنسية الكثيرة التي يمكن أن ينتج عنها مشاكل: نفسية وصحيّة ومرضية، ومشاكل اجتماعية وتربوية، ومشاكل أخلاقية ومالية واقتصادية...
زواج المثليين
5- كذلك سمحت قوانين الزواج المدني للأفراد في المجتمعات الغربية بممارسة الجنس في الشوارع والساحات والأماكن العامة، وببروز ظاهرتي الشذوذ الجنسي والإنحراف الأخلاقي، وبالترويج لزواج المُثُل أو المثليين، ومن ثم إلى قوننته وتشريعه، مخالفين في ذلك سنن الكون والحياة، وفطرة الإنسان التي فطر الله تعالى الناس عليها، لكي تستمر الحياة وتتكاثر الكائنات، والتي تقوم على زواج الذكر من الأنثى، والأنثى من الذكر، وفي ذلك يقول الله تعالى:
{سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} (سورة ياسين: آية ٣٦). {وَمِنَ الَأنعَامِ أَزٌوَاجاً} (الشورى: آية 6).
{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الذاريات: آية 5) ثم يقول: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى} (القيامة: آيات 37 و38 و39).
إن زواج المثليين، الذي أقرّته بعض الدول في الغرب، هبط بالإنسان إلى ما دون الكائنات الحيّة الأخرى، التي لم تشذّ أو تخرج عن نوامیس غرائزها في توالدها وتكاثرها. كما أنّ هذا الزواج قد مسّ الإنسان بكرامته ووجدانه وضميره، فقوّض قِيَم الفضيلة في المجتمع، وزعزع الأخلاق النبيلة فيه وهدّم العلاقات السليمة والمثلى بين الأفراد والجماعات...
ومع هذه المساوئ نتج عن هذا الزواج أمراض نفسية وجسدية خطيرة: كمرض نقص المناعة، ومرض الزهري، وسرطان الشّرج، والورم الحليمي البشري، والتهابات الكلاميديا والسيلان، وغيرها من الأمراض الفتّاكة والمميتة.
وقد أثبتت الدراسات الطبية في أميركا أن ٦٣٪ من مرضى الأيدز هم من الرجال المثليين وثنائي الجنس، وأن /11/ ألف شاذ أصيبوا بهذا المرض في عام ٢٠١٠. كما أثبتت هذه الدراسات أن ٨٣٪ من المصابين بمرض الزهري هم من الرجال المثليين، ووفقا لمؤسسة الصحة الفرنسية الرسمية، فإن ٤٤٪ من المصابين بفيروس السّيدا عام 2016 هم من ثنائيّ الجنس.
6- ومن مساوئ قوانين الزواج المدني أنها أقرّت ظاهرة التبنّي، وتسجيل المولود الجديد في الدوائر الرسمية بإسم الزوج، حتى ولو كان من غير صلبه، وبأن يستفيد هذا المولود من الميراث كبقية الأبناء الحقيقيين، وبأن توزّع ثروة المتوفّي على الأولاد - ذكوراً وإناثاً - بالتّساوي مخالفين بذلك أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية. كما أقرّت هذه القوانين أن تتزوّج المرأة من الرجال المحرّمين عليها شرعا، وأن يتزوج الرجل من النساء المحرمّات عليه، كزواجه من أمه التي أرضعته، ومن أخته بالرضاعة، وأن يتّخذ عشيقة واحدة أو أكثر متى أراد، ولكن لا يحقّ له أن يتزوج بأخرى زواجاً شرعياً. ويحقّ للمرأة أيضاً أن تطلب الطلاق متى شاءت، وأن تأخذ نصف مال زوجها المطلّق، وأن تساكن من تشاء دون الالتزام بمدة الثلاثمائة يوم التي نصّت عليها بعض قوانين الزواج المدني، والأمثلة على ذلك كثيرة.
7- وفي مجال الحقوق والواجبات، فإن قوانين الزواج المدني قد حَرَمَت المرأة من الحقوق المالية والإقتصادية التي منحها لها الإسلام، كالمهر والنفقة، وتنمية أموالها والمحافظة عليها، بحيث أن المرأة، وفقاً للشرع الإسلامي غير ملزمة بالإنفاق على نفسها وأولادها; بعكس قوانين الزواج المدني التي توجب على الزوجة المشاركة في الإنفاق على البيت والأولاد، وبأن تكون مصاريف الأسرة، مهما بلغت، مناصفة بين الزوجين. كما حرمت هذه القوانين الأخت من الاستفادة من مال أخيها، إذا كانت فقيرة وغير منتجة.
هذه المساوئ وغيرها تُظهر أنّ المطالبين بإقرار قوانين الزواج المدني، يعملون من غير قصد ووعي على تنفيذ رغبات اليهود، الذين ينشرون الفساد في الأرض، ويرفعون شعار المثليين في أي مكان يصلون إليه، كما رفعوه مؤخرا في دولة الإمارات العربية المتحدة. ويعملون أيضاً من غير قصد ووعي على تنفيذ رغبات الدول الاستعمارية التي تسعى إلى إلغاء محاكمنا الشرعية التي لا تزال قائمة في بلادنا، والتي تطبّق أحكام الشرع الحنيف في قضايا الإرث والزواج، وذلك كما ألغت سابقاً أنظمتنا ومؤسساتنا الإسلامية في القضايا السياسية والاقتصادية والمالية والتجارية، وأقامت مكانها أنظمة ومؤسسات رأسمالية وضعيّة، والتي تسعى هذه الدول أيضاً إلى تقويض دعائم الأسرة وتفكيكها، ونشر الفساد والشّرّ في بيوتنا ومجتمعاتنا.
فنحن في اللقاء الإسلامي - الوحدوي نرفض رفضا قاطعا إقرار قوانين الزواج المدني سواء أكانت اختيارية أو غير اختيارية. كما نرفض المسّ بقوانيننا ومحاكمنا الشرعية، متمنّين على الجمعيات النسائية، والأحزاب العلمانية، وعلى النواب المنتخبين، الجدد والقدامى، أن يقلعوا عن هذه المطالب، وأن يحاولوا جاهدين في معالجة مشاكل الناس المالية والاقتصادية والسياسية والصحية والمعيشية..
والسلام على من اتّبع الهدى.
* عضو اللقاء الإسلامي - الوحدوي
أخبار ذات صلة