تتعامل معظم القوى السياسية في لبنان مع اغتيال إسرائيل لنائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، صالح العاروري، ورفيقيه و4 من مرافقيهم، في الضاحية الجنوبية لبيروت، من زاوية أنها تصر على استدراج «حزب الله» لتوسعة الحرب الدائرة في قطاع غزة نحو الجبهة الشمالية في جنوب لبنان، بذريعة أنها مستهدَفة من محور الممانعة، في محاولة لاسترداد التأييد لها؛ بتقديم نفسها على أنها ضحية الإرهاب الذي أطل برأسه، بقيام «حماس» باجتياحها للمستوطنات الإسرائيلية الواقعة ضمن غلاف غزة. ويبقى السؤال: متى يرد «حزب الله» وكيف؟
فإسرائيل اختارت الضاحية الجنوبية مستخدمةً سلاح الجو للإغارة على المبنى الذي كان يوجد فيه العاروري، واستهدفته بـ6 صواريخ، أصاب 5 منها الطبقتين اللتين يستخدمهما، في حين لم ينفجر السادس الذي قام الفريق الفني في الجيش بتعطيله، وهذا ما أكده مصدر أمني لبناني رفيع لـ«الشرق الأوسط»، مؤكداً في الوقت ذاته أن السيارات التي كانت مركونة أمامه احترقت من شدة الانفجار، بخلاف ما تردد من أنها أُصيبت بصاروخ أطلقته طائرة مسيّرة.
ولفت المصدر الأمني إلى أن عناصر تابعة لمديرية المخابرات في الجيش اللبناني ما زالت موجودة أمام المبنى، وتقوم بجمع الأدلة، وتتولى التحقيق بناءً على إشارة النيابة العامة التمييزية، واستبعد أن تكون إسرائيل قد استخدمت الطائرات المسيّرة في اغتيالها العاروري ورفاقه في الضاحية الجنوبية التي تشكّل العمق الأمني الاستراتيجي لـ«حزب الله» الذي يخوض مواجهة مع إسرائيل على امتداد الجبهة الشمالية في جنوب لبنان، ترجمة لمساندته لـ«حماس» في حربها المفتوحة في قطاع غزة.
ولم ينفِ المصدر الأمني المعلومات التي أكدتها جهات أمنية لبنانية رسمية ومحلية؛ بأن استهداف المبنى الذي كان يوجد فيه العاروري ورفاقه ومرافقوه بصواريخ أطلقتها طائرة حربية إسرائيلية تزامَن مع تحليق للطيران الحربي الإسرائيلي على علو منخفض فوق بيروت والضاحية الجنوبية.
اغتيال العاروري وحسابات نتنياهو
وأكد المصدر الأمني نفسه أن اغتيال العاروري يأتي ترجمةً للتهديدات التي كان أطلقها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ضد الوجوه القيادية في «حماس»، وقال إن اختياره الضاحية الجنوبية بوصفها واحدة من الساحات التي حددها، إلى جانب قطر وتركيا، لم يكن وليد الصدفة، وإنما جاء متطابقاً مع حساباته بأنها لن تسبب له مشكلة لو قرر اغتيال قادة «حماس» في أماكن أخرى غير لبنان، بوصفه داخلاً في مواجهة مع «حزب الله»، وبالتالي أراد تمرير رسالة؛ بأن لديه القدرة على القيام بخرق أمني لا يُستهان به، وهو الأول من نوعه، وأدى إلى تهديد قواعد الاشتباك المعمول بها منذ انتهاء حرب تموز 2006.
بكلام آخر، فإن نتنياهو سجّل نقطة لا يُستهان بها أمنياً في مرمى «حزب الله»، وكأنه أراد أن يقول إنه لا مشكلة يمكن أن تواجهه في حال خطَّط لاستهداف مسؤولين حزبيين، ما دام قد استطاع الوصول باغتيال العاروري إلى عقر دار الحزب، من دون أن يلقى ما يعيق اغتياله.
فنتنياهو بحاجة، باغتياله للعاروري، إلى تسجيل «انتصار» للتعويض عن عدم قدرته على استهداف قادة «حماس» في غزة، رغم أنه تعهَّد بتصفيتهم مع بدء الجيش الإسرائيلي باجتياحه البري لقطاع غزة، لعله يعيد خلط الأوراق؛ بأن يأخذ المنطقة إلى حرب إقليمية، بعد أن عجز في حربه المستمرة ضد «حماس» عن تسجيل انتصار يعيد له الاعتبار من جهة، ويسترد من خلاله هيبة أجهزته الاستخباراتية بعد عجزها عن وضع يدها على عملية «طوفان الأقصى» لمنع «حماس» من اجتياحها المستوطنات الإسرائيلية.
وتوقَّف مصدر سياسي بارز أمام موقف الولايات المتحدة الأميركية من اغتيال العاروري، رغم أنها كانت رصدت مكافأة مالية لاعتقاله، ويقول إن واشنطن سارعت للتنصل من علاقتها باغتياله، وكأنها تنأى بنفسها عن تورطها بقتله، نافية أن تكون قد أُحيطت علماً بتدبير العملية التي استهدفته.
دلالات التنصل الأميركي من الاغتيال
وسأل المصدر السياسي ما إذا كانت واشنطن قد بادرت إلى غسل يديها من اغتياله، في محاولة لإبلاغ مَن يعنيهم الأمر بأنها تدرس حالياً وضع حد لفترة السماح التي أجازت من خلالها لنتنياهو وضع يده على غزة، والتخلص نهائياً من «حماس»، ضمن مهلة زمنية محددة أوشكت على نهايتها.
كما سأل، استباقاً للموقف الذي أعلنه أمين عام «حزب الله»، حسن نصر الله، في رده على اغتيال العاروري في عقر دار الحزب، عمّا إذا كانت الظروف ما زالت مواتية لإعادة تعويم القرار الدولي «1701»؛ بإخراجه من دوامة المراوحة وتعبيد الطريق أمامه ليرى النور ببدء تطبيقه، بعد أن مضى على صدوره أكثر من 17 عاماً، خصوصاً أن لبنان يقف حالياً على مسافة أيام من عودة مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة، آموس هوكشتاين، إلى بيروت، في وساطة يتطلع من خلالها إلى إخراج القرار «1701» من ثلاجة الانتظار، ووضعه على سكة التطبيق.
وكشف المصدر السياسي أن وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، كوندوليزا رايس، كانت زارت بيروت إبان توليها الوزارة في أواخر حزيران 2008، بالتزامن مع تكليف الرئيس فؤاد السنيورة تشكيل الحكومة اللبنانية للمرة الثانية، واقترحت وضع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا تحت إشراف الأمم المتحدة، بتوسيع رقعة انتشار القوات الدولية (يونيفيل)، بمؤازرتها الجيش اللبناني لتطبيق القرار «1701»، لكن اقتراحها اصطدم في حينه برفض «حزب الله».
فهل سينجح الوسيط الأميركي في مهمته بتحديد الحدود البرية للبنان؟ وكيف سيرد «حزب الله» على اغتيال العاروري؟ علماً بأنه لن يقتصر على اتهام إسرائيل بخرق قواعد الاشتباك وتصدّي الحزب لها لمنعها من تعديلها، مع أن النبرة العالية التي اتسم بها خطاب نصر الله لا تعني أن الرد سيكون على الأبواب، وسيختار الوقت المواتي لتحديد المكان المناسب ليثأر من تل أبيب، وإن كان هناك مَن يتوقع، كما يقول المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط»، أن نصر الله سيرفع من منسوب الرد، لئلا يأتي مشابهاً لطبيعة المواجهة التي يعتمدها ضد إسرائيل في مساندته «حماس».
لكن هذا لا يعني، من وجهة نظر المصدر السياسي، أن «حزب الله» سيذهب بعيداً نحو توسعة الحرب من غزة إلى جنوب لبنان، آخذاً بعين الاعتبار دقة الأوضاع الداخلية، وعدم قدرة البلد على الدخول في حرب مفتوحة، خصوصاً أن إيران لا تبدي حماسة لتوسعة الحرب، ولو أنها أرادت ذلك لتدخلت في الوقت المناسب، لكنها تفضل الإبقاء على قنوات الاتصال غير المباشر مفتوحة مع واشنطن.
وعليه، فإن الحزب، من وجهة نظر خصومه، ليس في وارد الانجرار لحرب مفتوحة، شروطها غير متوفّرة، بخلاف الظروف التي كانت قائمة في حرب 2006، وهو يفضّل أن يبقى تحت سقف مساندته لـ«حماس»، وقد يضطر للجنوح نحو الحرب، ولو من باب التهديد، للضغط على إسرائيل؛ كونه لا يوافق على شروطها.
محمد شقير - الشرق الاوسط