افتتح «المنتدى العربي للتنمية المستدامة» اعماله اليوم برعاية رئيس الجمهورية الجنرال جوزاف عون، وبتنظيم من لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) بالتعاون مع جامعة الدول العربية وهيئات الأمم المتحدة العاملة في المنطقة، تحت شعار «إعادة الأمل، إعلاء الطموح»، في مقر الأمم المتحدة في بيروت، بحضور قادة وصانعي قرار من مختلف أنحاء المنطقة العربية.
ويجمع المنتدى، الذي يستمر على مدى ثلاثة أيام، ممثلين عن الحكومات العربية، والمجتمع المدني، والقطاع الأكاديمي، والقطاع الخاص. ويهدف إلى تقييم التقدم المحرز في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة في المنطقة واقتراح حلول لتسريع تطبيق هذه الأهداف.
دشتي
والقت الامينة التنفيذية للاسكوا رولا دشتي كلمة قالت فيها:»نلتقي اليوم، وكلُّنا أملٌ بأنّ الغدَ أفضل، رُغمَ الصِعاب.رُغمَ المعاناةِ التي تعجزُ عن وصفِها الكلماتُ في غزّة.
والصراعاتِ المُحْتدِمةِ والكوارثِ الإنسانيةِ في السودان واليمن. والنزاعاتِ المريرةِ في ليبيا والصومال. والأزماتِ المتواصلةِ في لبنان. ومخاطرِ المرحلةِ الانتقاليّةِ نحو التعافي الشاملِ والاستقرارِ المستدامِ في سوريا. كلُّنا أمل، رغم التهديداتِ المُحْدِقةِ بالتّعاونِ الدولي، والتشكيكِ في جدوى العملِ المناخي، وتَفاقُمِ الحِمائيّة، وفَرْضِ تعاريفَ جمركيّةٍ تُنْذِر بحروبٍ اقتصادية، ونشوءِ تكنولوجياتٍ تفتحُ للاقتصاداتِ والحكوماتِ آفاقاً جديدةً وتغلق أخرى، بوتيرةٍ متسارعةٍ تعجزُ معظمُ الأنظمةِ عن مواكبتِها. كلّنا أمل، رغمَ التحوّلاتِ المفاجئةِ التي تكتسحُ عالمَنا،ورغمَ عدمِ المساواةِ المتعدّدِ الأبعادِ الذي يستفحِلُ في مناطقِنا».
وأعلنت ان «عنوان منتدانا اليوم، «إعادة الأمل وإعلاء الطموح»، يجبُ أن يكونَ التزاماً بالعمل، وليس مجرّدَ شعار. إعادةُ الأملِ تستدعي صَوْن كرامةِ الإنسان وحقوقِه، تستدعي إتاحةَ الفرص لتقليصِ اللّامساواة، وترسيخَ العدالة، وقبلَ كلِّ شيء، تستدعي بناءَ مؤسساتٍ موثوقةٍ وفعّالة. غير أنّ الأملَ لا يُستعادُ بالأقوالِ والوعود، بل بالأفعالِ، والمساءلةِ، والعدالة. أمّا إعلاءُ الطموح، فيتطلّبُ منّا أن نغيّرَ طريقةَ تفكيرِنا وعملِنا الحكومي والمؤسسي. أن نتحلّى بالجرأةِ السياسية، أن نسخّرَ التكنولوجيا والتمويلَ لخدمةِ المستقبلِ والتحرّرِ من قيودِ الماضي، وأن نتعاملَ مع أهدافِ التنميةِ المستدامة بجدّيّةٍ أكبر كبوصلةٍ لمسارِ النموّ والازدهار».
أبو الغيط
واعتبر الأمين العام جامعة الدول العربية ابو الغيط ان «منطقتنا العربية تمر بمرحلة خطيرة في تاريخها الحديث. فالعدوان الإسرائيلي على غزة تجاوز مرحلة الوحشية والتجرد من الإنسانية إلى الجنون المشبع بأوهام توراتية وخطاب عنصري كريه... الهدف واضح وهو محو القضية الفلسطينية من الوجود، وإخراج الفلسطينيين من الجغرافيا توطئة لضم الأرض من دون سكانها ويحدث هذا كله والعالم يصمت صمتاً لا يمكن وصفه سوى بالعار، بل ويشارك البعض بتمهيد الطريق لسيناريو التهجير.. المرفوض قانونياً والساقط أخلاقياً وإنسانياً».
وتابع:« وليست القضية الفلسطينية وحدها مصدر قلقنا، وإن كانت لها المكانة الأولى في قلوبنا وعقولنا.. فالمنطقة، وللأسف، تمتلئ ببؤر الصراع وانعدام الاستقرار.. وهي تواجه تحديات متفاقمة ومعقدة تتراوح بين تغير المناخ وندرة المياه، وصولاً إلى النزاعات المسلحة وأزمات اللاجئين بما لها من تبعات إنسانية واقتصادية.ولا شك هذه العوامل كلها كان لها تأثير سلبي واضح على قدرة الحكومات على تحقيق التوازن المنشود بين النمو الاقتصادي، والحفاظ على الموارد الطبيعية، وضمان العدالة الاجتماعية. لكننا، رغم كل ذلك، نرى إرادةً عربيةً صلبة لتحويل التحديات إلى فرص، ولتكريس مفهوم «ألا يترك أحد خلف الركب» كأساس لعملنا المشترك. لقد قطعنا أشواطاً مهمة في مسيرة التنمية المستدامة، حيث أطلقت العديد من الدول العربية استراتيجيات وطنية مبتكرة لتعزيز الطاقة المتجددة، وتحسين جودة التعليم، وتمكين المرأة، ودعم الاقتصاد الأخضر... ومع ذلك، تبقى الفجوات قائمة، خاصة في مجالات الحد من الفقر، وضمان الأمن الغذائي، وحماية النظم البيئية الهشة».
اضاف: «إن المنتدى يذكرنا اليوم بأن الحلول الفعالة تُبنى عبر التعاون الإقليمي... فجامعة الدول العربية تعمل يداً بيد مع منظمات الأمم المتحدة، وخاصةً الإسكوا، لتعزيز التكامل بين السياسات الوطنية والإطار الإقليمي، ولتنسيق المواقف العربية في المحافل الدولية... إننا نؤمن بأن الاستثمار في البنية التحتية المشتركة، وتشجيع الابتكار التكنولوجي، وتمكين الشباب، هي ركائز لا غنى عنها لاقتصاداتٍ عربيةٍ مرنة، وقادرة على الصمود.. بخاصة في أجواء الاضطراب الاقتصادي وانعدام اليقين التي يشهدها الاقتصاد العالمي اليوم. إننا في سباقٍ مع الزمن؛ فالتنمية المستدامة ليست خياراً، بل هي ضرورةٌ وجودية لشعوبنا... وعلينا أن نعمل معاً، بروح المسؤولية والتضامن، لنجعل من خطة 2030 واقعاً يُعزز كرامة الإنسان العربي، ويحفظ حقوق الأجيال القادمة».
تميم
اما نائب رئيس مجلس الوزراء العراقي رئيس دورة المنتدى محمد علي تميم فقال: «انه لمن دواعي الشرف والمسؤولية ان يترأس العراق هذا المنتدى وسنسعى جاهدين بكل ما لدينا من امكانات للعمل المشترك مع جميع الأشقاء لبلورة شعار المنتدى «إعادة الأمل» من خلال البحث الجاد والحقيقي في حلول شاملة تستند إلى العلم والأدلة وصولا إلى تعزيز خطة التنمية المستدامة 2030».
وأشار الى أنه»رغم الجهود المبذولة من البلدان العربية لتحقيق أجندة 2030، إلّا أنّ تلك الجهود لا زالت خجولة والمؤشرات ما برحت متراجعة، ما يستدعي تعزيز الشراكات وتفعيل الآليات الوطنية لجهود التنمية المستدامة، وردم فجوة البيانات، ورسم السياسات المتسقة والشاملة والموجهة بالعلوم والبحوث». وأضاف قائلًا: «نثمّن ثقة المنتدى بمنح العراق رئاسة هذه الدورة، آملين ان نكون أهلًا لهذه الثقة، وأن نخرج بتوصيات ورسائل للعالم أجمع عن جهودنا التنموية وتطلعاتنا لتحقيق الرفاه والعيش الكريم لسكان المنطقة».
الوزير مكي
والقى الوزير مكي كلمة قال فيها: «يشرّفني أن أشاركَ معكم اليوم، ممثِلاً فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون، في هذا الحدث الإقليمي البارز، المنتدى العربي للتنمية المستدامة 2025، الذي أصبح منصةً محورية لمتابعة تنفيذ أجندة التنمية المستدامة 2030 في منطقتنا. (2030 Agenda for Sustainable Development). أتوجّه بالشكر إلى اللجنة: الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (ESCWA)، وعلى رأسها الدكتورة رولا دشتي، على الجهود المستمرة في تنظيم هذا المنتدى الهام. كما أحيي معالي الوزراء والمتحدثين الكرام، وكل من يساهم في دفع مسار التنمية المستدامة في منطقتنا قُدُمًا».
اضاف: «يأتي انعقاد هذا المنتدى تحت شعار يحمل رسالة عميقة في هذا الزمن العصيب: «استعادة الأمل، وتعزيز الطموح» Restoring hope, raising ambition. هذا الشعار ليس مجرد عنوان، بل هو دعوة لإعادة بناء الثقة، وتحفيز الابتكار، وتعزيز التعاون، في ظل التحديات التي تواجهها منطقتنا، من أزمات اقتصادية واجتماعية، إلى صراعات مزمنة وتغيرات مناخية متسارعة. إن المنتدى العربي للتنمية المستدامة أثبت، عبر سنوات انعقاده، أنه أكثر من مجرد مناسبة سنوية؛ بل هو منصة تفاعلية جامعة تجمع الحكومات، ومؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، والباحثين، لتبادل الرؤى والخبرات، وتحديد مكامن التقدّم والتحديات على طريق تنفيذ أهداف التنمية المستدامة».
وأشار الى إن «التحديات المعقّدة التي نناقشها اليوم، من الصحة والتعليم إلى البيئة والعمل اللائق، لا تكمن فقط في السياسات والتشريعات، بل في سلوك الأفراد والمجتمعات، وفي قدرتنا على تصميم تدخلات تنطلق من فهم علمي لكيفية اتخاذ الناس للقرارات».
وأكد ان «تحقيق التقدم المنشود في مجالات الاستدامة يتطلّب تعاونًا وثيقًا بين الوزارات كافة والقطاع العام بأكمله والقطاع الخاص والمجتمع المدني، بهدف تعزيز الرؤى، وتعزيز النمو الاقتصادي الشامل، وبناء اقتصاد أكثر مرونة وشمولية. وهي تركز كذلك على أهمية الاستشراف المستقبلي في وضع الاستراتيجيات طويلة الأمد».
وختم: «نجدد شكرنا لجهود الـ ESCWA ولكافة الشركاء في هذا المنتدى، ونؤكّد أن استعادة الأمل ورفع الطموح لا يمكن أن يتحققا إلا عبر الشراكة، والابتكار، والتجديد من خلال أدوات جديدة، تأتي العلوم السلوكية في مقدمتها، لبناء مجتمعات أكثر إنصافاً، وكفاءة، واستدامة».
بيان
ووزعت «الاسكوا» بيانا عن المنتدى جاء فيه: «يأتي المنتدى العربي للتنمية المستدامة لعام 2025 في توقيت حاسم. فمع اقتراب موعد تنفيذ خطة التنمية المستدامة بحلول عام 2030، تواجه المنطقة العربية تحديات متعدّدة تشمل النزاعات الممتدة، وتفاقم الفقر، وارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي، وضيق الحيّز المالي، والتداعيات المتسارعة لتغير المناخ. وعلى الرغم من هذه التحديات، ساد المنتدى مناخ من العزم والتفاؤل، مجسّدًا روح شعار هذا العام.
سيتناول المنتدى التحديات الكبيرة في مجالات الشمول المالي وتمويل التنمية. كذلك، سيعمل على تقييم التقدم المحرز في المنطقة العربية في خمسة أهداف رئيسية من أهداف التنمية المستدامة هي: الصحة الجيدة والرفاه، المساواة بين الجنسين، العمل اللائق والنمو الاقتصادي، الحياة تحت الماء، والشراكات من أجل الأهداف. وسيناقش المشاركون أيضًا سبل العودة إلى مبدأ الشمول في التنمیة الاجتماعیة لمواجهة الأوجه الجدیدة لعدم المساواة والنزاعات وتقلصُّ الحیزّ المالي.
يُعدّ هذا المنتدى السنوي الآلية الإقليمية الرئيسية لمتابعة خطة التنمية المستدامة لعام 2030 ومراجعتها، ما يُعزّز الحوار بين واضعي السياسات والخبراء وشركاء التنمية. وستُرفَع رسائله الرئيسية أمام المنتدى السياسي الرفيع المستوى في تموز/يوليو المقبل، مساهمةً من المنطقة العربية في تعزيز الجهود العالمية لتحقيق التنمية المستدامة».