الاقتصاد المقاوم بديل الاقتصاد الحر والقرض الحسن على أنقاض النظام المصرفي القائم، هو ما سعى إليه حزب الله بالتعاون مع شريكه في الثنائية لتغيير البنية الأساسية للنظام المالي والاقتصادي للدولة.
من ضمن مجموعة الإجراءات التي افتعلها لتحقيق هدفه وأكثرها خطورة، كان الإيعاز لحكومة حسان دياب الإمتناع عن سداد مستحقات اليورويوندز، وهي المرة الأولى التي يمتنع فيها لبنان عن سداد ديونه الخارجية.
عرضت قناة «أم تي في» على شاشتها تقرير عن احتياط لبنان من الذهب وإمكانية الاستفادة منه في ظل الإنهيار المالي والاقتصادي والمعيشي الذي يمرّ به لبنان.. لو جَهد مُعدّي التقرير وبحثوا بالوضع الحاضر لاحتياطي لبنان من الذهب لتنبّهوا الى واقع هذا الاحتياط الذي أضاع إمكانية الاستفادة منه الثنائي الحاكم وميشال عون حين أوقفوا سداد مستحقات اليوروبوندز للخارج، كان بالإمكان الاستفادة من احتياط الذهب التي يمتلكه لبنان لتخفيف حدة الأزمة الاقتصادية، إلّا أن إعلان الحكومة اللبنانية حينها التوقف عن سداد ديونها للخارج من دون التفاوض مع الدائنين أجهض إمكانية الاستدانة أو رهن الذهب أو حتى بيع جزء منه فاتفاقية عقود إصدار سندات الدين بالعملات الأجنبية (يوروبوندز) التي أبرمتها الدولة اللبنانية عام 1996، تنص في أحد بنودها على قبول الدولة اللبنانية الخضوع لقوانين محاكم نيويورك المدنية لحل أي نزاع بينها وبين دائنيها في حال تخلّفها عن سداد ديونها بالعملات الأجنبية, هذا البند يعني أن الذهب اللبناني إضافة الى كل موجودات الدولة اللبنانية تخضع في حال تم رفع دعاوي على لبنان لتخلّفه عن سداد ديونه لدائنيه لأحكام الولاية القضائية الأميركية، لا سيما أن احتياطات الذهب موزعة بين البنك المركزي اللبناني والبنك الفيدرالي الأميركي والسويسري.
لذلك حتى لو تم تعديل النص القانوني في المجلس النيابي الذي يمنع المساس باحتياطي الذهب، فهناك عقبات أخرى ستتفاقم، إذ سيرفع الدائنون دعاوى قضائية على لبنان في مختلف دول العالم، وسيكون احتياطي الذهب على رأس الأصول المحجوزة في الخارج, ما يعني ان موجودات لبنان في الداخل والخارج تعتبر في حكم المحجوز عليها, لامتناعه عن تسديد المتوجبات عليه من أقساط الدفعات المستحقة عن سندات اليوروبوندز في التاسع من أذار/ مارس 2020.
حين أعلنت وزارة المالية تعليق تسديد سندات اليوروبوندز المستحقة في التاسع من آذار/ مارس 2020 وبحسب رؤيتها, من أجل حماية الاحتياطي من العملات الأجنبية بحجة الضغوط المتزايدة على الولوج إلى العملات الأجنبية وللحفاظ على أموال المودعين في المصارف وقرار التوقف عن سداد سندات يوروبوندز بقيمة 1,2 مليار دولار، مؤكدة سعيها للتفاوض مع الدائنين في الخارج حول إعادة هيكلة الدين العام في ظل تراجع الاحتياطات بالعملة الأجنبية وهذا ما لم يحصل, ومع الإعلان عن التوقف عن سداد جميع مستحقات سندات اليوروبوندز والمقدرة بنحو 30 مليار دولار والتي من المفترض تسديدها على مراحل حتى العام 2035 وهي المرة الأولى في تاريخه يتخلف فيها لبنان عن سداد ديونه يكون لبنان قد أضاع حقه في التصرف بموجودات إحتياطي الذهب الذي يملكه إن في خزائن الخارج أو خزائن البنك المركزي في لبنان.
وقد جرت تسريبات حينها عن ضلوع بعض من عائلات المنظومة الحاكمة وبعض الوزراء ومستشاريهم بعلاقات مشبوهة مع ممثلي الشركات المالية والقانونية والذين لهم مصلحة في أخذ لبنان إلى عدم تسديد الاستحقاقات من دون تفاوض إضافة الى تسريبات أخرى عن قيام بعضهم بشراء سندات اليوروبوندز على سعر خمسة عشر سنتا لكل دولار ومن ثم إعادة بيعها للخارج بسعرها السوقي, كل تلك تبقى ألغاز يستحيل الولوج لمستنداتها أو التأكد من صحتها لوقوع وزارة المال تحت السيطرة الكاملة لحركة أمل ورئيس مجلس النواب ومستشاريه وأبرزهم الوزير الوصي على وزارة المال علي حسن خليل والذي يحرص على إغلاق كواليس الوزارة وما يجري فيها ضمن حلقة مقفلة لا يطلع عليها إلّا المقرّبون.
وقد أعلن خليل حينها ان النقاش بشأن السياسات المالية والنقدية قائم منذ فترة طويلة. وقد تجدّد بعد تشكيل حكومة حسان دياب وبدء البحث في كيفية التعامل مع ملف السندات، موضحاً أنه أدلى برأيه في الاجتماع غير المعلن الذي عقد في مقر إقامة رئيس مجلس النواب نبيه بري مع رئيس الحكومة حسان دياب والفريق المعني، وأن رأيه انطلق من فكرة أن الحكومة تقول بأنها أمام ثلاثة خيارات: إما الدفع وهي فكرة مرفوضة، وإما عدم الدفع وهو ما حصل بالفعل وهناك بحث حول نتائج هذه الخطوة، بينما جرى النقاش حول احتمال وجود خيار ثالث أو مخرج مختلف وهو ما لم يحصل.
وقال خليل إن موقفه هو موقف حركة أمل وقائم على رفض فكرة دفع الديون طالما أن هذه الخطوة ستأتي على بقية أموال المودعين، لافتاً الى أن من الأفكار التي جرى تداولها احتمال أن تقوم المصارف بإعادة شراء السندات التي باعتها لمصارف كاسرة في الفترة الأخيرة، وأن على المصارف أن تتحمّل المسؤولية عن هذه الأزمة، وأن تستخدم أموالها «الخاصة» (لا أموال المودعين) لإعادة شراء الكمية الكافية التي تسمح لها بالصوت الغالب عند وجوب اتخاذ قرار بكيفية التعامل مع الدولة اللبنانية إن قررت وقف الدفع. وقال خليل إن البحث كان يتركّز على هذه الفكرة، وليس على فكرة الدفع، مشدداً على أن موقفه كما موقف الفريق الذي يمثل، يرفض بصورة مطلقة دفع الدين لا أصله ولا فوائده.
أما حزب الله الشريك في الثنائية فقد أعلن حينها عن نيّته اعتماد استراتيجة بناء الاقتصاد المقاوم, رافعا شعارات شعبوية بالدعوة الى مقاطعة المنتجات الأميركية ومواجهة الأميركيين في المنطقة. وأن حزب الله يحذّر من الاحتكام الى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وطرح معادلة جديدة تبدأ بالتوجه نحو الشرق عبر تفعيل التعاون الاقتصادي مع روسيا والصين والعمل على التكامل الاقتصادي مع دول الجوار القريبة أي سوريا من خلال إعادة العلاقات مع نظامها رسمياً، ثم التوجه نحو العراق والأردن وعدم الاعتماد على دول الخليج مع استمرار الحملة الشعواء على البنك المركزي والقطاع المصرفي بكامله، بعد اتهامه بتلبية متطلبات العقوبات الأميركية، مما أدّى إلى الحؤول دون حصول أي حوار جدّي ومجدٍ مع المؤسسات المصرفية للتعاون على تجاوز هذه المرحلة الصعبة ، وإنقاذ سمعة لبنان الخارجية بعدم القدرة على سداد ديونه.
فحزب الله هو الوحيد القادر على ضخ السيولة النقدية بالدولار الأميركي، لأنّه يتمتع بمجموعة مداخيل تبدأ من المساعدات المالية الإيرانية المباشرة ولا تنتهي بالسلع المستوردة من إيران كالحديد والأدوية والمواد الغذائية وكل ما يمكن أن يتم استيراده لتعزيز الاقتصاد الإيراني ويمكن تسويقه في لبنان.
من مصلحة «حزب الله»، أن تبقى المصارف متعثرة وعاجزة كما هي الآن, فمؤسسات «القرض الحسن» على جهوزية الحلول مكانها، وعلى تبييض أمواله المتعددة المصادر بعيدا عن الرقابة المالية العالمية والتي يعتبر الجهاز المصرفي في لبنان أحد أدواتها ويخضع لقوانينها.
باسم المجذوب