بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 كانون الثاني 2024 12:00ص حلول دكتور وزني لأزمة الودائع تجمع بين السّم والعسل

حجم الخط
طلال خواجة

كُثر لا يتذكرون هذا الإسم، مع إن الخبير المالي والاقتصادي د. غازي وزني شغل المنصب الأهم في حكومة د. حسان دياب، والتي أتى بها حزب الله والتيار الوطني الحر وقوى الممانعة عموماً في أعقاب استقالة حكومة سعد الحريري إستجابةً لضغط المنتفضين في ٢٠١٩.
والمعروف أن انتفاضة الغضب التشريني اندلعت في أعقاب إقرار زيادة ٦ سنت على الـ«واتس أب»، مفجّرة مسلسلاً من الأزمات النقدية والمصرفية والمالية والاقتصادية والإجتماعية والسياسية والسيادية التي كانت تعتمل في الجسم السياسي والاقتصادي والإداري اللبناني على مدار سنوات من حكم فئات سياسية، لم يخطئ من أطلق عليه حكم الحلف الميليشيوي المافيوزي، إذ وصلت المحاصصة في العهد العوني في ذروتها لحدود تنازل المافيا عن السيادة للمليشيا وداعميها في مقابل الغرف من مغانم السلطة ومفاسدها الكثيرة.
هكذا تحوّل التنوّع الطائفي والمناطقي والطبيعي في لبنان بروافده المتعددة، وعلى مراحل كثيرة من الزمن اللبناني الصعب، من غنى التنوع الذي شكّل مصدر ازدهاره وتميّزه في محيطه، إلى الحالة القبائلية التي استدعت التدخلات الخارجية، وأصبحت مصدر تعاسته وتراجع دوره الحضاري لدرجة الخطر الوجودي.
من مآثر حكومة حسان دياب، إنها أعلنت التعثر عن الدفع دون حوار مع الدائنين لإعادة الجدولة وذلك في ٧/٣/٢٠٢٠، وسرعان ما تلتها مأثرة أسوأ أداء ريعي، إذ انفلشت سياسة الدعم المالي الملتبس وأهدرت الكثير من مليارات الدولارات المتبقية في مصرف لبنان من أموال المودعين، بعد ان هرّب أصحاب المصارف والنافذون مليارات أخرى الى الخارج، خصوصاً خلال فترة إغلاق غير مسبوق للبنوك مع انفجار إنتفاضة الغضب ولغاية ٣١/١٠/٢٠١٩.
وفي الواقع فإن مليارات الدعم ذهبت بمعظمها الى الميسورين وشبيحة المال ومصاصي الدماء من التجار الفجار، فضلاً عن جماعة المافيا والميليشيا وشركائهم في النظام السوري.
ورغم وصول البلد الى الدرك الأسفل في العهد العوني الحزب اللاهي، فقد أعلن حسان دياب إن حكومته أنجزت ٩٨ بالمئة من بيانها الوزاري. ومن مآثر وزير المالية في حكومة دياب، سحب مشروعه للكابيتال كونترول من مجلس الوزراء بناءً على رغبة مرجعيته السياسية، مما أطلق العنان لمزيد من تهريب الأموال من قِبل الأقوياء النافذين على حساب المودعين العاديين الذين خضعوا لتعاميم الفرعون سلامة الإستنسابية بغياب قانون استثنائي لتنظيم السحب.
ومن مآثر هذه الحكومة أيضاً، أن شهد عهدها جريمة التفجير المروّع لنيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت الذي دمّر جزءاً  كبيراً من العاصمة وقتل المئات وجرح الآلاف وروّع الملايين. ويقال بأن كمية النترات الأكبر كان قد فجّرها النظام السوري  بالشعب السوري الشقيق.
وللعلم فإن رئيس حكومة حزب الله (كما أطلق عليها البعض) عدل عن زيارة مقررة للمرفأ بناءً على نصيحة من مجهول، حين أعلم رسمياً بوجود النترات الخطرة، كما أنّ الرئيس عون ذو الخلفية العسكرية تعاطى بخفة حين أعلم بالنترات رسمياً من قبل أمن الدولة أيضاً. وحين حاول الرئيس دياب إنقاذ ماء وجهه بالدعوة لإنتخابات مبكّرة، أجبر على الإستقالة من قبل من أتى به. أما الباقي فقد أصبح معروفاً ومتداولاً، سواء على المستوى القضائي، سواء على المستوى السياسي أو السيادي وحتى على المستوى الأمني. لقد اختفى معظم رموز هذه الحكومة، وهم كانوا أصلاً بلا ملامح، ما عدا قلة منهم، نفد بعضها بماء الوجه بالإستقالة بعد جريمة التفجير مباشرةً وأحدهم قبل التفجير بيوم واحد.
لم يكن مقال د. وزني الذي نشر في افتتاحية جريدة «النهار» في ١٣/١/٢٠٢٤ المقال الوحيد الذي نشر له منذ ذهاب الحكومة. إلاّ أنّ هذا المقال تضمّن مشروعاً للحل جاء تحت عنوان: 2024» عام إنصاف المودعين والإصلاح المصرفي؟».
المقال يبدأ بالتباكي على المودعين والهيركات الكبير الذي تعرضوا له، مقترحاً وقف الهيركات بإعتماد السعر الفعلي ٨٩٥٠٠ للدولار وإقرار قانون كابينال كونترول، ثم يتابع في نقاط جذابة، معظمها مكرر كإستيفاء ضريبة ممن سدد قرضه على دولار متدني وشطب الفوائد العالية وتحميل الحكومة جزءاً من الخسارة عبر مبلغ يتحول لسندات خزينة فضلاً عن هيكلة المصارف وتشجيع تحويل بعض الودائع الكبيرة لأسهم، بمقابل تسديد ودائع 50.000$ على خمس سنوات. ومع أنّ د. وزني تكلم عن ودائع مشروعة وودائع غير مشروعة، الا أنّ هذا الإقتراح الذي دونه كل صعوبات الأرض، بوجود سلطة غير مشروعة ويحميها فائض القوة، يسبقه  إقتراح بطعم السم ويستهدف فئات معينة، بدأ باستهدافها الفرعون سلامة ومن ورائه من سياسيين ومصرفيين واقتصاديين، عنيت بها الودائع التي حوّلت للدولار بعد  ٣١/١٠/٢٠١٩. وهو ما أطلق عليها البعض ظلماً الودائع الغير مؤهلة. وكنا قد شهدنا مؤخراً تغييراً في النظرة لهذه الفئة المظلومة من القيادة النقدية الجديدة، بدأت بإصدار التعميم ٦٨٢ المعدل لـ١٥٨ والذي يطال جيران هذه الفئة ممن نقلوا ودائعهم الدولارية بعد ٣١/١٠/٢٠١٩ الى مصرف آخر وحرمهم الفرعون من الإستفادة من ١٥٨. علماً أنّ المصارف ما زالت تمتنع عن تطبيق التعديل بعد شهرين من صدوره. ونطالب د. منصوري بالتدخل الفوري، علما أنه يتجه لإعطاء الفئة الأكثر ظلامة «خرجية» ١٥٠$ شهرياً، يرجح أن تماطل المصارف في تطبيقها أيضاً، ما يستدعي وقف عبث المصارف وتنكيلها بالمودعين.
لذا أضع الملاحظات التالية: 
أولاً، يقول د. وزني إن هذ الفئة حوّلت من الليرة للدولار بسعر مضاعف ل١٥٠٠، موحياً بالأضعاف المفتوحة، والواقع أن معدل التحويل هو 2000 لأنه توقف بعد التعثر أي في بداية آذار حين تخطى الدولار عتبة 3000، علما أنّ أكثريتها حصلت قبل ٢٠٢٠ أي على دولار لا يتعدى 2000.
 ثانياً، جمّدت هذه التحويلات بين ٦ أشهر وثلاث سنوات ومعظمها دون فائدة. والآن هي محجوزة وتدفع بهيركات كارثي بإعتراف د. وزني. وهذه الفئة معظمها غير ميسورة، وقد مسحت منها مليارات الدولارات ولم يتبقَ سوى ١٦ مليار يقترح د. وزني تقسيطها ضمن الخطة ب ٠ ٥٪ من سعر الدولار الفعلي بعد سنوات الجلد والهيركات والصبر والتضخم.
ثالثاً، إن الليرة كانت متاحة في المراحل الأولى وبسقف عالٍ أحياناً، مما يعني أن البديل عن التحويل كان أضمن، خصوصاً بالنسبة لصغار المودعين. و يقول د.وزني إن هذه الفئة راكمت أرباحاً خيالية، علماً إنه يعرف أن من راكم الأرباح هم الأقلية المحمية والنافذة التي استغلت حاجة الفئة الضعيفة من المودعين المدخرين فاشترت شيكاتها بتراب العملة، ومنهم من سيّل هذه الشيكات نقداً أو تحويلاً للخارج بالتواطؤ مع أصحاب البنوك، والأرجح بمعرفة من رياض سلامة. والأحرى بـالدكتور وزني بأن يطالب برفع السرية المصرفية لمعرفة تجار الشيكات وحماتهم ومعاونيهم، وملاحقتهم وضم ودائعهم للودائع الغير مشروعة، عوض خلط الحابل بالنابل.
رابعاً، إذا كان التحويل قد تم دون ملاءة، فمن المسؤول؟ المصارف التي حوّلت والمصرف المركزي الذي وافق؟ أم المواطن العادي الذي مارس حرية التحويل ضمن القانون وجمّدت وديعته ثم حجزت؟ وبالمناسبة هل كان هناك ملاءة قبل ٣١/١٠/٢٠١٩، خصوصاً في ٢٠١٩ و ٢٠١٨؟
وهنا نتساءل لماذا لم يوقف المركزي التحويل فوراً طالما أن الملاءة فقدت؟ ما يجعل السؤال التالي يمتلك مشروعية : هل استهدفت ودائع الليرة عمداً بالسماح بالتحويل للدولار بهدف حجزها مع الودائع الأخرى؟
خامساً، نتفهم هواجس بعض المحللين الصادقين على القطاع المصرفي وعلى الاقتصاد، خصوصاً أن السلطة تتوحش لتأمين إيرادات عبر ابتداع ضرائب ورسوم خيالية، ستفرغ جيوب ما تبقّى من الطبقة الوسطى، عوض تنشيط الإدارة وملاحقة التهرب الضريبي والجمركي، فضلاً عن التهريب والاقتصاد الأسود. ويقيننا بأن هذه السلطة لم ولن تقوم بإصلاحات جدية، فهي متواطئة مع فائض القوة و الإحتلال المقنع.
ومع ذلك فإنّه آن الأوان لوقف استضعاف هذه الشريحة المنهكة من المودعين ومن المواطنين عموماً ووقف تحميلهم أعباء الفشل والفساد والهيمنة.
وهنا نجدد السؤال : ماذا تنتظر المعارضات والنقابات وقوى المجتمع المدني عموما ًكي تتحرك؟ كانت تنتظر الرئاسة المحجوزة! والآن هل تنتظر نهاية مذبحة غزة وحرب المشاغلة التي أنزلت علينا معها؟ النضال لا يتجزأ والناس لا تأكل خطابات، وفي الإنتظار القلق والملل، الكفاءات تهاجر والبلد يتآكل.