عبدالرحمن قنديل
يسير الاقتصاد اللبناني في منحنى هبوطي أكثر من المتوقع هذا العام مع دخول الحرب بين حزب لله وإسرائيل التي بدأت منذ 8 تشرين الأول 2023 والمستمرة حتى الآن منعطفا خطيرا بالتزامن مع توسع العدوان الإسرائيلي واستهدافه لسائر المواطنين على أغلب الأراضي اللبنانية, وبعدما تعرض البلد لهزات كبيرة منذ أواخر 2019 تدمرت فيه القدرة الشرائية للناس وانهارت الليرة وجمدت البنوك الودائع, فمع استمرار الأزمة الإقتصادية في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان هل بات طريق التعافي من الأزمة الإقتصادية مستحيلاً حتى ولو انتهت الحرب؟
استاذ الإقتصاد في الجامعة اللبنانية البروفسور جاسم عجاقة يوضح قائلاً: «بغض النظر عن الضربات الإسرائيلية الحاصلة على لبنان, كنا متوقعين هذا التراجع سواء في النمو الإقتصادي الرسمي الذي تراجع النمو فيه إلى حدود الـ 5%, أوبنمو الإقتصاد غير الرسمي بنسبة 2 إلى 3%, أما مع الضربات الإسرائيلية فالتوقعات هي بأن يكون هناك تراجع للإقتصاد الرسمي بنسبة 7% وتراجع للإقتصاد غير الرسمي بنسبة 5%».
ويشدد عجاقة على أنه سيكون هناك تراجع كبير جداً في الإقتصاد, ولكن الضربة الإقتصادية الحاصلة هي ضربة اجتماعية أكثر مما هي ضربة اقتصادية بحت أي أن تداعيات الضربة الإجتماعية هي التي ممكن أن تكون كارثية, بالرغم من أن حجم خسارة اسرائيل بالأرقام تعد أكثرمن خسارة لبنان من حيث الأموال فخسارتهم تعد بحدود الـ 80 مليار دولار, أما خسائر لبنان الإقتصادية سواء المباشرة أم غير المباشرة هي 10 مليار دولار تقريباً, ولكن التداعيات الإجتماعية على لبنان نتيجة هذه الخسائر أكبر من التداعيات على اسرائيل بسبب انعدام المقومات الإقتصادية للبنان وتهديد اللائحة الرمادية الذي بات محسوماً بأن لبنان سيتم ادراجه فيها مما سيعقد الأمور أكثر.
ويرى أنه مع غياب الحلول السياسية, ومع خطر ادراج لبنان ضمن اللائحة الرمادية وغياب الإصلاحات, وغياب اعادة الهيكلة للقطاع المصرفي, وعدم القيام بخطوات اصلاحية في القطاع العام واعادة هيكلة للدين العام, كل هذه العوامل والمؤشرات تعتبر دليل واضح على أن ادارة الأمور الإقتصادية منذ الأساس كانت ادارة خاطئة.
ويلفت إلى أن انعكاسات العدوان الإسرائيلي الحالي على الإقتصاد هي انعكاسات خطيرة, فعلى الصعيد الإجتماعي هناك مجازر ترتكب وهناك ضحايا يدفعون الثمن, واقتصادياً هناك ضرب للبنى التحتية وهذه لها تداعياتها على اللبنانيين ناهيك عن أنه بحسب التقديرات هناك 50% تقريباً من اليد العاملة بلبنان هم مدرجين ضمن «البطالة التقنية الزامية» أي عاطلين العمل وهذا ما سيؤثر على الإقتصاد حكماً وسيخلف ضرراً إجتماعياً كبيراً.
ويعتبر أنه على هذا الأساس هناك سيناريوهين:الأول هو التوصل لوقف اطلاق النار والذهاب لانتخاب رئيس للجمهورية, وتشكيل الحكومة واعادة تفعيل العمل من جديد بالرغم من أن الخسائر المتوقعة للإقتصاد لهذه السنة ستبقى كما هي, ولكن اعتباراً من السنة القادمة سيكون هناك مؤشر أو طريق يسهل الخروج من هذه الأزمة, أما الثاني فهو تشاؤمي ففي حال فرضت اسرائيل حصار عسكري على لبنان فسيكون هناك صعوبة كبيرة أن يدخل لبنان السلع والمواد الغذائية, ناهيك عن صعوبة ادخال المحروقات وسواها, وحينها لم يبقى للبنان سبيلاً للعيش سوى المساعدات الإنسانية وهذا الأمر يعني بأن الناس ستتضرر اجتماعياً وسيخلف هذا الأمر انزعاجاً اقتصادياً في معيشة الناس اليومية بسبب صعوبة توفر الأمور كما كانت عليه سابقاً وهذا الأمر يستدعي إيقاف هذه الحرب الدائرة على الفور لتوقيف هذه الخسائر المادية والبشرية.
ويختم عجاقة: «سواء توقفت هذه الحرب أم لم تتوقف, لبنان سيذهب للإنكماش إقتصادياً, لذلك الخطوة الأولى والأهم هو الوقف الفوري لإطلاق النارومن ثم الذهاب نحو التعافي السياسي من خلال انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة أصيلة, وبحسب وتيرة المساعدات التي ممكن أن تأتي من الخارج من الممكن ان نحقق نمو السنة القادمة واذا تم تطبيق الإصلاحات وبدأت المساعدات بالدخول من الدول الخليجية وبالتحديد المملكة العربية السعودية فمن الممكن أن يتعافى الإقتصاد ويعود تدريجياً إلى طبيعته».