بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 أيار 2023 12:00ص لماذا مذكرة التوقيف من الإنتربول بحق سلامة غير قابلة للتنفيذ قانوناً في لبنان؟

حجم الخط
إنّ مذكرة التوقيف الغيابية التي أصدرتها القاضية الفرنسية أود بوريزي بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والتي عمّمت عبر الانتربول الدولي، إثر تغيّبه عن جلسة استجوابه المحدّدة بتاريخ 16 أيار 2023، تخالف القانون اللبناني، الذي ينص على عدم تسليم رعاياه إلى دولة أجنبية، ولو كان المطلوب تسليمه يحمل جنسية الدولة طالبة الاسترداد. حيث تنص المادة 30 من قانون العقوبات اللبناني على أنه «لا يسلّم أحد إلى دولة أجنبية، فيما خلا الحالات التي نصت عليها أحكام هذا القانون، إلا أن يكون ذلك تطبيقاً لمعاهدة لها قوّة القانون»، ومن خلال تنظيم قانون العقوبات اللبناني لموضوع الاسترداد يتضّح أن شروط الاسترداد هي أربعة: « أ- انعقاد الصَّلاحِيَة القضائية للدولة الطالبة. ب- انتفاء الصَّلاحِيَة القضائية للدولة اللبنانية. ج- ازدواج التجريم للفعل في كلتا الدولتين وبشروط معيّنة. ج- عدم إدراج الجرم ضمن موانع الاسترداد». كما أن الشرط الثاني المتعلّق بلزوم انتفاء الصلاحيات القضائية للدولة اللبنانية، فهذا ما قرّرته المادة 32 من قانون العقوبات التي نصت على ما يلي: «لا تبيح الاسترداد الجرائم الداخلة في نطاق صَلاحِيَة الشريعة اللبنانية الإقليمية والذاتية والشخصية». وهذا الشرط بديهي لأنه لا يجوز مطالبة الدولة اللبنانية بتسليم أي مواطن لبناني لأنّ الدولة لا تسلّم مواطنيها. فأي طالب سنة ثانية حقوق يعلم أنه لو ارتكب أي لبناني جرماً في الخارج وتمكن من الفِرَار إلى لبنان، وطالبت الدولة الأجنبية استرداده فيرفض طلبها، لأن اللبناني يتعيّن أن يحاكم أمام القضاء اللبناني طبقاً للصلاحية الشخصية، المذكورة في أحكام المادة 20 من قانون العقوبات، التي تنص على ما يلي: «تطبّق الشريعة اللبنانية على كل لبناني، فاعلاً كان أو محرّضاً أو متدخلاً، أقدم خارج الأراضي اللبنانية، على ارتكاب جناية أو جنحة تُعاقب عليها الشريعة اللبنانية؛ ويبقى الأمر كذلك ولو فَقدَ المدعى عليه أو اكتسب الجنسية اللبنانية بعد ارتكاب الجناية أو الجنحة». كما استقر العرف الدَّوْليّ على حظر التسليم إذا كان الطلب ناشئاً عن جريمة ذات طابع أو دافع لغرض سياسي، ذلك أنّ الاسترداد قد يكون للانتقام من المدعى عليه من قبل خصومه السياسيين المتواجدين في الدولة الطالبة. كما يتمّ التشدّد في هذا الموضوع أكثر فيما يتعلّق بمذكرات التوقيف، لا سيما مذكرات التوقيف الغيابية، لأن التوقيف يتشابه مع العقوبات السالبة للحرية في أنه يسلب حرية المرء، ويُنفذ في السجون، إلا أنه ليس عقوبة، لأنه لم يصدر بعد الحكم المبرم الذي هو من خصائصها. وهو لهذا السبب إجراء خطير لأنه يصدر في مواجهة شخص الأصل فيه أنه بريء، أي أنه يتعارض مع قرينة البراءة. فكيف الحال في مسألة الحاكم سلامة الذي لم يتبلّغ موعد جَلسة استجوابه، فصدرت مذكرة توقيف بحقه ليس لأنه مدان، بل لأنه لم يحضر الجَلسة، ومن ثمّ عمّمت المذكرة على الانتربول قبل تمكين الأخير من الطعن بها، وفسخها لعدم شرعيتها وعدم قانونيتها. ولذلك نشدّد على طلابنا دوماً بأنه يجب أن يكون هنالك دائماً ضمان لحرية المرء احتراماً لقرينة البراءة، وأن تقدّر الضرورة بقدرها، بحيث يحاط التوقيف بشروط وقيود وضمانات حتى لا يُساء استخدامه أو ينحرف عن هدفه. لا سيما أنّ الحرية الفردية مصونة في المادة 8 من الدستور اللبناني التي تنص على أنّ «الحرية الشخصية مصونة وفي حمى القانون ولا يمكن أن يُقبض على أحد أو يحبس أو يوقّف إلا وفقاً لأحكام القانون ولا يمكن تحديد جرم أو تعيين عقوبة إلا بمقتضى القانون»، أي أنّ صون الحرية الشخصية تستمدّ مفهومها من مبدأ الأمن الشخصي للإنسان القائم على فكرة حمايته من التوقيف الاعتباطي ومن التجاوزات التي ترتكبها السلطة. ولهذا عمد قانون العقوبات اللبناني وانسجاماً مع الاتفاقيات الدولية في هذا الشأن، إلى سنّ المادتين 30 و32 منه، والسابق ذكرهما، لجعل الأعمال المؤدية إلى حجز الحرية متّفقة مع حقوق الإنسان والشرائع والمواثيق الدولية. لا سيما أحكام المادة السابعة من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر سنة 1789، وأحكام المادة الخامسة عشرة من الشرعة الدولية للحقوق المدنية والسياسية الصادرة عن الأمم المتحدة سنة 1966، والأحكام الواردة في البروتوكول السادس من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان عام 1983. أما فيما يتعلّق بتسلّم النشرة الحمراء من الانتربول بناءً على مذكرة توقيف القاضية بوريزي الغيابية، فوفق نص إنشاء الانتربول، فهذه النشرة هي طلب يقدم إلى أجهزة إنفاذ القانون لكي تبت البلدان الأعضاء استناداً إلى قوانينها الخاصة باعتقال الشخص المعني أو عدم اعتقاله. أما الجهاز المختص في لبنان، فهو النيابة العامة التمييزية، صاحبة القرار في إعطاء الإشارة بالتوقيف أو عدمه، لا سيما أنّ اجتهاد محكمة التمييز الجزائية اللبنانية قنّن النص القائل بأنّ النائب العام التمييزي هو المرجع الصالح للبت بطلبات التسليم في قرارها الشهير رقم 283 تاريخ 21-5-1963. ولكن نظراً لأن الحاكم سلامة لبناني فهو يخضع لنظرية سيادة الدول وسيادة القضاء اللبناني، وما صدر عن القضاء الفرنسي لا يسري إلا على الأراضي الفرنسية، لا سيما أنّ لبنان لم يبرم اتفاقيات تسليم ثنائية مع فرنسا. وبالتالي فإن مذكرة توقيف سلامة الغيابية غير قابلة للتنفيذ قانوناً كما أكّد القاضي جان طنوس، الذي أجرى بصفته محامياً عاماً تمييزياً بالتكليف، التحقيقات الأولية في ملف سلامة. ولكن النائب العام التمييزي من المفترض أن يستدعي الحاكم للاستماع لإفادته وفقاً لأحكام قانون العقوبات اللبناني، ويطلب الملف الذي أصدرت القاضية بوريزي على أساسه مذكرة التوقيف بحق الحاكم، ليصار إلى النظر في الجرم المسند إليه في الخارج، ليحاكم في ضوئه أمام القضاء اللبناني؛ وعندما ينتقل الملف من فرنسا إلى لبنان، يصبح القضاء اللبناني صاحب الصَّلاحِيَة المطلقة بمحاكمة الحاكم.