بعد سنوات من تدهور العملة وتعطل غالبية المؤسسات الحكومية، جاءت الضربة القاضية مع اعلان شركة توتال توقفها عن التنقيب عن النفط في البلوك رقم ٩، ويعتبر عدم التوصل إلى نتائج مهمة في عمليات التنقيب والاستكشاف، إلى جانب الآفاق طويلة الأمد للاستفادة من الموارد الهيدروكربونية المحتملة، سيناريو صعبًا للبنان، خاصة في ظل عدم وجود حلول أخرى لإنعاش اقتصاده.
في هذا الإطار قالت الهيئة إنه بالرغم من عدم التوصل لاكتشاف مواد هيدروكاربونية نتيجة لحفر البئر إلا أن البيانات والعينات التي تم الاستحصال عليها من داخل البئر ستشكل أملا جديدا ومعطيات إيجابية لاستمرار عمليات الاستكشاف في البلوك 9 والبلوكات الأخرى وبالأخص تلك المحيطة ببلوك 9، كما أنها تعطي قوة دفع إضافية للاستكشاف في البحر اللبناني.
وأضافت: «لقد تمّ من خلال الحفر اختراق الطبقات المستهدفة تأكيد وجود مكمن بنوعية جيدة يحتوي على الغاز في الطبقة الخاصة بلبنان».
وأشارت إلى أن الاهتمام سينصب في الأشهر المقبلة على استعمال البيانات والعينات التي تم الاستحصال عليها من داخل البئر من أجل نمذجة أدق لحوض قانا بهدف تحديد الامتداد الجغرافي للمكامن المكتشفة داخله وفي المناطق المحيطة به ورفع نسبة النجاح لتحقيق اكتشافات غازية في المستقبل.
وأثار توقيت إبلاغ «توتال» الجانب اللبناني بانتهاء الحفر العديد من التساؤلات في الشارع اللبناني، إذ أنها تأتي تزامنا مع زيادة التوترات على الصعيد الإقليمي مع تفاقم الحرب بين حماس وإسرائيل وترقب احتمالية تدخل حزب الله وإيران إلى خط الحرب.
يقول عضو مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان والخبير في مجال الطاقة سامر سليم، إن الكثير من اللبنانيين يعتبرون قطاع النفط والغاز حلا ممكنا للأزمة الاقتصادية التي تواجه البلاد. ومع ذلك، فإن «معظمهم لا يدركون أن الأمر سيستغرق ما لا يقل عن 7 إلى 10 سنوات للحصول على أي فوائد مالية من الاكتشافات».
ويضيف الباحث في مجال الطاقة والزميل المشارك في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت مارك ايوب إن بلوك 9 كان يعتبر من الحقول الواعدة لأنه على امتداد يشبه نوعا ما التمدد الجيولوجي للاكتشافات التي تتم في البحر في الحقول المجاورة منها «كاريش» و«تمار» و«تنين»، والتي تم استكشافها جميعا خلال السنوات العشرة الماضية.
كما أشار إلى أن هناك العديد من الدراسات السابقة، أجريت خلال السنوات العشر الماضية، مثل المسح الزلزالي ثلاثي الأبعاد التي كانت تشير إلى احتمال كبير باستكشاف نفط وغاز. وبالتالي، فإن «هذه الوعود والآمال أدت إلى زيادة التعويل على اكتشاف الغاز لتحسين الوضع الاقتصادي في لبنان».
بحسب أيوب، لا توجد أي دلائل واضحة حول احتمالية ربط عملية التنقيب والاستكشافات بالحرب الجارية في غزة إذ أن توقيت إبلاغ «توتال» الجانب اللبناني بانتهاء الحفر هو أمر متوقع.
ويستند إلى تفاصيل الاتفاق، إذ أن نتائج الحفر من المتوقع أن تظهر بعد 67 يوما من بداية التنقيب، حيث من المقرر أن تبحر الباخرة إلى قبرص في منتصف نوفمبر تقريبا بغض النظر عن نتائج الاستكشاف.
لكنه أشار إلى أن من العوامل الرئيسية التي قد تؤثر على تطوير النفط والغاز هي التطورات الجيوسياسية، والتي يمكن أن يكون لها آثار إيجابية وسلبية على المشاريع الجديدة والحالية، وهو أمر «شهدناه سابقا على صعيد العالم. في حالة لبنان، بدأت عملية تطوير النفط والغاز بالفعل، لكن نتائج الاستكشاف قد لا تكون حلاً للقضايا الجيوسياسية».
يعتبر سليم أنه للحكومة اللبنانية دوراً حاسماً في إدارة التوقعات وتنظيم عمليات تنقيب موارد الطاقة البحرية في مياهها الإقليمية. كما يواجه لبنان أزمة اقتصادية وسياسية حادة، ما زاد من الضغوط لاستغلال موارده الهيدروكربونية المحتملة.
«ومع ذلك، يتعين على الحكومة أيضًا تحقيق التوازن بين مصالح مختلف الأطراف في القطاع، مثل المجتمعات المحلية والشركات الدولية والبلدان المجاورة. وتتولى الحكومة مسؤولية وضع الإطار القانوني والمالي، وضمان الشفافية والمساءلة، وتخفيف المخاطر البيئية والاجتماعية».
ويضيف: لسوء الحظ، في ظل الوضع السياسي الحالي، قد يكون من الأكثر نفعاً واستدامةً للبنان إبقاء القطاع هادئاً حتى تحقيق إصلاحات حقيقية وحوكمة رشيدة.
وكان رد أيوب شبيهاً، حيث أكد أن دور الدولة هو عدم التعويل على القطاع في مواجهة الأزمة الاقتصادية الراهنة. ويعتبر أنه في ظل عدم وجود أي مخارج متبقية لحل الأزمة الاقتصادية الحالية أدى إلى اعتبار جمعية المصارف ومسؤولون كبار في الدولة أن قطاع الغاز سيكون الخلاص. و«بدأت الحكومة بالتفكير كيف يمكننا بيع الغاز لإعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح».
وأكد أن إيرادات قطاع الغاز لن تكون كافية لسد العجز والفجوة المالية الموجودة في مصرف لبنان. ولا يجب الاتكال على الغاز لحل الأزمة الاقتصادية. وأن «هذه من مسؤوليات الدولة الرئيسية».