بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 كانون الثاني 2023 12:07ص نعمة أم نقمة: سوريا ثالث دولة باحتياط الغاز بعد روسيا وإيران

حجم الخط
باسم المجذوب

النفط مادة طبيعية تستخرج من التكوينات الجيولوجية في جوف الأرض, والتي تتجمع فيها عبر عملية تحول بطيئة للمواد العضوية دامت عصورا وحقبات طويلة, يختلف مظهره ولونه وتركيبه حسب مكان استخراجه, عندما يستخرج من تحت الأرض يسمى نفط خام يخضع لاحقا الى عملية تكرير للحصول على أنواع مختلفة من المنتجات النفطية, أي تجري عليه تقنيا عملية تقطير بالتجزئة تمكن من فصله الى مجموعة من المزائج تتمايز فيما بينها بتدرجات نقطة الغليان في أبراج التقطير لتنتج ما يتم تداوله اليوم من تسميات مختلفة تتمايز بالثقيل والخفيف وتختلف من منطقة لأخرى في جميع أرجاء الكرة الأرضية.
انها أهم سلعة استراتيجية في العالم تشكل العصب الرئيس للطاقة فأصبح كالدم في الوريد ودونه لا حياة ولا صناعة ولا تكنولوجيا, وبات اكتشافه يشكّل أحد أهم أسباب الصراع الدولي.
أسواق لا تهدأ, يتدخل في سوقها المنتجون والمشترون والتجار والوسطاء, تتبع معادلة العرض والطلب, لكن العرض والطلب ليسا العاملين الوحيدين فهناك عوامل أخرى مثل نشاط المضاربين وحصص السوق بين كبار المنتجين, فالدول المنتجة تحرص على مصالحها المتمثلة في حصتها في السوق أكثر من حرصها على توازنات السوق.
يرتبط النفط بعلاقة وطيدة منذ زمن بعيد مع الأزمات والصراعات الدولية, وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى أضحت محركا أساسيا ومهما في وقائع الأزمات والصراعات الدولية, لتصبح من أكبر وأهم الصناعات في العالم, وحولت النفط الى أحد أهم الأهداف العسكرية وأحد المقومات الأساسية في رسم الحدود السياسية والاقتصادية.
استمر النفط من أبرز العوامل المؤثرة في السياسة الدولية حيث برز له دور جديد تجلى باستعمال النفط كسلاح وورقة ضغط, كان أبرزها عندما استخدم العرب النفط سلاحا للضغط على الغرب في حرب تشرين الأول (اكتوبر) لعام 1973 لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في حرب 1967, وقد أكد استخدام العرب لورقة النفط أهمية هذه السلعة ودورها في العلاقات الدولية, وقد دفع بعدها العاهل السعودي الراحل الكبير الملك فيصل حياته ثمنا لقراره الذي هز العالم.
ومنذ ذلك الحين بدأت مسألة تأمين إمدادات النفط تشغل بال الدول الكبرى, ولا غرابة إذا قلنا أن ما لحق بالمنطقة من حروب وويلات كان أحد أهم أسبابه تأمين تدفق النفط إلى تلك الدول التي تحرك دفة الصراعات الدولية في المنطقة, فمن يسيطر على النفط يسيطر على العالم ومن أجله تفتعل الحروب وتدمر دول وتقتل شعوب.
مع انتهاء الحرب الباردة وسقوط جدار برلين وزوال الاتحاد السوفياتي وتلاشي الخطر بتوقعات الاجتياح السوفياتي لأوروبا الغربية الأمر الذي كان يستوجب دفاعا أميركيا عنها, برز كلام جديد عن «مواجهة بين الحضارتين الإسلامية والغربية», وتحولت منطقة الشرق الأوسط بدلا من أوروبا مسرحا زاخرا بالعلاقات الدولية المتأزمة وبات الشرق الأوسط خط التماس بين الحضارتين.
وبنظرة تفصيلية لموارد المنطقة والخليج والموقع المتميز لدول الشرق الأوسط الذي يتحكم بمجموعة من القنوات والبحار والممرات المائية الاستراتيجية المهمة الذي يتيح لها أن تلعب دور صلة الوصل في مسارات النقل للنفط والغاز الى الدول الصناعية والدول الكبرى نستنتج عمق اهتمام وتدخلات دول العالم الكبرى في هذه المنطقة.
وما ثورات الربيع العربي وظهور ما تم تسميته بالإرهاب الإسلامي إلا نتاجا لما يسمى بصراع الحضارات الذي اقامه الغرب على المنطقة ومضمونا هو الهيمنة المباشرة على تلك الموارد لتكون الكلمة الفصل في القرارات المصيرية بيد الدول الكبرى أو الإقليمية الفاعلة التي تعمل ضمن مسارها وتحاول ان تنال حصة من تلك الثروات, وما التجاذبات والتشعب في التدخلات التي حصلت إلا لبسط السيطرة الدولية على كل قرارات المنطقة. وقد ساهم في ذلك حكومات وحكام اساءت الى شعوبها وتركت المجال واسعا لكل قريب وبعيد في التأثير على شعوبها التي خلق الفقر والحرمان وذل الحكام لها أرض خصبة لكل الفتن والمكائد من كل حدب وصوب وأبرزها التغلغل الإيراني والتركي والاسرائيلي في المنطقة للسيطرة على مفاصلها من خلال أذرع لها واحيانا بتدخل مباشر بالتوافق مع القوى الكبرى كل بحسب المحور الذي يدور في فلكه.
وما حصل ويحصل في سوريا من مشاركة دولية واقليمية لمعظم دول العالم من تدخل مباشر لروسيا والولايات المتحدة والدول الإقليمية التي تدور في محور كل منها إلا دليلا على اهمية تلك المنطقة وعدم تركها سيدة قرارها يساعدها في ذلك أنظمة لم ترحم شعوبها , همها استمراريتها ولو على حساب دمار أوطانها, فقد اثبتت دراسات واكتشافات في عام 2017 ان الاحتياطي من الغاز في سوريا وخاصة في مناطق تدمر وقارة وساحل طرطوس وبانياس واللاذقية هي الأكبر في المنطقة وقد تم تقدير احتياطي الغاز في ارض سوريا وبحرها بحوالي الـ 28 تريليون متر مكعب من الغاز, مما يجعلها من أغنى مناطق الشرق الوسط ومؤهلة لاحتلال المركز الثالث في العالم بعد روسيا وإيران ولتحتل مكان قطر في الترتيب لأغنى احتياطي غاز في العالم , ومن هنا يمكننا ان نفهم تلك الهجمة الشرسة والغير مسبوقة من معظم دول العالم الفاعلة , خاصة أن حقول سوريا هي الأقرب من الأسواق العالمية وزوروبا من دول الخليج المنتجة للغاز وبالأخص دولة قطر, مما يجعلها ذي جدوى تجارية أفضل.
وما حصل في مصر وما يحصل في لبنان ليس ببعيد عن هذا المخطط, فبالرغم أن إسرائيل سطت على مياه لبنان ومصر, لكن يبقى نصيب سوريا ولبنان ومصر أكبر من نصيبها, أما تركيا فخرجت خالية اليدين فشواطئها خالية من النفط والغاز.
الطريق الى الكنز صعب وشاق تتخلله مخططات وثورات ونزاعات وربيعات لا بد منها للوصول إليه, إنها حرب نفطية تتداخل فيه السياسة ومصالح الدول لتطغى على مبدأ العرض والطلب وتحوي من التعقيدات في الخفاء ما يؤكد أن سلاح النفط فتاك وعلى اليد التي تتحكم فيه أن تكون حكيمة فتنقذ اقتصاديات دول وشعوب من الانهيار , وتلك القوة الحكيمة هي ما يفتقده العالم اليوم وما نراه من صراعات وتدمير ما هو إلا نتيجة تملك قوى لا يعنيها سوى مصالحها ولو على حساب ومصالح شعوب دول أخرى.