بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 شباط 2025 12:00ص أخلاق بلا إيمان؟

حجم الخط
السر الكوني لا يخوّلنا المحافظة على النظام المجتمعي. ولشدّ ما يذهب البشر إلى ضرورة الإيمان بإله ما يملي عليهم قواعد للحياة، ما لم يدعوا الأخلاقيات تتلاشى ويتداعى المجتمع ليمسي فوضى موحشة. والثابت ان الإيمان بآلهة ما تجلّى حيويا لدى أنظمة مجتمعية مختلفة. والحال ان الديانات عينها توحي الكراهية والتعصب لدى بعض الشعوب، وتوحي الحب والتسامح لدى بعضها الآخر. ومجرد الإقرار بالحاجة إلى كائن فهو طبيعي للتصرف تصرفا أخلاقياً، يستلزم الإقرار بأخلاق غير طبيعية. فهناك من يؤمن مثلاً بعروبته أو بلبنانيته إيماناً تتزعزع الراسيات ولا يتزعزع، في حين قد تعدّه مؤسسة دينية، لاعتبارات مختلفة، مجرما يستحق أشدّ العقاب.
قد تشارك في الأخلاق الطبيعية تيارات دينية معيّنة. المسيحيون يركنون إلى المحبة حتى من غير إيمانهم بآلهة الهندوسيين، ويقدر المسلمون الصدق على الرغم من رفضهم ألوهية السيد المسيح، وليست دول علمانية كالدانمارك أشدّ عنفا من دول متديّنة كباكستان...
لا ترمي الأخلاقيات إلى اتباع تعاليم دينية محددة بقدر ما تبتغي تخفيف حدّة الآلام البشرية. فعندما نعي أبعاد ألم غير ضروري، نتحاشى عنه. ولكن، هناك شعوب تقتل وتغتصب وتسرق لان لديها نظرة سطحية إلى الدين. يكتفون بمتعة عابرة ومباشرة لهم من غير أن ينشغلوا بأثرها في الآخرين وحتى بأثرها فيهم على أمد بعيد. سعادتنا من سعادة سوانا. ولكن، حيال ما نشاهده من ظلم الشقيق أو الغريب واعتدائه على حرياتنا وكرامتنا، ألا نتمنى مثلا لو ألقى السيد المسيح على تلامذته، دروساً في القوة والاباءة ومجابهة المعتدين، الذين لا يخضعون إلّا للعنف والبطش والسيطرة؟ وددت دوما لو ابتعد ناسنا عن إقحام الدين في الأخلاق، ولا سيما السياسية منها. وكثيرا ما وقفت قلمي، رغم إيماني الراسخ، على الدفاع عن عزّة الوطن ومكانته، وطفقت أصلي أعداءنا نارا حامية، يقذفها قلبي العامر بالإيمان الوطني، والزاخر بالإباء، كما يقذف البركان الهائج حممه المدمرة ولهبه المحرق مع مراعاة الأصول الأخلاقية والضوابط الأدبية.
ما أدعو إليه هنا إيمان متعقّل أو تعقّل مروحن!

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه