محمد ياسين خليل القطعاني هو كاتب وأديب بارز، يشغل منصب رئيس قسم اللغة العربية بوزارة التربية في الكويت، ولديه خبرة تتجاوز الثلاثين عاماً في تدريس اللغة وآدابها. يحمل ليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية ودبلوم دراسات عليا في التربية وعلم النفس من جامعة القاهرة. تم تكريمه من قبل صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد في يوم المعلم العالمي، وهو مُحكم معتمد لنظام (بيرلز) العالمي.
في عام 2024، صدرت له عدة أعمال أدبية، بما في ذلك روايات ومجموعات قصصية، حيث يسعى من خلالها لتناول قضايا اجتماعية ونفسية معقّدة تعكس التجارب الإنسانية المتنوّعة. يطرح هذا الحوار تساؤلات عميقة حول فلسفته الأدبية وتجاربه الشخصية، مما يسمح لنا بفهم كيفية تفاعله مع القضايا التي تهم المجتمع.
في الحوار معه نكتشف قيمة تجربته الشخصية وتأثير خلفيته الثقافية على كتاباته، حيث عاش بين بيئتين متناقضتين: الريف والمدينة. يعكس هذا التنوّع في التجارب الإنسانية عبر سرد قصص تعكس هذا التناقض، مما يجعله أكثر قرباً من قرّائه. ومعه أجريت هذا الحوار:
{ ما الهدف الأساسي الذي تسعى إلى تحقيقه من خلال تناول قضايا اجتماعية مُعينة في قصصك؟
- الأدب يتناول، ويطرح على السطح قضايا اجتماعية ونفسية موجودة، وأي مجتمع عبارة عن حالات فردية مُختلفة ومتفردة، لها رغباتها وتطلّعاتها وشهواتها النفسية الغائرة، وهذه الرغبات هي التي يحكم عليها المجتمع بالصواب أو الخطأ. أما أصحاب الرغبات فحكمهم عليها مختلف عن حكم المجتمع، وإذا واتتهم الفرصة أشبعوا هذه الرغبات وهم مقتنعون بذلك، (والأدب يطرح، ولا يحكم).
{ كيف توازن بين النقد الاجتماعي وتقديم تجربة سردية مُمتعة؟
- أنا أطرح على القرّاء هذه الحالات في إطار سردي مُكثف مغلّف بتقنيات أدبية فنية، ولا أُظهر في تناولي لهذه الحالات أي نقد أو تخطئة، فالأمر متروك للقرّاء، وكل قارئ وقناعاته ومستوى ثقافته، وتقبّله لهذا السلوك أو رفضه. فما يراه قارئ مباحاً وحرية شخصية يراه آخر مُحرّماً.
{ هل هناك خطر من أن يُفهم نقدك بشكل خطأ أو يُعتبر هجوميّاً؟
- أنا لا أنقد، ولا أدين. أنا أديب، والأديب هو العين التي تلتقط ما يمرّ على الآخرين ولا ينتبهون إليه، فيزيل بعض الغشاوات عن بعض العيون. والتاريخ العربي مليء بقصص لو حدثت الآن لاتهمنا بعضَهن بالخلاعة والفسق. ومن يريد الاستفاضة عليه قراءة الشعر الأندلسي، فسوف يُفاجأ بأن النسوة هُنّ من كُنّ يغازلن الرجال، ويَسعينَ إلى لقاء من يُحببن في بيوتهم ليلاً ونهاراً، كما كانت تفعل الشاعرة ولادة بنت المستكفي، والشاعرة حفصة الركونية وغيرهما من عليّة القوم. فقد كانت المرأة في الأندلس (طالبة لا مطلوبة، وزائرة لا مزورة، وعاشقة ومعشوقة).
{ ما الاستجابة التي تلقّيتها من القرّاء أو المجتمع حول قصصك عامةً؟
- انقسم القرّاء إلى فريقين متناحرين. (فالمُوالي) المؤيد يُشيد، ويذكر من الواقع حالات مماثلة قد تكون أشدّ بشاعةً من القصص الواردة في المجموعة، ويرددون: (كما هناك رجلٌ زير نساء، هناك امرأةٌ زيرة رجال). والفريق الثاني (المعارض) يرفض بشدّة عرض هذه الحالات بدعاوى كثيرة، ويردد أنّ هذه حالات نادرة، ولا يُقاس عليها، مع أنّ الأديب مجرد رافع للستارة عن شخوص في المجتمع بشتى مشاربهم.
{ هل شعرت بأنّ قصصك أحدثت تغييراً ملموساً؟
- نعم، بعض القرّاء أعادوا التفكير والنظر في بعض القناعات التي استقرتْ لسنوات، مثل القصة القصيرة الواردة في المجموعة بعنوان «ذهاب بلا إياب»، والتي تتناول الزوجة التي ترملتْ، وكانت عاشقة لزوجها، وزوجها قدّم لها متع الحياة كلها، وبعدما تُوفي تزوجتْ بعد عِدّتها مباشرةً، وتعاملتْ مع زوجها الجديد كما كانت مع زوجها المتوفى. فبعض القرّاء اتهمها بالخيانة وعدم الوفاء، وبعض القرّاء أثنى عليها؛ لأنها مُخلصة لزوجها الجديد، ومن حقه أن يجد منها كل خِصال الزوجة الصالحة. وهذه الرؤية لها دليل من التاريخ، فإنّ إحدى الصحابيات تزوجتْ من ثلاثة من الصحابة، فهل هي غير وفيّة مع أن اثنين منهم كانا من الخلفاء؟
{ هل تواجه صعوبة في التعامل مع ردود الفعل من الأشخاص الذين قد يكونون جزءاً من المجتمع الذي تنتقده؟ وكيف تتعامل مع ذلك؟
- إحدى الشاعرات الكبيرات التي أكنُّ لها التبجيل والاحترام حملتْ عليّ بشدّة، واتهمتني بأنني تجاهلت النساء الطاهرات العفيفات، وأظهرت على السطح الخائنات الساقطات. كما طالبتني إحدى الناقدات بتغيير نهاية إحدى القصص؛ لأنها اطّلعتْ عليها قبل الطبع والنشر، وتعاطفتْ مع بطلة القصة. بعض النقاد أشادوا بالجرأة التي غلّفتْ القصص بتقنيات الحكي واللغة والوصف والنهايات الصادمة المُدهشة. وكما قال أحد النقاد الكبار: (البتول لم تكن بتولاً، وبسمة لم تكن بسمة).
{ كيف تسعى لعرض حلول أو بدائل إيجابية في قصصك بجانب الانتقاد؟
- الأدب لا يقدّم حلولاً، فتلك مسؤولية المجتمع والمصلحين بشتى اتجاهاتهم الدينية والاجتماعية والثقافية. والأديب ينظر إلى شخوصه كحالات موجودة في الواقع، ولا يسعى لتعديل سلوكها، لأنّ هذه الحالات بتكوينها الاجتماعي والنفسي متوافقة مع غرائزها القاهرة لها، والمستمتعة بتحقيقها واقتناصها. ونحن نعتقد أنه (كما زُيّنَ لبعض الرجال حُب الشهوات من النساء، زُيّن لبعض النساء حُب الشهوات من الرجال).
{ هل لديك نصائح للكتّاب الذين يرغبون في تناول قضايا اجتماعية بطريقة هادفة ومُحترمة؟
- لا نصائح في الأدب، فالموهبة تكون أولاً، ثم القراءة، ثم القراءة، ثم القراءة. والقراءة تكون في الآداب قديمها وحديثها، شعرها ونثرها، وكذا علوم الأمم الأخرى وثقافتها وعاداتها. أيضاً من المهم المشاهدة والتقاط المواقف والأحداث ذات الظلال التي تصنع قصصاً متنوعة. وأنا أقول لهم: (الأديب عقل يلتقط، وعين تشاهد، وقلم يصدق ذلك، ويكتبه).