لا ميل، لدى معظم «المعنيين» بشؤون التربية والثقافة، إلى الوقوف على الأفكار التربوية والثقافية. يكادون ينفرون مثلا من كل نص أدبي حتى منقولا من لغات أجنبية ولم يفقد رواءه ورونقه.
أحيلهم عبثا على مراجع مجدية وأسوقهم إليها، وحسبي من هذه المهمة أنها تستلب مني أكثر نهاري وقسما وافيا من ليلي بين يقظة وحلم. ولكن، على من تقرأ مزاميرك يا داود؟
لماذا لا ينصرف هؤلاء إلى بعض المطالعات، في زمن الشغور والغياب والاعتكاف والاستقالة على العموم، فيشعرون بقليل من الدينامية شعور المرء بشيء من الحيوية والنشاط حين يغادر بلاده فترة من الزمان ثم يعود إليها؟
غريب إهمال هؤلاء الأشاوس لأبسط واجباتهم فلا تراهم يولّون القراءة أي اهتمام ولا يحفّزون عليها النشء الصاعد(؟) ليتغلّب على حواجزه النفسية ويعزّز تجسيده للدولة القادرة!...يترنّحون بين الإجراءات المطلبية سلبا أو إيجابا في ظل اعتبارات طائفية ومناطقية وعيلية، فيما الكراسي فارغة وإنما فاغرة أفواهها للمزيد من الطموح بل المطامع الشخصية أو الفئوية.
هكذا تنشأ أجيال لا تأبه لجمال قصيدة ولما يعتلج في نفوس كبار المفكرين من وجهات نظر وعواطف. وينمو شباب لا يطرب لنغم من الأنغام الراقية ولا يتحرك في ذاته أي وتر داخلي. لا نطلب إليهم حتى الوقوف على النظريات التربوية وإنما معايشة الواقع التعليمي والتربوي تحت كل سماء، بكل ما في هذا الواقع من انعكاسات وملابسات وأخيلة وتناقضات...
هكذا، يتخبط مجتمعنا في فوضى كلامية ترتد على كل شيء، فضلا عن فقدان أي قوة أسلوب أو اشراق عبارة أو وضوح رؤية.
متى يدرك أهل الكهف ضرورة تربية نشئنا على عدم النفور من كل ما يمتّ إلى الكلمة أو الفن بصلة؟ متى يعززون مثلا، في مناهجنا، مادة الترجمة التي ليست بالضرورة مسخا وإنما هي نقل حي لكل ما هو حي؟
الحياة مدرسة كبيرة يبدأ فيها المرء تعلّمه منذ أن يفتح عينيه للنور وفمه لثدي أمه إلى أن تتعطّل جميع حواسه ويوضع في رمسه. متى يفسحون المجال لشبابنا أن يعيش فعلا بدلا من التفكير في الحياة أو الرحيل؟ هل يبلغ أبناؤنا يوما، في ظل دولة مقتدرة عادلة، الهدف الأسمى الذي تبسم عن جانبيه عذارى الأماني وعرائس الآمال؟
أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه