بعد إصداره المطوّل في تاريخ بيروت في أربعة آلاف سنة (2000ق.م - 2005م) وفي عشرة مجلدات وسبعة آلاف صفحة في سنة 2018، خُيّل إلينا أنّ المؤرخ البيروتي الدكتور عصام محمد شبارو، قد أنهى رسالته البيروتية العربيّة من خلال هذه الموسوعة البيروتية الى جانب كتبه الثلاثين التي أصدرها بين سنتي 1985 و2016، فإذا به يفاجئ بيروت التي وُلد فيها على مذهب العروبة لغة القرآن الكريم، ويفاجئ معها أهل بيروت، في هذا الزمن البيروتي اللبناني العربي الرديء، بثلاثة كتب دفعة واحدة، وهذا أمر غير مسبوق مع المؤرخين البيارتة، وهي عن ثلاث مؤسسات بيروتية، معتبراً أن هذه المؤسسات ما دامت في خير، فإنّ بيروت وأهلها بألف خير. وهي:
1• جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت من التأسيس الى العصر الذهبي (1878-2024):
وقد وضع هذا الكتاب في 492 صفحة، وهو أول كتاب يحكي تاريخ جمعية المقاصد في 146 سنة منذ تأسيسها في 31 تموز 1878 على يد المؤسسين البيارتة الخمسة والعشرين لينافسوا الإرساليات التبشيرية الأجنبية التي أسّست المدارس والكلية السورية الإنجيلية (الجامعة الأميركية) سنة 1866 وجامعة القديس يوسف (اليسوعية) سنة 1873، وذكر جميع المراحل التي مرَّت بها جمعية المقاصد، في سياق تاريخي، لعناوين تحمل أسماء الرؤساء الثلاثة عشر الذين تسلّموا الأمانة المقاصدية، بينهم رئيسان تولّيا الرئاسة مرتين. وتوقّف عند ظاهرتين من هؤلاء الرؤساء، الأول هو الرئيس عمر الداعوق الذي عرفت معه لجنة تعليم أبناء المسلمين في القرى عصرها الذهبي (1930 - 1949)، والثاني هو الرئيس صائب سلام الذي عرفت معه جمعية المقاصد تباشير العصر الذهبي (1958 - 1982). وهذا العصر الذهبي لم تعرفه جمعية المقاصد إلّا في خلال ست سنوات فقط من رئاسة الدكتور فيصل سنو (2018 – 2024).
2• اتحاد جمعيات العائلات البيروتية «اليوبيل الفضي» من التأسيس الى العصر الذهبي (1998 - 2013):
صدر هذا الكتاب في 445 صفحة، تحكي قصة اتحاد جمعيات العائلات البيروتية، منذ تأسيسه في 4 تموز 1998 وكان البروفسور وفيق سنو أول رئيس له (1998 – 2001) ومن بعده نائب بيروت السابق محمد الأمين عيتاني الذي اعتبره الدكتور عصام شبارو بأنه المؤسس الحقيقي للاتحاد (2001- 2005)، والرئيس الثالث هو الحاج رياض الحلبي (2005 – 2010) الذي أعلنها صراحة أن الاتحاد هو حزب الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والرئيس الرابع هو محمد خالد سنو الذي عرف معه الاتحاد تباشير العصر الذهبي (2010 - 2014)، والرئيس الخامس الدكتور فوزي زيدان (2014 - 2017)، والرئيس السادس محمد عفيف يموت الذي عرف معه اتحاد جمعيات العائلات البيروتية العصر الذهبي (2017 - 2023).
3• بلدية بيروت من التأسيس الى الانهيار (1864 - 2013):
صدر في 444 صفحة، وقد خلص المؤرخ البيروتي الدكتور عصام شبارو في كتابه الى ان المشكلة في بلدية بيروت إنما تعود الى الرئيس كميل شمعون ومعه رئيس الحكومة الأمير خالد شهاب حينما صدر قانون البلديات في مطلع عهده سنة 1952، وهو القانون الذي أعطى الصلاحيات التنفيذية في جميع بلديات لبنان الى رئيس وأعضاء مجلس البلدية، باستثناء بلدية بيروت التي حصر فيها الصلاحيات التنفيذية بمحافظ بيروت المعينّ بموجب مرسوم، وأعطى الصلاحيات التقريرية فقط لرئيس وأعضاء مجلس بلدية بيروت المنتخبين من أهالي بيروت. معتبراً أن هذا الأمر، هو السبب الرئيسي لدخول بلدية بيروت في مرحلة الانهيار، لأن القوانين البلدية اعتمدت بدورها هذا النص، حينما صدر قانون البلديات في 10 كانون الأول 1954 في عهد الرئيس كميل شمعون ايضاً ومعه رئيس الحكومة سامي الصلح، ثم قانون البلديات في 29 أيار 1963، في عهد الرئيس اللواء فؤاد شهاب ومعه رئيس الحكومة رشيد كرامي ووزير الداخلية كمال جنبلاط، وكان قانون البلديات في 30 حزيران 1977، هو آخر هذه القوانين الذي لا يزال معمولاً به حتى يوما هذا، وقد صدر في عهد الرئيس إلياس سركيس ومعه رئيس الحكومة الدكتور سليم الحص، وهذ القانون الأخير زاد على الصلاحيات التنفيذية لمحافظ بيروت، عدم تحديد مهلة للمحافظ لتنفيذ قرارات مجلس بلدية بيروت صاحب السلطة التقريرية، وكانت جميع القوانين البلدية السابقة تحدّد مهلة زمنية للمحافظ لتنفيذ قرارات مجلس بلدية بيروت، وهكذا أصبح مجلس بلدية بيروت ورئيسه منذ سنة 1977، في حال انتظار، وغالباً ما يطول الانتظار أشهراً وربما سنوات لرؤية إطلاق المشروع الى حيز التنفيذ، هذا إذا لم يهمل محافظ بيروت قرار مجلس بلدية بيروت ويدفن في أدراجه، وتكون الضحية بيروت وأهل بيروت وقاطنوها وزائروها.
لذلك اعتبر المؤرخ البيروتي الدكتور عصام شبارو أنّ العودة الى تحديد مهلة زمنية لمحافظ بيروت، لبدء تنفيذ قرارات مجلس بلدية بيروت هو ضرورة بيروتية في حدّها الأدنى، هذا إذا ما كان الأجدى معاملة بلدية بيروت، وهي أكبر بلدية في لبنان، على غرار سائر بلديات لبنان، بأن تكون الصلاحيات التقريرية والتنفيذية لرئيس وأعضاء مجلس بلدية بيروت المنتخب من أهالي بيروت، وليس لمحافظ بيروت المعيّن بموجب مرسوم.
والمؤرخ البيروتي الدكتور عصام شبارو، ينتظر عصر ذهبي لبلدية بيروت ليكمل مسيرة جمعية المقاصد واتحاد جمعيات العائلات البيروتية اللذين عرفا عصرهما الذهبي.
* محام - مؤرخ