بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 نيسان 2025 12:00ص تفتّح وجه

حجم الخط
أمس كنّا وجها لوجه، رأيت أرضا شاسعة ذات وجه، رأيت جلولا، رأيت سهولا وجبالا وأنهرا، رأيت حقولا، رأيت عريشة، رأيت أيكة، كلها مناقير، من قمح ومن ورد.
كانت العصافير تخرج منه، تؤوب إليه، تحمل في المناقير الماء والسنابل والقمح والحب، كانت تكدّس قشها على الجبين، تبني أعشاشها بين تجاعيده، كان جبينها كصفحة البحر، ترمي عليه النوارس قشها، كانت تجاعيد الجبين من برّ ومن بحر.
كانت الشمس، فوق الوجه واجمة، علقت بين خصيلات الشعر المتدلية حوله إلى الكتفين. كنت ساعتئذ بين نورين; نور الوجه ونور الشمس. وكانت الأرض كلها تميل بي، مرة لجهة الوجه، ومرة لجهة الشمس. كنت بكفّي، أمسح تعب السنين، عن تجاعيد الجبين الذي يتفتّح حبّا، تفتّح الورد. كنت أغسل بعيني جميع الدموع التي إنهملت من سماء ذلك الوجه دهرا من سنين، تراصفت فوق ذياك الجبين النديّ على الأرض، جرت به السواقي والجداول، إلى البحر.
وجه، بمساحة الأرض، وجه بسماحة الأرض، وجه بتجاعيد الأرض كلها، وجه بتجاعيد هذا البحر، الذي تربّع قبالة عيني في زيّ أمّ، في زيّ أرض. كيف ترى عيناي، كل هذا البحر، كل هذا المحيط من البحر، كيف يغمرني موجه، ثم ينشق عنّا في توحّد أرض وحبة الرمل، في وحدة ظل الأرض، وظل حبة الرمل؟!
أمس كنا وجها لوجه، وكان الصباح ينشق عن ثوب، زرزر جميع السنين الماضية في أكمامه، في جيوبه، في خصلات الشعر. زرزر الورد وحقل النجوم، وسماء عينين أفقين، يخيطان ذهب الشمس، عباءة حلم جميل، يمزّق مناديل الأفول، يردّها عن وجه أجمل شمس.
أمس عدتُ إلى وجه أمي، إلى حضن أمي، إلى منقطع البر والبحر. وجدت نفسي فجأة، برزخا صغيرا بين عاصفتين تهبّان عليّ: عاصفة من سفيف رمل، وعاصفة من رذاذ بحر، تمحو الرمل عن وجهي، تكتب بالماء ما تبقّى من عمري، تكسوه بوريقات تطير من وجهها إلى وجهي، كان شميمها، يملأ الروح والقلب. كان شميمها، عطر أرجائها، خبأته الدهور في تجاعيد ذاك الجبين العنيد، قبالة شمس. كنت أرى وجهي اليوم، تماما كوجه ذات البو، بعد عشرين عاما من الشمس.

أستاذ في الجامعة اللبنانية