عندما تنطق الذاكرة.. يحضر الزمان روحاً وأشخاصاً وأمكنة. وما عسى تجود به ذاكرة إعلامي عاش الوطن كياناً ووجداناً.. عاشه حلماً متألّقاً يليق به كلبنان .. ليتسرّب من بين أصابع أيامه ويتهاوى الحلم... ليضحي الوطن شرزمات وطن.. هي قصة جيل تشابهت ظروفه وأحواله ووجد لديه متسعاً من الوقت، وتنامت عنده اهتمامات نظرية أراد التعبير عنها بأشكال مختلفة [...]. وهل بالإمكان القول بأنها قصة جيل بل جيلين أو.. فمساحة الذاكرة اتسعت لتحتضن آمال وآلام وأحلام متهاوية عبر فترة زمنية امتدت من منتصف القرن العشرين إلى عشرينات القرن الواحد والعشرين..
أحداث وعاديات دهر.. بل عاديات نظام طائفي لوطن.. وأحزاب لها مسمياتها الواهية.. وشعارات قومية ووطنية.. هي وهمية تتساقط قبل ارتفاعها.. وحروب ومعاهدات لن يكون من الصعب على القارئ متابعتها.. فمسرحها لبنان.. وطفل لبناني.. له قدرة معرفة مبكرة لفلسطين من طفل غير فلسطيني كان عليه أن يكبر ليكون فلسطينياً باختياره لا بهويته..[..] كبر هذا الطفل، وحمل راية فلسطين بحماس منقطع النظير وكأن فلسطين وقضيتها قضيته.. حملها معه في حلّه وترحاله.. طالباً.. ومناضلاً.. وإعلامياً.. وعضواً في حزب حمل شعار القضية الفلسطينية.. وما ان وقعت الحرب اللبنانية حتى أجهضت معظم الأفكار والقناعات .. ان لم يكن كلها.. وظهر على الفور أن المركب اللبناني يجرّه مركب مندفع بأفكار وطن فيه من الهندسات الطائفية والمذهبية والبيع الرخيص للخارج حتى ولو كانت المقاومة الفلسطينية هي هذا الخارج أيضاً [...] يسترسل القلم مدفوعاً بذكريات الحرب اللبنانية ليخطّ أسرارها وكواليسها وخفاياها.. دوافعها والشخصيات السياسية والأحزاب اللاعبة المدفوعة من جهات خارجية ومن ايديولوجياتها.. ومن مطامع منفذيها.. وإعلامي قرّر، ومنذ ما قبل منتصف العام 1975.. أن يضرب عرض الحائط كل انتماء حزبي مهما كان.. «كن صديقاً للكل يحار فيك الكل [..]» فتركيبته الشخصية تحول بينه وبين التأقلم مع أي حزب بسبب أفكاره الحرّة غير المقيّدة.. «وان أصبحت حزبياً فستكون سخريتي من نفسي لا حدود لها.. لأني لا أؤمن بالقيادة ولا بمن يقادون.. القيادة في الأحزاب العربية مضحكة.. وهكذا صنت نفسي عمّا يدنس نفسي» [...] ربما شكّلت ما حملته ووعته ذاكرة الإعلامي زهير ماجد، التي ساقها بلا سقف.. شكّلت جزءاً من ذاكرة وتاريخ لبنان بشكل موثق.. ولكنها حملت أيضاً في مضامينها أهداف ومواقف لها تداعياتها.. ما زال يرصد آثارها حتى اليوم.. يتطلع إلى وجوه الحرب الماضية بنظرة اليوم (2021).. ربما تغيّرت الوجوه وعلامات الزمن وقد نخرتها.. ولكنه يرى ان الأفكار التي قادت المراحل السابقة ظلت بدون تغيير، وثابتة.. ربما تغيّرت الوجوه... ولكن الممارسات ما زالت مستمرة.. فلبنان منذ مطلع التسعينات من القرن العشرين تم شراؤه بالكامل، ومن يشتري يملك، كأنما امتلكه شخص قادم من الخارج، يحمل في يده أحلام شخصية.... وأنا كنت أعتقد دائما ان الفرد صانع للأحداث، قادر على التغيير، إلا في لبنان (!!) المسؤول فيه مصنوع، والمصنوع لا يصنع، وخصوصاً ان لم يكن له تاريخ [...] أما الأجيال التي ارتفعت راياتها في 17 تشرين الأول 2019 لترسم وتكتب نقطة جادّة في موكب لبنان.. الأجيال الجديدة كانت تصرخ من أجل تغيير النظام.. لا يمكن الوصول إلى غاياياتها مثلما كانت نهاية الأجيال الخائبة قبلها.. قضية التغيير في لبنان، تقوم فقط عندما تسقط راية زعماء الطوائف والمذاهب، وعندما لا يصبح لكل زعيم.. مزرعته التي يحركها عند الضرورة، وعند حسن مصالحه.. ومواقعه السياسية والسيادية[..].
صور سريعة مكثفة ليس لتاريخ الكاتب الشخصية.. بل لوطن هو من خلاله.. ولا تفصيل سوى تفصيله بلا سقف.. «ينتهي الكتاب، وما زال القلم يمهلني.. وما زلت الشاهد الحيّ حتى الآن من أجل شهادات أخرى»[...].
ضحى الخطيب