بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 كانون الثاني 2025 12:00ص سونيا الرضي ورحلة في عوالم التعبير الفني: من التصويرية إلى التجريدية والكولاج

حجم الخط
الفن، بكل أبعاده وتنوعاته، هو مرآة الروح البشرية، يعكس مشاعر الإنسان، أفكاره، وتطلّعاته. ومن خلال مختلف الأساليب والأنماط الفنية، يتمكن الفنان من التعبير عن ذاته والتواصل مع جمهوره. من أبرز هذه الأساليب التي تتيح للفنانين إبراز رؤاهم الفنية، نذكر الفن التصويري، الفن التجريدي، والكولاج (التركيب)، التي تعكس تنوّع طرق فهم الواقع والمشاعر والأفكار عبر وسائل بصرية مبتكرة. وبينما يحمل كل أسلوب منهم جوهراً مختلفاً في التعبير، فإن الفنانة سونيا الرضي «Sonia EL Redi» تمثل هذا التنوّع الفني بكل سلاسة، مبدعة بين هذه الأنماط بشكل يعكس تأملات إنسانية عميقة. فهل الفن التصويري في فئة من لوحاتها هو تجسيد الواقع عبر رؤية فنية؟
من خلال قسم من لوحاتها، استخدمت سونيا الرضي الفن التصويري Figurative، أحد أكثر الأساليب التقليدية في الفنون، حيث يسعى الفنان إلى تقديم الواقع بكل تفاصيله كما يراه. يعتمد هذا الفن على محاكاة الحياة اليومية، مع التركيز على المشاهد بما يتماشى مع واقعنا المباشر. لكنه لا يقتصر فقط على التمثيل الحرفي، بل يظهر من خلاله القدرة الفائقة للفنان على إضافة لمسات خاصة تعكس رؤيته الشخصية، مثل اختيار الألوان بعناية أو التركيز على جزئيات معينة من المشهد، بهدف تحفيز مشاعر محددة عند المتلقّي.
الفن التصويري، إذاً، لا يقتصر على تجسيد الواقع كما هو Photo realism، بل يكمن جماله في القدرة على تقديمه بعدسة الفنان الخاصة، مما يجعله أداة للتعبير عن الحالة النفسية والاجتماعية، وفتح المجال للتأمّل العميق. بالمقارنة مع التصوير الفوتوغرافي، الذي غالباً ما يقدم الواقع كما هو، فإن الفن التصويري لدى سونيا الرضي يعكس عمقاً عاطفياً أكبر، ويثير تأملات متعددة حول الواقع وتجليّاته في الحياة اليومية. فهل الفن التجريدي هو رحلة إلى أعماق الذات البشرية؟
على النقيض، يتحوّل أسلوب سونيا الرضي في الفن التجريدي إلى رحلة غامضة إلى أعماق الذات. في هذا النوع من الفن، تُعرض المشاعر والأفكار التي قد لا يمكن تمثيلها من خلال الأشكال التقليدية للواقع. الفن التجريدي في لوحاتها يعبّر عن تجارب لا ملموسة، مساحات فارغة وألوان وأشكال تتناغم مع الفكر الداخلي للفنان، بعيداً عن محاكاة الواقع. عبر الأشكال الهندسية أو الخطوط المنحنية، يتمكن المتلقّي من التواصل مع الأبعاد النفسية للوحة بطريقة حميمية، مما يفتح أمامه مجالاً لتفسير شخصي بعيد عن القيود الجمالية التقليدية.
الفن التجريدي في لوحات سونيا الرضي يُحفز المتلقّي لاستكشاف العمل الفني بشكل أعمق، ويدعوه للغوص في التفاصيل والألوان ليفهم مغزى اللوحة. هذه الأعمال تتيح للفنان فرصة التعبير عن القضايا الفكرية والاجتماعية بأسلوب غير تقليدي، مما يجعلها أكثر تأثيراً في تفاعلها مع المشاهد. الحركة في لوحاتها لا تقتصر على الخطوط والألوان، بل تعكس أيضاً التغيّرات الفكرية والاجتماعية، حيث يمكن للفن التجريدي أن يعبّر عن الواقع المعاصر بطرق مفعمة بالتحدي والتحرر من الأطر التقليدية. فهل الكولاج هو إعادة تشكيل الواقع اليومي؟
أما في أسلوب الكولاج collage، فإن سونيا الرضي تمثل التفاعل بين الثقافات والمجتمعات بطرق مبتكرة. من خلال دمج المواد والأشياء اليومية، سواء كانت صحفاً أو مجلات أو أقمشة، تعيد الفنانة تشكيل هذه العناصر لتخلق منها قطعاً فنية تحمل رسائل عميقة. في هذا الأسلوب، تصبح المواد المستهلكة في حياتنا اليومية جزءاً من خطاب فني عميق، يعيد النظر في كل ما هو «عادي» ويفتح المجال لقراءات متعددة تتراوح بين النقد الاجتماعي والتفاعل مع قضايا الثقافة والتاريخ.
يُعد الكولاج بمثابة منصة يتجاوز فيها الفنان حدود التقليدية، ويعرض رؤيته حول العالم من خلال جمع أشكال متعددة للواقع في تكوين واحد. فهل هو مجرد إعادة تشكيل للمادة اليومية أم أنه يعكس فكراً نقدياً أعمق يرتبط بتجارب الحياة؟ هذا الأسلوب يمنح الفنان سونيا الرضي فرصة لإعادة تفسير الواقع من خلال الخلط بين عناصر متباينة، مما يخلق تفاعلاً ثقافياً وحواراً اجتماعياً مستمراً مع المتلقّي. هل الفن عند سونيا الرضي هو لغة مفتوحة للتفسير؟
في تنوّع أساليب سونيا الرضي، نجد أن كل عمل فني هو أكثر من مجرد شكل أو لون، بل هو دعوة للمشاهد للتفاعل والتفسير الشخصي. حيث يعكس كل من الفن التصويري، التجريدي والكولاج رؤية فنية فريدة، تجسّد في جوهرها ما يعيشه العالم من تحوّلات فكرية واجتماعية. في هذا التنوّع، نرى كيف يتجاوز الفن عند سونيا الرضي حدود التعبير التقليدية ليصبح أداة لفهم الذات والعالم، ويلامس أعماقنا ويحفّزنا على إعادة النظر في الواقع كما نعرفه.
الفن عند سونيا الرضي ليس مجرد وسيلة للرؤية، بل هو رحلة لاستكشاف الذات البشرية، بما تحمله من مشاعر وأفكار معقّدة، يعيد من خلالها الفنان تقديم العالم وواقعه في صور وأشكال تتحدّى المنطق التقليدي وتثير النقاش والتفكير حول الحياة نفسها.