ان التعصب الديني والطائفي والعيلي، من أخطر عللنا وأدعاها الى التنابذ والانقسام. وأمامنا ما يجري للدلالة على مدى تحريك الخارج للنعرات الداخلية في الدول العربية على اختلافها. والشعب الراقي المحرَّر فعلاً، يذوّب شؤونه الطائفية والمذهبية والعشائرية في بوتقة التفاهم والوئام والمواطَنَة الراسخة، لعلمه أن الوطن ليس لطائفة، وإنما هو لجميع السلالات الناشئة فيه، ومن واجب هذه السلالات أن توحّد أهدافها ومقاصدها وتعقلن مسلكها، حرصاً على سلامة الوطن وطمأنينة أهله.
والاقطاعية علّة خبيثة، تنخر في كبد أوطاننا عموماً، وتمزّق صفحات الاخوة والمساواة، وتجعل الناس طبقتين متفاوتتين: طبقة صغيرة العدد تأكل حتى التخمة، وتلبس، كل ساعة، ثوباً قشيباً، وتقيم كل ليلة عرساً أو ما يشبه العرس، وطبقة لا تظفر بالرغيف إلّا بشقّ النفس، ولا تخلع الثوب إلّا إذا غدت رقعه أسمالاً، ولا تعرف العرس، إلّا اتحاد شخصين على اقتسام التعب واقتحام أرزاء الحياة.
الاحتكار مرض وبيل، يطعن الأوطان في الصميم، ويسيء الى الإنسانية إساءة لا تغتفَر، لانه يحول بين الإنسان من جهة والخير والنعمة من جهة ثانية ويجعل معظم الناس تحت رحمة فئة انتهازية جشعة، تتلاعب بوارداتهم ومقدَّراتهم، وتتراقص في حلقات بؤسهم وأحزانهم، تراقصَ القبائل البدائية المتوحشة حول جثث ضحاياها البريئة. أولئك المحتكرون يندسون بين المشتغلين بالسياسة والتجارة والمهن الحرة، ليظهروا بمظهرهم، وما هم في الواقع، سوى لصوص أدنیاء، يبنون بيوت أموالهم، على أشلاء الفقراء والعمّال وسائر المستضعَفين.
كلنا أمل، بأن الله سيرسل إلى مجتمعاتنا رجالا ليسوا كالرجال، حاذقين، ثابتي الجنان طاهري الوجدان يداوون عللها بذوب العطف، ويضعون على جراحاتها بلسم المحبة والشركة (بالإذن من البطريرك الراعي) ويصونون كرامتها من من كل ضير وهوان. وقد يكون بعض أولئك الرجال المنتظرين في صفوف حكامنا الحاليين بشرط أن يحملوا هم أيضا معول الإصلاح وينقضّوا على حصون التعصب والاقطاعية والاحتكار.
أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه