البروفسور عادل خليفة (*)
قال يسوع المسيح: «طوبى لصانعي السلام فإنهم أبناء لله يدعون». السلام العالمي ينشده كل سكان الأرض لان هذا المفهوم يرتبط ارتباطا وثيقا بالحالة المثالية التي يريدها الإنسان ليعيش بحرية وصولا الى الأمان والسعادة والاستقرار.
ان فكر السلام يحفّز الشعوب والدول على التعاون الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي لما فيه خير البشرية. وعلى الرغم من وجود قانون دولي عام يحكم العلاقات بين الدول ووجود القانون الدولي الإنساني الذي أقرّته الدول على انه مجموعة القواعد التي ترمي الى الحدّ من آثار الحروب والنزاعات المسلحة ومعه اتفاقيات جنيف الأربعة لعام ١٩٤٩ وميثاق الأمم المتحدة الذي يمنع العنف ويدعو لحل النزاعات سلميا، إلّا ان الحروب تزداد بوتيرة كبيرة للأسف. لذلك فالتعاون بين الدول يخفف من النزاعات، وتقوم به النظم السياسية والمنظمات الدولية كالأمم المتحدة، وكذلك يمكن أن يبادر أشخاص يؤثّرون في مجتمعاتهم ويصبحون الأيقونة لثقافة الحوار ليعمّ السلام في العالم.
من الأشخاص الذين ساهموا بإحلال قِيَم السلام: نوبل ومانديلا وغاندي والأمناء العامون للأمم المتحدة وغيرهم الكثيرين. إن منطقتنا العربية التي تعاني من الحروب منذ زمن بعيد تحتاج الى مبادرين من أجل السلام والحوار، وفي لبنان تحديدا الذي يعاني من النزاعات منذ استقلاله ودفع ثمن غياب الحوار في الشرق الأوسط.
في الداخل اللبناني والعالم قام في هذا الإطار العميد الدكتور علي عوّاد بمبادرة طليعية كريمة بالدعوة الى ثقافة الحوار والسلام عندما بدأ جهوده الفكرية في هذا الإطار منذ العام 1993 فوضع كتابا حول دور الإعلام في نشر وتعزيز تلك الثقافة، ثم استمر في جهوده الفكرية وإصدار مؤلفاته طيلة عقود من الزمن حتى وضع «إعلان جنيف الدولي لثقافة الحوار الإنساني ٢٠١٥» وأطلقه من جامعة جنيف - سويسرا بمبادرة مستقلة منه وأخذ على عاتقه نشره في لبنان والعالم العربي حيث يسود العنف وخطاب الكراهية، وهذا يعتبر أول إعلان ثقافي علمي دولي وأول نداء عالمي يدعو الدول والمجتمعات البشرية الى نشر ثقافة الحوار واعتماده في حل النزاعات من أجل حفظ القيم الإنسانية واحترام حقوق الإنسان وبناء السلام في الأوطان والعالم.
شارك العميد عوّاد في عدد كبير من المؤتمرات حول العالم محاضرا متحدّثا في فكر الحوار وثقافة السلام، قابل العديد من القادة السياسيين وكبار رجال الدين في لبنان والعالم محفّزا على حفظ القيم، نشر ثقافة الحوار في الجامعات وعقد المؤتمرات في سبيل إعلاء شأن العدالة الجنائية الدولية وبناء السلام. أجرى الكثير من المقابلات الإعلامية في لبنان والوطن العربي لنشر ثقافة الحوار، ودعا عبر وسائل الإعلام للسلام والتسامح والمصالحة وحقوق الإنسان انطلاقا من ديباجة «إعلان جنيف» ووفق ما ورد في مواده الأولى (المواد 1-5).
شدّد عوّاد على ثقافة الحوار لدى الشعوب ذات التنوّع والاختلاف، وطالب الحكومات باحترام حرية المعتقد والقيم الإنسانية وحقوق الإنسان باعتبارها ثوابت في بناء تلك الثقافة (المادة 6)، ودعا الجامعات الى تدريس ثقافة المواطنة (المادة 12)، كما شدّد على دعوة المؤسسات التربوية والثقافية والعلمية في تثقيف الطلاب على الحوار (المادة 14)، ودعوة الإعلام الى تخصيص مساحات واسعة لنشر ثقافة احترام حقوق المجتمعات البشرية في العيش بكرامة إنسانية (المادة 20).
في المذكرة التي بعث بها الدكتور عوّاد الى الأمين العام للأمم المتحدة «انطونيو غوتيريس» في 7 تشرين الثاني 2023 تحت مسمّى «مذكرة العدالة» والى المحكمة الجنائية الدولية والمفوضية السامية لحقوق الإنسان ومجلس حقوق الإنسان حول انتهاكات القانون الدولي الإنساني في فلسطين وجنوب لبنان ومناطق أخرى من العالم، فكانت أول مذكرة دولية تشدّد على تنفيذ هذا القانون وتفعيله للحدّ من عذابات المدنيين وتحقيق العدالة لجميع الأطراف من أجل السلام مع حماية الأعيان الثقافية والبيئة الطبيعية، كما شدّد على المسؤولية القانونية للرؤساء المدنيين والقادة العسكريين.
لقد كان الهدف من رفع «مذكرة العدالة» الى المرجعيات الدولية - كأول مذكرة علمية حقوقية موضوعية مستقلة محايدة دون أية خلفية سياسية - هو العدالة لجميع الأطراف دون استثناءً من أجل السلام.
كما طالب المجتمع الدولي والأمم المتحدة في كلماته من على منابر المؤتمرات والمنتديات الدولية بعدم إفلات المسؤولين عن العنف والانتهاكات الجسيمة من القصاص.
كذلك قام العميد عوّاد بوضع القانون الدولي الإنساني موضع التنفيذ لأول مرة ووضع برامجه التدريبية في دول عديدة ومنها لبنان وسوريا والمملكة العربية السعودية لصالح القوات المسلحة والأمنية والوزارات ذات الصلة، كما أنشأ الصف العربي في معهد سان ريمو الدولي للقانون الإنساني - إيطاليا ووضع برامجه العربية من أجل تعليم وتدريب كبار المسؤولين والضباط في الدول المشاركة على تطبيقه، وعوّاد هو أول من اقترح إنشاء «هيئة حقوق الإنسان» و«المعهد العربي للقانون الإنساني» و«اللجنة الوطنية للقانون الإنساني» في المملكة العربية السعودية، كما نظم متطوعا أول دورة تعليمية لهذا القانون في المملكة وسواها، كما درّسه في معاهد وكليات مدنية وعسكرية في لبنان وسويسرا ودول عديدة داعيا الى بناء السلام.
بالإضافة الى قيامه بإنجازات عديدة وجهود مماثلة في لبنان والوطن العربي والعالم لا يتسع المقام والمقال لذكرها، قام بها متطوعا مناديا لثقافة الحوار وبناء السلام. لقد قضى حياته في وطنه - والشرق الأوسط - حيث عصفت النزاعات والحروب، فعاصر مخاطرها ومآسيها على مدى نصف قرن وواجهها في بحوثه ومؤلفاته ومقالاته ومواقفه، وبذل الجهود العملية عبر فعاليات علمية وطنية ودولية من أجل ثقافة السلام. كما رصد التداعيات المأساوية للنزاعات المسلحة وتفاعل معها على الساحة الثقافية العالمية مستندا الى فكرة استراتيجية تؤكد على أهمية احلال الحوار والمصالحة والسلام بدل الاقتتال والحروب، وهذا ما تبيّنه سيرته الذاتية في لبنان وحول العالم.
أخيراً، في ظل تفاقم النزاعات والحروب في العالم ذات الطبيعة العرقية والاتنية يزداد الاهتمام العالمي بقضايا الحوار على كل المستويات، وهكذا يكون علي عوّاد مثالاً يحتذى وأيقونة كبيرة لفكر الحوار وثقافة السلام في لبنان والوطن العربي والعالم، فاستحقّ ترشيحه لجائزة نوبل للسلام ٢٠٢٥ من قبل رئيس جامعة القديس يوسف في بيروت عن «أعماله وجهوده من أجل إحياء وتعزيز ثقافة الحوار الإنساني واعتمادها في حل النزاعات على أساس احترام القيم الإنسانية وبناء السلام في وطنه والبشرية جمعاء»، ونحن فخورون أن ترشيحه قد قُبِلَ من قبل لجنة جائزة نوبل آملين له الفوز كي يستعيد لبنان صورته الثقافية الدولية المشرقة.
(*) أستاذ جامعي، كلية الحقوق - الجامعة اللبنانية