بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 أيار 2024 12:00ص «نَبْضُ الأَزرق» خيالٌ يتراقص أمام مخيّلة الأديبة عبير حسن علّام...

حجم الخط
كتاب جديد للأديبة والشاعرة عبير حسن علاّم، كتب مقدّمته، الباحث الأستاذ الدكتور علي زيتون, الذي رأى أنّ عبير علاّم, لا ترى انفصالًا للأدب عن الحياة. فالأدب, كما تقول عن نفسها «عَوّضَنا عن المَيْتات الكثيرة التي مُتْناها في حياةٍ واحدة».
ويُكمل الدكتور زيتون: لعلّ الخطأين الكبيرين اللذين واجهتهما المؤلّفة, هُما هذه «المَيتات» التي تتحدّث عنها عبير, أو بعضها، وإذا كان حديثها هذا صرخة ألم, تُطلقها, فإنّه أنشودة شعريّة ذات جماليةٍ آسِرة.
وإذا كان (أَبَوَا) عبير حسن علّام, وأستاذها المرحوم سُهيل الطَّشم, هُما علامة الضّوء في حياتها, فإنَّ فَقْدَ الأبِ الثاني منهما, قد أسلَمها إلى الألم السّحيق الشّاهق, الموغِل في النّزف, وهذا ما دفعها إلى شعريّة الألم.
وتقول عبير في صفحة الإهداء: «تقتربُ الذكرى الأولى لانْكِسارٍ روحي.. عامٌ مضى على غيابكَ.. عامٌ غارقٌ في الحُزن والكسرة واللوعة والاغتراب حتى عن نفسي».. وتقصد معلّمها سُهَيل الطشم.
حيالَ هذا الاضطراب النّفسي, أراني, وأنا أُتابع قراءة صفحات كتابها الجديد (نبض الأزرق) أمام حالةٍ خاصّة, مرّت بها وأربكتها, وجعلتها في حيْرةٍ مُقلقة, غلَبَ عليها الطابع الإنساني, فراحت تُكرّر ذاتها في معظم صفحات الكتاب, وكأنّها تكتب (لِتَفُشّ خُلقَها) وتُرَوِح عن نفسها, أزاء مُصيبة كبرى, حلّت بواقعها, ألا وهي رحيل من كانت تعتبرُه أَبًا لها ثانيًّا...
وتقول عبير: «أتذكّرُ يومَ اسْتَيقظّ شِعري في حِضن كفّكّ.. وأنا ما عشقتُ في حياتي.. سوى ذاكَ الصّباح...».
لكأَنّها لم تكن ترى إلاّ مَن تلبَّس ذاكرتها, بحياتِه وبعد رحيله...
والمعروف, أنََ الرّكائز الأساسيّة في الأدب والشّعرُ والفنّ عامّةً, هي العلم والموهبة والخبرة, والمرجع الأشدّ للتّدَرُّج.. وإنَّ أشياء هذه المِنَح الإلهيّة, أشياء غالية, يجب أن تبقى في جِوار القلب وتستطيع وتنعم بدفئه بعيداً عن القلق والاضطراب, وتلتذّ بِحِبْرِيَّتِه التي منها وفيها هناءة الرّقاد الذي يُنسي شقاوة اليقظة في دُنيا النِّتاج الأدبي والشِّعري.
ولعلّ أكبر المشاكل تعقيداً, وأكثرها جِنايةً على الإبداع والمُبدعين, الغُربة بين المبدع وبين الحريّة التي هي مِلكٌ وجدانيّ وطبيعيٌّ لكلّ إنسان على وجه هذا الأرض.
والمناخ النّفسي هو ضرورة مُلِحّة في حياة الشاعرة والأديبة، والشّرط الأساس في عمليّة الخَلْق والإضافة (الإبداع) لضمان الاستقرار وللاطمئنان إلى المصير الخاصّ والعام... وعبير علّام هي ابنة هذا المناخ الطيّب.. من مدينة الهرمل البقاعيّة, الآمنة المطمَئنّة بأرضها وناسِها, والمُستقرّة على كتِفِ النّهر الخالد (العاصي)، حيث السّهل الفسيح المعطاء والخُضرة الدّائمة والمُناخ الجيّد والرُّفقة الطيّبة.. ذلك كلّه جعلها تعيش حريّتها بين أهلها وأقرانها, وتُجَسِّد كلّ ما تشعر به من حركات تلقائيّة, وغير تلقائيّة, خواطر وأدبيّات حكاي عِشقها وصَبْوتها, وترسمُ صُوَرها بدقّةٍ مُتناهية, تُجسّد معنى العطاء والتَّنَوُّع...
عبير علاّم, تأثّرت بمحيطها, وهي التي تملك تُراثاً عظيماً وثقافة أصيلة, بواقعٍَ, هو أساس الثقافات في العالم, يدفعها دائمًا إلى الأمام, ويُحرّكُ فيها شهوة الإبداع.
وأخيراً.. فإنَّ أجمل مزيّة لدى الشاعرة والأديبة, هي الإمكانيّة التي لديْها, ومُطابقة الوصف للموصوف, مُطابَقة سليمة خالية من الغُلُوُ والتقليد, وموافقة ومُتّفقة ومُنسجمة مع التّشبيه والاستعارات, ووضع النّعوت بمقامها الصّحيح, بحيث يجب أنّ يكون الكلام صورةً تتكلّم, لا كلاماً يُصَوّر..
 متمنِّياً لها دوام التّوفيق والنّجاح والتقدُّم في مشوارها الطويل مع الأدب والشِّعر, والخيال الخصيب المبدع.

د. عبد الحافظ شمص