شكّلت التطورات الإقليمية والدولية ما بعد بدء معركة «طوفان الأقصى» أبعادا للملف اللبناني عن أي أولوية محلية أو دولية، وباتت الأنظار متجهة الى ما يمكن أن يحدث من تطورات في غزة وفلسطين المحتلة وانعكاسها على الساحة اللبنانية المربكة في ظل غموض عن ما يمكن أن تؤول إليه الأحداث، وهذا الأمر شكّل قلقا طبيعيا لدى الشعب اللبناني وكاد أن ينسى همومه اللامحدودة، حيث توجهت أنظاره الى الحدود الجنوبية مع احتدام العمليات العسكرية على جانبي الحدود.
واللافت في الأيام الماضية توالي زيارات وزراء خارجية كل من إيران وفرنسا وتركيا الى بيروت، وكانت أولويات محادثاتهم التي عقدوها هي المستجدات الأمنية والعسكرية في غزة وتداعياتها على لبنان، مما يؤكد ان ملف الشغور الرئاسي بات على رف الانتظار الى أجل غير مسمّى حتى الآن.
وفي هذا الوقت، كان اللافت ما أعلنه رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال لقائه رؤساء اللجان النيابية والمقررين حين قال : «أمام ما يجري في المنطقة وتصاعد العدوان الإسرائيلي على فلسطين وغزة ولبنان نحن أمام فرصة لإنتخاب رئيس للجمهورية فهل نتلقّفها؟».
وحول موقف الرئيس بري وإمكانية انتخاب رئيس للجمهورية في هذه المرحلة يعتبر نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي عبر «اللواء» كلام الرئيس بري بأنه في غاية الأهمية، ولكنه أشار الى انه من الواضح حتى الآن ان لا نيّة بعد لدى الأفرقاء السياسيين لإنهاء الشغور الرئاسي.
وقال: «ما نشهده من حرب في الوقت الراهن يتبيّن لنا انه لو تم انتخاب رئيس يتمتع بشعور وطني ولـ«حزب الله» ثقة فيه، كان من الممكن لهذا الرئيس أن يلعب دورا بضبط إيقاع الأمور باتجاه عدم الانزلاق ومنع تطوّرها، وكان بإمكانه أيضا أن يشكّل جسرا للوصل والتواصل بين كافة الفئات اللبنانية والمقاومة الإسلامية، وبالتالي وضع استراتيجية حقيقية لمواجهة العدوان الإسرائيلي».
وإذ استبعد الفرزلي إمكانية انتخاب رئيس في الأفق المنظور، وأشار ردّا على سؤال ان المجلس النيابي الحالي مصاب بمرض خطير، وهناك تشوّه بنيوي في بنيته برمّتها، وبالتالي مهما اجتمعت اللجان فهي غير قادرة على القيام بدورها المطلوب.
وحول التحركات الديبلوماسية باتجاه لبنان، يرى الفرزلي انها تأتي في إطار ضبط إيقاع الوضع، معتبرا انه كان من الأفضل على الديبلوماسية الدولية ممارسة الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها الخطير، مؤكدا ان المؤشرات تدلّ ان ليس هناك من طرف في لبنان يريد الانزلاق الى الحرب بما فيها المقاومة الإسلامية، التي ليست متحمّسة للانجرار للحرب، وهي تتعاطى بالمستجدات على القطعة، بطريقة أن لا يؤدي أي أمر الى انزلاق لبنان، ولكن المشكلة بالتأكيد هي بسلوك إسرائيل حسب الفرزلي.
وحول ما إذا كانت إمكانيات لبنان تسمح له بالصمود في حال انجرّ الى حرب مع إسرائيل، يعتبر الفرزلي ان الصمود أمر قائم، خصوصا ان وضع لبنان يختلف عن وضع غزة المحاصرة والتي تعتبر أرض سهلة، وبالتالي فان وراء غزة العدو وأمامها البحر، أما في لبنان فالطبيعة الجغرافية فيه مختلفة، ولكن نقطة ضعفه هو وضعه الداخلي وانهيار الدولة، إلّا ان عمقه الاستراتيجي منفتح على إمكانية تأمين الكثير من الأمور الأساسية والتي لا إمكانية لغزة أو غيرها تأمينها.
من ناحيتها، تؤكد مصادر نيابية لـ«اللواء» ان الانتخابات الرئاسية وضعت راهنا في الثلاجة، مذكّرة بان كل المبادرات التي جرت ان كان من قبل اللجنة الخماسية أي الفرنسيين أو القطريين لم تصل الى أي نتائج إيجابية من الداخل اللبناني، ولكن في المقابل تعتبر المصادر ان الظروف الراهنة تُعدّ أفضل مرحلة لانتخاب رئيس للجمهورية وتطبيق ما ينص عليه الدستور، فالوضع لم يعد يُحتمل ولن يستقيم وضع المؤسسات إلّا في حال انتخبنا رئيسا للجمهورية، ورأى بأنه في حال لم يجسّد الرئيس الذي سينتخب تطلّعات فريق معيّن يمكن أن يكون هذا الفريق بالمعارضة، وهذه هي اللعبة الديموقراطية.
ودعت المصادر النيابية الرئيس نبيه بري للدعوة اليوم قبل الغد لجلسة انتخاب رئيس، مطالبة جميع النواب القيام بواجباتهم وانتخاب رئيس في أسرع وقت ممكن في ظل المخاطر والظروف العصيبة الذي يمرُّ بها البلد ومن تهديد أمني في ظل التطورات الإقليمية التي ستطال شظاياها لبنان بطبيعة الحال، بالتزامن مع أزمات اقتصادية واجتماعية صعبة تعاني منها فئة كبيرة باتت عاجزة عن تأمين مقومات الحياة الأساسية، لذلك فان القلق يواكب يوميات كل اللبنانيين، الذي أصبح حوالي 80% منهم يعيش تحت خط الفقر، لا سيما ان الظروف التي كانت قائمة في حرب تموز 2006 لم تعد موجودة في الوقت الحالي.