قدّم رئيس المجلس النيابي نبيه بري تعديلاً يكاد يكون جذرياً على مبادرته الرئاسية، بحيث أعاد طرح فكرة التشاور بين الكتل النيابية للتوافق على اسم مرشح أو أكثر لرئاسة الجمهورية، لكن قام بتليين موقفه كما قالت مصادر نيابية لـ «اللواء»، من الدعوة لعقد جلسات انتخاب متتالية بعد التشاور الى عقد جلسة واحدة انتخابية بدورات متتالية، بحيث لا يقفل محضر الجلسة وتبقى مفتوحة حتى التوافق بين الكتل على انتخاب الرئيس، ويحصل الانتخاب، على أن تعقد جلسات التشاور قبل فتح الجلسة على أمل أن يحصل التوافق، وهو أمر كانت تطلبه المعارضة النيابية، فلاقاها في منتصف الطريق فهل تتجاوب؟
لا شك ان تعديل برّي لمبادرته جاء استجابة لزخم الحراك الرئاسي المتجدد من قبل اللجنة الخماسية العربية - الدولية وتكتل الاعتدال الوطني والنائب المستقل الدكتور غسان سكاف، ولتخفيف الرفض المطلق لدى المعارضة وتسهيل عملية الانتخاب خلال أقرب فرصة ممكنة وفي أيلول إذا أمكن، ولمواكبة المستجدات الاقليمية والدولية التي يمكن أن تطرأ بعد وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، وانعكاس ذلك على وضع الجنوب ككل ليس فقط لجهة وقف المواجهات العسكرية بل أيضاً لجهة معالجة وضع الحدود البرية إذا أمكن، عدا ما يمكن أن يترتب على الانتخابات الرئاسية الأميركية من تغييرات في السياسة الأميركية حيال أوضاع منطقة الشرق الأوسط.
ولاقت «ليونة» وتعديل مبادرته بري كما وصفتها المصادر النيابية تلقّفاً وارتياحاً نيابياً واسعاً حتى من قبل بعض المعارضين من خارج القوات اللبنانية ولدى معظم النواب المستقلين المترددين أو الذين لم يحسموا خياراتهم بعد، وهو أمر يشجعهم على الانضمام للأكثرية النيابية التي يسعى بري الى تحقيقها إن لم يوفّق في مسعاه لتحقيق الإجماع أو شبه الإجماع النيابي وبخاصة لدى القوى المسيحية.
لكن بقيت بعض الشكليات التي تطلبها المعارضة عالقة وعائقاً أمام مبادرة بري الجديدة، بحيث انه يفضّل عقد جلسة أو جلسات التشاور قبل جلسة الانتخاب للاتفاق على أمرين: الأول تأكيد حصول نصاب ثلثي أعضاء المجلس في الجلسات كلها، والثاني الاتفاق إذا أمكن على اسم مرشح أو أسماء لمرشحين اثنين أو أكثر قليلاً. لكن المعارضة ولا سيما القوات اللبنانية ما زالت تفضّل التشاور خلال جلسة الانتخاب ودوراتها المتتالية.
وفي هذا الإطار قال عضو تكتل الاعتدال الوطني النائب سجيع عطية لـ «اللواء»: بعد مبادرة الرئيس بري وحراك اللجنة الخماسية ارتفعت نسبة التفاؤل بإمكان التوصل الى انتخاب رئيس للجمهورية، بدليل ان تعديل مبادرة الرئيس بري أمر جيد وموافقة أغلب الكتل النيابية على المبادرة ما عدا القوات اللبنانية التي لها رأي مختلف شكلاً، لذلك بات النقاش محصوراً في مكان معيّن. عدا عن تجديد «همّة» اللجنة الخماسية التي باشر أعضاؤها طلب المواعيد مع الكتل النيابية والقوى السياسية.
أضاف: نحن ككتلة نسير في تحركنا بالتوازي مع اللجنة الخماسية وننتظر اجتماع السفراء الخمسة هذا الأسبوع بعد عودة بعضهم من السفر (السفراء: السعودي والقطري والأميركية التي قد تكون عادت أمس أو تعود اليوم)، وللجنة تحديد التوقيت المناسب لإعادة التحرك لبنانياً، بخاصة إذا كان ثمّة من «ديل» أو تسوية في المنطقة يجري العمل عليها على أمل وقف الحرب في غزة، ما يُفترض أن تنعكس إيجاباً على لبنان، ونستطيع عندها أن «نخطف» في هذا الوقت المستقطع موضوع الاستحقاق الرئاسي.
وأوضح عطية ان الكرة باتت في ملعب القوات اللبنانية في تعاطيها مع المبادرة وهل تسير بعقد اللقاء التشاوري قبل الجلسة أم يجري البحث عن صيغة أخرى مقبولة، وقال: نحن لدينا في هذا الصدد أكثر من فكرة واقتراح وسنعود هذا الأسبوع الى السعي لتدوير الزوايا بحيث لا يظهر ان طرفاً ما مكسوراً.
أضاف: المسألة تحتاج الى نوايا طيبة وتوقيت مناسب أما الباقي فهي شكليات لا قيمة لها. خاصة ان موضوع الانتخابات الأميركية الرئاسية ضاغطة على الوضع اللبناني، فإذا لم نستفد من هذه الفرصة وحصلت الانتخابات الأميركية قبل الانتخابات اللبنانية، يتم ترحيل الاستحقاق الرئاسي اللبناني الى العام المقبل، لذلك نسعى ونحاول كتكتل من موقعنا الوسطي وعلاقاتنا لعلّ وعسى يمكننا بالتعاون مع اللجنة الخماسية والآخرين في تحقيق ما نصبو إليه وتذليل العقبات.
أما موقف «القوات» فعبّر عنه مسؤول العلاقات الخارجية الوزير الأسبق ريشار قيومجيان بالقول لـ «اللواء»: ان الرئيس بري لم يقدم مبادرة جديدة إنما عاد الى الالتزام بالدستور ليدعو الى جلسة الانتخاب بدورات متتالية، واختصر مدة التشاور من أسبوع الى يومين أو ثلاثة، وكل هذا أمر جيد، لكن طالما انه يقول ان الدورات ستكون مفتوحة ولن يقفل المحضر، فليتفضّل ويدعو لجلسة انتخاب وإذا لم تحصل نتيجة يستريح في مكتبه ساعتين أو ثلاث يكون خلالها النواب قد تشاوروا في ما بينهم، ويعود ليدير الدورة الثانية وفق حقه الدستوري وهكذا حتى يتم الاتفاق. ونحن حريصون على أن يمارس رئيس المجلس حقه الدستوري بإدارة جلسة الانتخاب لكن ليس جلسة التشاور حتى لا نعود الى خرق الدستور وخلق أعراف جديدة.
أضاف: يمكن أن تبدأ جلسة الانتخاب بطرح اسمي المرشحين ولكل كتلة أو مجموعة نيابية حق طرح المرشح الذي تريده، ثم يحصل التشاور للتوافق على اسم أو اثنين ولا نخرج من الجلسة إلّا بعد انتخاب رئيس. هكذا تكون اللعبة الانتخابية أخذت مجراها الدستوري وفق المادتين 75 و76 من الدستور.
وحول التزام الكتل بنصاب أكثرية الثلثين قال قيومجيان: ليدعُ الرئيس بري الى الجلسة ويضع الكتل أمام مسؤولياتها، ومن يفرط النصاب يتحمّل هو المسؤولية، فرئيس المجلس هو «مايسترو» دستوري وليس «مايسترو» سياسي كرئيس كتلة نيابية، فلكتلته حق الحضور وطرح أي مرشح تريد.