تتجه الأنظار في الأيام القليلة المقبلة الى شكل الحكومة وتركيبتها، بعد المفاجأت المتتالية منذ انتخاب الرئيس العماد جوزاف عون وصولا الى تكليف الرئيس نواف سلام نتيجة تسميته في الاستشارات النيابية الملزمة، الذي أجراها رئيس الجمهورية يوم الاثنين الماضي، والتي شكّلت تحوّلا كبيرا على الصعيد السياسي ومفاجأة غير متوقعة، حيث نال الرئيس المكلف السفير نواف سلام ٨٤ صوتا نيابيا.
فالخطوة الدستورية الإلزامية التي استهلها الرئيس عون وهي الاستشارات النيابية، اعتبرت بداية طبيعية لانطلاق قطار بناء الدولة وإعادة انتظام مؤسساتها التي غُيّبت قسريا بفعل الشغور الرئاسي الذي استمر لأكثر من سنتين وشهرين، وها هي الخطوات الدستورية الأخرى تتلاحق الواحدة تلو الأخرى ان كان من خلال عملية التكليف، الى الاستشارات النيابية غير الملزمة التي يجريها الرئيس المكلف، وصولا الى عملية التأليف الذي سيسعى سلام الى الإسراع فيها من دون أي تسرّع كما تشير مصادر قريبة منه.
فالرئيس المكلف يستمع بإمعان واهتمام تام الى كافة مطالب النواب والكتل النيابية ويضع ملاحظاته عليها، مع الأخذ بهواجس بعض الأطراف السياسية والتأنّي في اتخاذ القرارات لتحقيق ما يمكن تحقيقه لصالح خير البلاد، لا سيما ان مواقفه أتت واضحة منذ إطلالته الأولى بعد تكليفه من منبر قصر بعبدا ، عقب أول اجتماع جمعه مع رئيس الجمهورية العماد عون حيث تتناغم بما قاله شكلا ومضمونا مع خطاب القسم الذي ألقاه رئيس الجمهورية أمام النواب. واللافت في كلام الرئيس المكلف ما قاله صراحة «لست من أهل الإقصاء بل من أهل الوحدة، ولست من أهل الاستبعاد بل من أهل التفاهم والشركة الوطنية» مؤكدا ان يداه ممدودتان الى الجميع للانطلاق في مهمة الإنقاذ والإصلاح وإعادة الاعمار.
اما وبالعودة الى ليلة التكليف تشير مصادر قريبة من الرئيس نجيب ميقاتي لـ«اللواء»، بان الأجواء والاتصالات والمشاورات كانت حتى ظهر يوم الاثنين الماضي توحي بان رئيس حكومة تصريف الأعمال سيعود الى السراي متسلّحا بحوالي ٧٠ صوتا أو أقل بقليل، وذلك نتيجة الاتصالات التي استمرت مفتوحة في نهاية الأسبوع الماضي حتى فجر الاثنين، مع عدد كبير في الأطراف السياسية والكتل النيابية التي أكدت تسميتها له، حتى ان بعض الأطراف السياسية أثار معه بشكل صريح موضوع تأليف الحكومة لجهة توزيع الحقائب دون تقديم ميقاتي أي التزام في هذا الإطار وهو أمر طبيعي وبديهي بالنسبة له.
ولكن يبدو ان النتيجة ذهبت باتجاه مختلف حيث جرت الرياح كما لا تشتهي السفن، وتحوّلت الوعود التي قُطعت للرئيس ميقاتي الى مسار آخر، مع خلط للأوراق أدّت الى ما أدّت إليه من نتائج ليجد ميقاتي نفسه مرة جديدة خارج السراي الحكومي.
من هنا، تتوقع مصادر متابعة أن لا يكون ملف التأليف سهلا أمام الرئيس المكلف في ظل «حرد» الثنائي الشيعي، واعتباره بانه تعرّض الى «خديعة»، لذلك تعتبر المصادر بان الرئيس سلام مدعو لتشكيل حكومة متوازنة متماسكة قادرة على ملاقاة خطاب القسم، كونها ستكون حكومة العهد الأولى والتي يضع الشعب اللبناني عليها الكثير من الآمال.
في مقابل تلويح «حزب لله » وحركة «أمل» بالميثاقية وتحديدا من خلال موقف رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد الذي قال بصراحة «من حقنا المطالبة بتشكيل حكومة ميثاقية» واعتبار البعض بان مقاطعة الثنائي لاستشارات رئيس الحكومة تصب في إطار تحسين المكاسب، يستمر الحديث عن الميثاقية وعلاقتها بتشكيل الحكومة وتسمية رئيسها وفي هذا الإطار يقول الخبير الدستوري سعيد مالك لـ«اللواء»: «من الثابت ان الميثاقية هي من المرتكزات الجوهرية للنظام اللبناني، فالفقرة «ي» من مقدمة الدستور نصت صراحة ان لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك، لكن الميثاقية لا يجب أن يصار الى التذرّع بها والاحتجاج بخرقها كل مرة أراد فريق محدد توجيه رسالة سياسية، فالميثاقية يجب احترامها، ولكن ليس باستطاعة أي فئة أن تتحجج بخرق الميثاقية إذا كان الهدف الحقيقي من هذا التحجج هو منع باقي المكونات من بناء الدولة وممارسة حقوقها، فالثنائي الشيعي صحيح انه يمثل نيابيا الطائفة الشيعية الكريمة، لكن لا يمثل كامل الشيعة وانتشاره، فلدى الشيعة قامات وشخصيات تُغني الطائفة وتزيّنها، وبالتالي يمكن تشكيل حكومة مع هؤلاء الشيعة لكن ليس بالإمكان تشكيل حكومة من دون الشيعة بالكامل، كون ذلك وعندها يناقض ميثاق العيش المشترك وأحكام الفقرة «ي» من مقدمة الدستور والمادة ٩٥ منه، كذلك بالنسبة لنيل الثقة فالدستور لا ينص انه يجب أن تمنح الثقة من كافة الأطياف والأطراف، انما نصت انه يقتضي على الحكومة نيل الثقة من البرلمان لا سيما ان كل نائب يمثل الأمة اللبنانية عملا بأحكام المادة ٢٧ من الدستور».
أضاف مالك: «بالخلاصة الميثاقية أساس، وحق لكن استعمال هذا الحق في غير موضعه أي بغرض تعطيل المؤسسات والحؤول دون تشكيل الحكومة ونيلها الثقة، يتحوّل الى تعسّف باستعمال هذا الحق وحاجزا أمام باقي المكونات في استعمال حقهم في السلطة والمشاركة».
وفي المحصلة، فان من الشأن الساعات المقبلة أن توضح كيفية توجه بوصلة التأليف بعد أن يكون الرئيس نواف سلام كوّن صورة أولية عن رؤية وتطلّعات النواب.