بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 أيلول 2024 12:01ص هل سيتجرّأ القضاء على فتح ملفات الحاكم السابق حتى النهاية؟

مصادر قضائية لـ«اللواء»: سلامة أضاع الودائع خدمة لمصالح المنظومة واستفاد من تغطيتها له

حجم الخط
لا يزال ملف توقيف الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة يتصدر واجهة اليوميات اللبنانية، وقد طغى هذا الملف في الأيام الماضية على ما عداه من الملفات السياسية والأمنية رغم أهميتها، وبانتظار ما ستؤول إليه التحقيقات المتواصلة مع الحاكم السابق الذي حكَم وتَحَكم بالسياسة المالية للبلد على مدى عقود ثلاثة، من خلال تربعه على قمة السلطة المالية، يبقى رجل الهندسات المالية كما يوصف مُدان حتى تثبت براءته والتي يبدو انها باتت بعيدة جدا بعدما بات اليوم خلف القضبان، فالملفات القضائية التي تواجهه وتنتظره كبيرة وواسعة ومتشعبة، وبالتالي فان الاستدعاءات لا تزال تتوالى يوميا، خصوصا بتهم ارتكاب جرائم «سرقة أموال عامة، والإثراء غير المشروع، وتبيض الأموال، والتهريب الضريبي.
وعلى الرغم من ان الأكيد حسب كافة المعطيات مسؤوليته المباشرة عن إضاعة أموال المودعين وإهدار أموال الدولة، ولكن حتى اليوم بحسب ما كشفت معلومات قضائية لـ«اللواء» فان ملف ضياع أموال المودعين اللبنانيين والتي تبلغ قرابة ٨٠ مليار دولار لم يُفتح بعد، حتى انه لم يطرح حتى الساعة، وهذا ما يدعو الى الاستهجان لان الجريمة التي نُفذت بحق المودعين هي كبيرة ولا يمكن السكوت أو التغاضي عنها مهمها كانت المبررات، وتشير المصادر الى ان التحقيق مع السلامة حول التدقيق بكيفية الصرف الذي قررت الدولة القيام به، ومن يتحمّل مسؤولية الموضوع وهو أمر في غاية الأهمية يستدعي أن يتوسّع بشكل حثيث ودقيق، خصوصا فيما يتعلق بكيفية صرف الأموال على سياسة الدعم التي استفاد منها بعض التجار وأصحاب النفوذ المقرّبين من منظومة الفساد، وكذلك الأمر بالنسبة الى ملف «صيرفة» حيث تضاعفت ثروات أصحاب الأموال على حساب جيوب الفئات المتوسطة والصغيرة، على الرغم من ان هذا الموضوع أتى بناءً على تعاميم كانت تصدر عن مصرف لبنان، ولكن بالتنسيق والتشاور المباشر بين أهل السلطة وعلى رأسهم رئيس الجمهورية حينها العماد ميشال عون، الذي كان يصّر على استمرار سياسة الدعم التي تم اتباعها في ظل الأزمة المالية والاقتصادية وأضاع من خلال قراراته وقرارات حكومة الرئيس حسان دياب مبالغ طائلة على هذا الصعيد، ولكن وبحسب المصادر فانه كان لدى سلامة صلاحيات واسعة تخوّله رفض طلبات الطبقة السياسية، ولكنه فضّل التنازل عن صلاحياته القانونية من أجل مصالحه الشخصية واستمر في تحقيق مطالبها حتى آخر لحظة شغل فيها موقع الحاكمية، وبدورها كانت المنظومة من كبار السياسيين والمسؤولين العسكريين والأمنيين وحتى القضائيين تعمل على تأمين التغطية الكاملة له، مقابل الخدمات الاستثنائية الكبيرة التي كان يقوم بتقديمها لهم، وبحسب المعلومات فإن سلامة استمر بتحويل أموال هؤلاء حتى نهاية ولايته دون أي مساءلة قانونية وأخلاقية.
لذلك فان الحاكم السابق مهما حاول إبعاد التهم من حوله بالنسبة لملف المودعين فلديه مسؤولية كبيرة ومباشرة بإضاعة جنى عمر المواطنين.
فالمصادر القضائية تعتبر ان ملف الودائع يعتبر من الأمور الخطيرة والكبيرة، على رغم استمرار سلامة نفيه مسؤوليته عن ضياعها، وإصراره وتأكيده ان السلطة السياسية هي وحدها من تتحمّل مسؤولية الموضوع، باعتبار انه يرى بان أموال المودعين كانت موجودة في المصارف الخاصة التي عمدت بتحويلها الى حساب مصرف لبنان، وبطلب من السياسيين قام بإقراضها للدولة التي بدورها أضاعت الأموال.
ولكن تعود المصادر لتؤكد ان كل المعطيات المتوفرة حتى الان تثبت ان مسؤولية هدر أموال تقع على سلامة أولا وشخصيا بمشاركة بعض المقرّبين منه لا سيما معاونيه في المصرف المركزي.
وتشير المصادر ان التحقيق حاليا يدور حول مبلغ ٤٢ مليون دولار وكيفية استحصاله عليه، ويبرر الرجل بان صرف هذه المبالغ كانت بدل استشارات دفعت لشركات استشارية من أجل شراء سندات «اليورو بوند» وغير ذلك، ولكن وبحسب المصادر يبدو ان كلامه لم يستطع إقناع قاضي التحقيق، ونتيجة ذلك فقد صدرت مذكرة توقيف بحقه.
وبانتظار جلسة الأسبوع المقبل حيث من المتوقع الاستماع الى شهود ومسؤولين في مصرف لبنان، تبقى الأنظار شاخصة الى الإفادات التي يمكن كشفها في هذا السياق، والتي يجب أن تؤدي لأن تكون مدخلا أساسيا نحو فتح المزيد من الملفات الأساسية، ومنها بطبيعة الحال مصير ودائع الناس.
من هنا، على القضاء القيام بواجباته حتى النهاية وممارسة سلطته وأن يثبت استقلاليته الذي منحه إياها الدستور، ويجب عليه التوسّع في التحقيق من خلال المتابعة الحثيثة والدقيقة لملف سلامة حتى النهاية لإثبات حقيقة ما حصل، بعيدا عن أي ضغوط سياسية او استعمال النفوذ يمكن أن تمارسها المنظومة السياسية عليه لطمس الحقيقة، وهذا الموقف أكد عليه مؤخرا الشيخ بهاء الحريري، وهو طالب القضاء بكشف كل المسؤولين عن ضياع أموال المودعين وجنى أعمارهم، ومحاسبتهم أيا يكن موقعهم تمهيدا لإعادة الأموال الى أصحابها، باعتبار ان الحاكم السابق لمصرف لبنان كان جزءاً أساسيا من المنظومة السياسية التي ساهمت بشكل مباشر بهدر المال العام وضياع أموال المودعين، داعيا الى وجوب التوسيع في التحقيق لتبيان كل الحقائق أمام الرأي العام اللبناني.
ولكن يبقى السؤال هل سيستطيع القضاء ممارسة سلطته حتى النهاية، ويستمر بالتحقيق مع سلامة بعيدا عن أي ضغوطات وتدخلات سياسية؟ أو انه سيكتفي بفتح بعض الملفات الجانبية وإبقاء القضية الأساس والمتعلقة بمسؤولية خسارة المودعين لاموالهم خارج البحث خوفا من تدحرج الرؤوس الكبيرة؟