من الصعوبة بمكان تحديد العدد الدقيق للمقاعد التي سيظفر بها «التشرينيون» في اليوم الانتخابي الكبير غداً، لكن يمكن اعتبارها المرة الاولى التي سيكون فيها للمجتمع المدني، الذي ينضوي في إطاره الكثير من هؤلاء، موقعاً في المعادلة النيابية يؤسس للمراحل الطويلة المقبلة.
مع اندلاع انتفاضة 17 تشرين 2019، تهيأت الجموع في الشارع قدرتها على التغيير الدراماتيكي، ودَفعَ لهيب «الثورة» بالمنتفضين إلى توهُم القدرة على القلب الدراماتيكي للأوضاع والسلطة، لا سيما مع قدرتهم على إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري بعد أيام من انطلاقة حراكهم الشعبي.
مع مرور الزمن ونتيجة ظروف موضوعية وذاتية وسلطوية وخاصة مع هبوب وباء «كورونا» على البلاد، إتسمت طموحات التشرينيين في الغالب الأعم بالواقعية، وسرى رأي عام يدفع الى التغيير التدريجي للأوضاع وعبر الآلية السلمية البرلمانية، من دون توقف حراك بعض الشارع من ناشطين ونقابيين وحقوقيين ومتضررين من الوضع المأساوي للبلاد وسط كارثة إجتماعية وإنسانية لم تمر على البلاد منذ تأسيس الكيان قبل نيف و100 عام.
فبرزت الائتلافات وتكاثرت كالفطريات لتجميع القوى والشخصيات التشرينية التي انضمت إليها قوى حزبية وسلطوية سابقاً إضافة الى قوى تسلقت «الثورة» ليس هناك ما يميزها عن أركان السلطة من ذاتية وارتهان إلى الخارج، لا بل ان بعضها كان مدفوعا من أركان في منظومة السلطة نفسها لاختراق الحراكيين.
كابرت غالبية المجموعات طويلا رفضا للتحالف مع معارضين حاليين وسلطويين سابقين ووارثي بيوتات سياسية مرفوضة من قبل الحراكيين. وعلى هذا المنوال انطلق تشرينيون في معارك جريئة في بيروت الاولى والثانية وبعبدا والشمال الثالثة والشوف عاليه وطرابلس وغيرها من المناطق، بينما لجأ آخرون الى التحالف مع أركان سابقين في السلطة مثل حزب «الكتائب» مدركين ان لا مصلحة انتخابية لهم في استعداء هذا الحزب ومعه بيوتات سياسية وحتى قوى معارضة مزيفة، في سبيل الوصول الى المجلس النيابي وخرق جدار السلطة الصلب.
حول نسبة التصويت الإغترابي
لا تقديرات حول نتيجة معركة التشرينيين غداً، لكن الإقبال الكبير نسبياً للمغتربين الأسبوع الماضي يدلّ على ما هو جديد.
صحيح أن الذين حضروا في أصواتهم حينها بلغوا نحو 60 في المئة من المسجلين على لوائح الشطب وهو ربع عدد الناخبين الفعليين، إلا ان هذه النسبة توازي الى حد كبير نسبة المصوتين قبل أربع سنوات. هذا يعني أن المقاطعة السنية التي تحدث عنها كثيرون بعد قرار زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري الاعتكاف، ليس بالقدر العالي. ثم ان التقديرات تشير الى ان مزاج التغيير يتعزز عن السابق وسيتمظهر في مناطق عديدة ومنها مناطق جبل لبنان والشمال حيث معركة حامية الوطيس ستدور بين اركان السلطة من ناحية، وبين هؤلاء والتغييريين من ناحية مقابلة.
سيكون لهذا الاقبال الاغترابي النسبي انعكاسا على استحقاق الأحد الكبير بينما تدور تساؤلات حول توجهات النسبة الضبابية التي لم تقرر وجهتها بالاعتكاف أو الاقتراع وهي نسبة كبيرة تقارب الـ 40 في المئة من المسجلين على لوائح الاقتراع وهي الفئة المترددة والتي تحسم عادة، في كل انتخابات في العالم، النتائج.
سيكون من أسف التشرينيين الحقيقيين أن غالبية المقاعد التي ستكون من حصة المعارضين التقليديين التي ستؤول إلى اللوائح ذات اللون المعارض والحراكي في آن، كما سيظهر في المتن وكسروان جبيل والبقاع على سبيل المثال لا الحصر.
بينما سيُقارب التشرينيون المدنيون تحدي خرق البرلمان عبر بضعة مقاعد بسبب عدم جهوزيتهم وخبرتهم في المقارعة السياسية، إضافة طبعا الى سوء إدارتهم للمعركة وأنانية بعض قياداتهم الواضحة.
في هذه الأثناء ثمة بحث في مرحلة ما بعد 15 أيار حيث من المقدر أن يجمع المعارضون من خارج السلطة كتلة قريبة من خُمس المجلس الجديد.
وثمة اتفاق بين الفئة الأولى من المعارضين، أي السُلطويين السابقين والحراكيين، على تشكيل إئتلاف موحد في المجلس الجديد عبر كتلة نيابية متجانسة تنسق في ما بينها في القضايا المطروحة وقبلها عند البحث في تشكيل الحكومة.
ولناحية المدنيين في الحراك الشعبي من تيارات وشخصيات، المتحالفين مع أحزاب خارج السلطة تاريخياً مثل «الحزب الشيوعي» و»الكتلة الوطنية»، فهم لن يتمكنوا من الوصول بكتلة كبيرة الى المجلس مثلما أنهم سيناضلون ما بعد 15 أيار إفرادياً كما على صعيد التنسيق بين بعضهم البعض في المجلس الجديد.
لكن في كل الأحوال، من غير المهم، خاصة بالنسبة إلى الكثير من مدنيي «الثورة» وهم سابقون في النضال ضد السلطة حتى قبل تاريخ 17 تشرين ويعود نشاطهم المطلبي والسياسي الى انتفاضة النفايات العام 2015 وبعضهم إلى مرحلة 2010 و2011، عدد الحواصل والمقاعد النيابية التي سيظفرون بها وسيتمثل الإنجاز في خرق المجلس.
والمهم أن مرحلة ما بعد 17 تشرين التي ليست ما قبلها، ستؤسس لما هو مُقبل على صعيد تكريس الوعي في موازاة النضال البرلماني داخل المجلس والمدني على الأرض خارجه قد يتخذ من جديد طابع 17 تشرين، في رحلة تغيير طويلة ستتطلب أجيالاً وصبراً طويلاً.