بالطبع، لم تبدأ بعد، معركة الحزب مع العدو الإسرائيلي، لكنه حرّر حتى الآن المقدمة من كتاب المقاومة، حرّر المدخل، رسم الإطار العام، أخفى عناوين الفصول كلها في المسار، حرصا على سير المعركة، وتكتم عن المدة التي يستغرقها، لتحريره. لكنه لم يخفِ عنوان الخاتمة، أعلن عنها سلفا لجمهوره، للملأ، جعلها، كعادة المحررين في إبرازها كما التالي (الخاتمة: وما النصر إلّا من عند الله).
منتهيا إلى القول:
وآخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين.
ولأول مرة، يظهر الحزب أكثر مسؤولية من عدوه هذه المرة، يستدرج العدو إلى المعركة، التي خطّط لها بعناية فائقة، يمهله ولا يهمله، يفيد كثيرا من حماقات عدوه، يستأنيه بطول باله، حتى يضجر من الحرب، حتى يكشف كل الأسلحة التي في حوزته، حتى يستنفد الدعوة للإحتياط، حتى يختبر عديده، ثم يرهبه بالكشف عن بنك أهدافه، في العمق الجغرافي للكيان، دون أن يمنحه ترف الوقت، يجعل الهدهد، مثل الحمام الزاجل، في حمل الرسائل، في صور مسجلة للمدن والمواقع والثكنات والأسواق، ولمهاجع الجند، ومهاجع الطائرات، ثم يجلس ينتظر.
الحزب يصنع اليوم، ما لم يصنعه سابقا: المصانعة والدهاء اللوجستي والإستخباراتي... والعسكري، في البر وفي الجو. صار الجدار الفاصل، لزوم ما لا يلزم. صار الحزب لأول مرة، يرمي تجمعات العدو، وثكناته، وأماكن تواجده، في الليل وفي النهار، بـ«حجارة من سجيل»، لا فرق عندها بين المستور والمكشوف، لا فرق عندها بين المموّه والمخبأ، والموجود داخل المخازن. صار العدو عند الحزب مكشوف الظهر، فما بالك وهو يوجه سلاحه إلى صدر العدو.
لأول مرة، يتقن الحزب فن اللعب مع إسرائيل، على قاعدة من قوله له كل يوم: «إن عدتم عدنا»، سيّان عنده، كل هذه المهاجع المليئة بالطائرات، فقد أحبطها وهي في مهاجعها، ولم تعد تجرؤ على الخروج إلى المدرجات، خشية أن يلتقطها الهدهد، ويرسل إليها مسيّرة من المسيّرات. لم يعد يستطيع أن يهدّد بأرتال دباباته، ولم يعد يجرؤ، أن يدير محركاتها، بإتجاه الشمال، فقد حسم الأمر، وصارت مدن الشمال، مقابل مدن وقرى الجنوب، «العين بالعين والسن بالسن». ودخل التهديد بضرب الضاحية الجنوبية، في سلة المعادلات، ولهذا صارت إسرائيل تحسب ألف حساب، للإجتياح وضرب الضاحية، ألف حساب.
الحزب اليوم، يصنع حربه لأول مرة، وينتظر ردة الفعل، ليبني على الشيء مقتضاه. تجاوز الماضي بكثير من الأشواط، لم يعد وحده في الساحة، حتى تنفرد به إسرائيل، صارت الساحات حوله، تنتظر منه أصغر إشارة، حتى توجّه الصواريخ، وترسل المسيّرات، خرجت المبادرة من يدها، لم تعد سيدة الحرب، ولا سيدة الساحة، صارت محشورة في الزاوية، تقدّم رجلا وتؤخّر الأخرى.
الحزب اليوم، لأول مرة ينتزع نصره، لم تعد إسرائيل ترهبه ولا ترهب جمهوره، صار يشعر أن للجنوب، أن للضاحية، كما للبنان ربّاً يحميه. فما إستطاعت إسرائيل أن تكون بعد عشرة أشهر، سيدة الحرب في غزة، فكيف إذا ما دخل عليها الحزب بسلاحه وبرجاله وجمع الساحات حوله، من طهران إلى العراق إلى سوريا، إلى فلسطين وغزة؟!
الحزب ينتزع نصره، لم تعد هذه المقولة، بعيدة التحقيق. لم تعد أمنية صعبة المنال. وأول الإشارات على ذلك، أن إسرائيل صارت تحسب ألف حساب، للخروج بمقاتلاتها الحربية، فوق الجنوب والبقاع وفوق الضاحية.
في كتاب التحرير، حرّر الحزب المقدمة، ووضع النقاط على الحروف في جميع الفصول، وتركها غامضة، وفقا لإستراتيجيته المتبعة. أما الخاتمة فقد جعلها واضحة وضوح نهاره وليله، ينبئ الملأ جميعا، ولو تأخّر نبأه:
الحزب ينتزع نصره.