ما من شك ان لبنان دخل مرحلة بالغة الخطورة لم يألفها طيلة العقود السابقة التي شهدت عدة اجتياحات وحروب إسرائيلية، كون ان ما يجري اليوم يدخل في إطار السعي الأميركي الى تغيير وجه المنطقة، وهي تحاول تحقيق ما عجزت عن تحقيقه في حرب تموز من العام 2006 عن طريق العدوان الإسرائيلي حيث انتهى المطاف بأن خرجت إسرائيل من هذه الحرب وهي تجر ورائها ذيول الخيبة والانكسار على الرغم من تزويد واشنطن لها بأعتى أنواع الأسلحة التدميرية.
وإذا كان من الصعب الآن التنبؤ بما ستنتهي إليه الحرب الراهنة، غير انه يمكن القول ان هذه الحرب ستكون شرسة وهي تنذر بأن تخرج عن نطاقها الحالي لتبلغ الحرب الاقليمية الواسعة حيث ان المشهد اليوم مختلف عما كان عليه في حرب تموز، حيث يوجد الآن وحدة للساحات المقاومة التي تمتد من اليمن الى العراق الى سوريا فلبنان بدعم مطلق من إيران، وهذا المحور سيشارك حتما في حال اقتضت الضرورة ذلك، لأن هناك من يعتقد بأن انكسار المقاومة في لبنان يعني نهاية لهذا المحور الذي لن يترك المقاومة في لبنان وحدها في الميدان.
في هذا السياق تؤكد مصادر متابعة ان المقاومة ما تزال بألف خير، وانه على الرغم من أطنان القذائف التي رمتها الطائرات الإسرائيلية فان المنظومة الصاروخية لم تصب بأذى فعلي وهي ستقوم بدورها الطبيعي وفق مقتضيات الميدان وخصوصا على مستوى الصواريخ البعيدة المدى.
وتلفت المصادر النظر الى ان المقاومة تكاد تنتهي من ترميم ما حصل نتيجة عمليات الاغتيال التي حصلت في أكثر من مكان، وانه في غضون أيام قليلة ستكون الهيكلية جاهزة بشكل سلس، كون انه في الإطار التنظيمي هناك بدائل مُعدّة مسبقا، من رأس الهرم الى أصغر قيادي وبالتالي لا خوف على الاطلاق من هذه الناحية، فالسيد نصرلله عمل طيلة 32 عاما على مأسسة «حزب لله» ونسج بنية تنظيمية متينة إضافة الى بنية عسكرية تتمتع بكفاءة وجهوزية عالية وقيادة وسيطرة مستمرة، وظهر ذلك بوضوح من خلال جملة أمور أساسية في مقدمها بنية الحزب، حيث تستمر القيادة والسيطرة بإصدار الأوامر للقوى العسكرية بقصف أهداف محددة داخل كيان العدو وفي توقيت محدد، كما ان تسليح الحزب بقي ولم يتعرّض لأي ضرر خلافا لادّعاءات العدو، كما ان هناك خططا بديلة كفيلة باستمرار العمل.
وفي تقدير المصادر ان الحرب الحقيقي لم تبدأ بعد، وان قابل الأيام سيحمل تطورات ميدانية مدوية، حيث ان المقاومة أعدّت العدة للمواجهة مهما كان نوعها وحجمها، وان العدو الإسرائيلي في حال توغّل جديّا في أي بقعة في الجنوب ستكون خسائره فائقة التصوّر، وهو لن يتمكن بفضل المرابطين في القرى المتاخمة للحافة التي تفصلنا عن فلسطين المحتلة الذين ازدادوا صلابة وقوة وعنفوان بعد استشهاد السيد نصرلله.
وتؤكد المصادر ان السيد نصرلله كان يغض النظر عن بعض الخطوات حفاظا على أرواح المدنيين، وان المقاومة دفعت أثمانا باهظة لأجل ذلك، مشددة انه إذا اقتضت الضرورة لن يعود هناك من خطوط حمر على الاطلاق.
والسؤال الذي يطرح بالتزامن مع تحرك وزير الخارجية الفرنسية جان نويل بارو تجاه لبنان، هل نحن أمام تسوية سريعة، لوقف النار، أم ان التحرّك الفرنسي يأتي من باب إعلان فرنسا الوقوف الدائم الى جانب لبنان؟
ظواهر الأمور لا تشي بأن هناك تسوية ما تطبخ خلف الكواليس وان التحرّك الفرنسي يأتي في سياق الاهتمام الفرنسي بمعالجة أي أزمة يتعرّض لها لبنان، وان ما يسقط من الحساب أي حل قريب، ويشير الى ان الوضع العسكري ذاهب الى مزيد من التصعيد، هو بدء تعامل إسرائيل مع الواقع على انها منتصرة، وانه في مقدورها بعد الذي نفذته من عمليات اغتيال ان تفرض الشروط التي تؤمّن لها مصالحها، وفي المقابل فان «حزب لله» المنشغل بترتيب وترميم وضعها الداخلي بعد العمليات الإجرامية التي قامت بها إسرائيل بدءا باغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصرلله وكبار القياديين، لم يقل كلمته بعد، وهو حكما لن يقدّم أي هدية لإسرائيل بل انه سيبني أي موقف يعطيه على معطيات لا تعطي الغلبة لإسرائيل ولا تؤثر على محور المقاومة، وهو يعتبر انه من المبكر الحديث عن تسويات ودماء الشهداء لم تجف بعد.
ويرى مصدر سياسي متابع ان من بين الأسباب التي ستجعل العدو الإسرائيلي يرفض أي قرار بوقف الحرب الان هو اعتقاده أن استمرار العمليات العسكرية سيضعف من قدرة «حزب لله» ويضغط على قيادته للقبول بشروط أكثر تفضيلا لتل أبيب في أي مفاوضات مستقبلية.
وبما ان نتنياهو يواجه ضغوطا داخلية كبيرة بسبب الانتقادات حول أدائه السياسي والعسكري، لذا فإن تصعيد العمليات قد يستخدم للتغطية على هذه الانتقادات وإظهار الحزم في التعامل مع المخاطر الأمنية.
ويخشى المصدر أن يكون نتنياهو قد أخذ قراره باستمرار الحرب على لبنان الى حين حصول الانتخابات الرئاسية الأميركية، وهو يعمل على استغلال هذه الفترة التي يشهد فيها النظام الدولي انشغالا بالتحولات السياسية، لتعزيز وضع إسرائيل في الشرق الأوسط قبل وصول إدارة أميركية جديدة قد تفرض رؤى جديدة للسياسة الخارجية.
ويجزم المصدر ان الحرب قد تستمر حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية، وذلك لأن الولايات المتحدة حاليا في فترة انتقالية ما يتيح لإسرائيل الاستمرار في التصعيد دون ضغوط كبيرة لوقف الأعمال العسكرية، كما أن نتائج الانتخابات قد تؤدي إلى سياسات جديدة تجاه الشرق الأوسط ما يدفع الأطراف إلى الانتظار لرؤية التوجهات الجديدة للإدارة الأميركية الجديدة قبل الالتزام بأي اتفاقيات.