ما دامت المعارك هي التي تحدّد مسار المفاوضات المعلنة والمكتومة في قطاع غزة، امتداداً إلى لبنان، وجبهته الجنوبية، وصولاً إلى الممرات المائية في البحر الأحمر، ومضيق هرمز، وحدود التقاطع العربي والإسلامي، مع الشرق الأقصى، ومصالحه المرصودة في حسابات بنوك أهداف الحرب الدائرة في الشرق الأوسط.. ما دام الأمر على هذا النحو، فالأنظار متجهة حكماً إلى طبيعة الأهداف المرسومة، والتي يُعاد النظر فيها على أرض الميدان، من قِبل مجلس الحرب في إسرائيل، كما أنها متجهة أيضاً، وبمقدار ما إلى الصمود الأسطوري، والمواجهات البطولية، لرجال المقاومة الأفذاذ قيادة وعناصر في معركة، هدفها مرسوم ومعلوم، ويتصل أصلاً وفصلاً، في دحر العدوان الإسرائيلي، الذي بدأ ضمن نوايا معلنة، وأخرى مستترة وخبيثة، كاقتلاع حركة المقاومة في فلسطين «حماس» من جذورها، أو توجيه ضربات لها، وأخذها إلى الاستسلام، ترفع الراية البيضاء.
غرق بنيامين نتنياهو مع جنرالاته في رمال «القطاع العظيم»، الذي يسطِّر بأهله، وزيتونه، وبحره، وسمائه وهوائه ومياهه الشحيحة ملاحم غير مسبوقة.. تعلن أن أرض العرض ليست سائبة، وأن هوية المسلمين ليست معرضة للاستتباع أو الإبتياع..
المعارك الدائرة، على ضراوتها، ووحشية دولة العدوان، هي معارك غير مسبوقة منذ قرن كامل، لا في الحروب العربية - الإسرائيلية، المعروفة منذ العام 1948، وما قبلها مع بدايات ظهور البذور الأولى لمشروع الحركة الصهيونية العالمية باستيطان فلسطين، تحت شعارات مريضة كمثل المزاعم أن فلسطين هي أرض لشعب بلا أرض.
ومع ضراوة المعارك، وبروز القوة الجهادية، غير المسبوقة لرجال غزة ومقاتليها في أرض المعركة.. تيقنت إسرائيل أن لا إمكانية للتعايش مع «الإسلام الجهادي المسلح»، وأعلنت الحرب التي لا هوادة فيها على «حماس» وسائر فصائل المقاومة، ومضت بتوعد القوة الاسلامية الأخرى المسلحة حزب الله، بتحويل لبنان بعاصمته وضاحيته وجنوبه، وسائر بقاعه إلى أرض محروقة، على نحو ما يحصل الآن في غزة والقطاع.
هدف المعركة لم يعد إذاً، تحرير الأسرى الإسرائيليين أو الأجانب الذين هم في عهدة «حماس»، والذين كان القسم الأكبر، حسب البيانات الصادرة عن الجهات المعنية، ما زالوا على قيد الحياةا، حتى ليل أمس، عندما أعلن الناطق باسم «حماس» انه فقد الاتصال بالمجموعة المسلحة في الحركة التي كانت معنية ومكلفة بتوفير الحراسة وما يلزم من طعام وماء وسوى ذلك لهم، بعد تصعيد الضربات على مستشفيات القطاع، لا سيما مستشفى الشفاء الجامعي، الذي يعد واحداً من أكبر المجمعات الصحية في القطاع..
الكلمة للميدان، ومع تفاقم مخاطر الحرب المستمر على غزة: المدينة والقطاع والمخيمات، تزايدت المخاوف من اتساع دائرة الحرب، لتشمل الجبهة اللبنانية، مع اعلان اليمن أنها قررت ضرب السفن المشتبه بنقلها بضائع أو وقود أو خلاف ذلك إلى إسرائيل.
باكر «حزب الله» باستئناف ضرباته الموجعة لجيش الاحتلال ومواقعه في النقاط الساخنة التقليدية، مما دفع بالمراقبين، لربط هذا التصعيد بتردي الأوضاع في غزة، وتزايد المخاطر هناك، في ضوء سياسة ترحيل البشر وتهديم الحجر، والسعي لإخلاء المستشفيات من المرضى والمصابين، ونقلهم إلى مستشفيات على سفن عائمة في عرض البحر..
تتخذ المواجهات الجارية على أرض المعارك المرعبة، والتي يستخدم فيها جيش الغزو وأعتى الطائرات، والدبابات المطوّرة والمسيَّرات والمدافع والقذائف غير المستخدمة قبل ذلك، أبعاداً استراتيجية، لن تكتفي برسم خرائط دول المنطقة لسنوات، بل من شأن نتائجها أن تتحكم بطبيعة النظام الدولي، وأساسياته، ونظامه على امتداد جغرافيا الاسلام، لا سيما الإسلام العربي.
والعبرة، هنا، إلى مصير المواجهة العسكرية بشتى أدواتها وأشكالها مع «الإسلام العربي المسلح» من باب المندب إلى شواطئ لبنان الشرقية، بما في ذلك شواطئ سوريا..
بدأ «طوفان الأقصى» بهدف قلب الطاولة على ترتيبات نحر القضية الفلسطينية.. من التطبيع إلى تهويد الأقصى، إلى الإستيطان، إلى تشديد الحصار، لكن مسار الأحداث تغيَّر؛ وهو: إمَّا أن يكسب الشعب الفلسطيني، بمسلميه ومسيحيِّيه، الحق في تقرير المصير كسواه من الشعوب، وإمَّا أن لا استقرار، ولا أمن ولا إقتصاد ولا علاقات مع «دولة إسرائيل» التي تتحول مع استمرار الحرب إلى كيان مارق، يعبث بكل حقوق الإنسان، ويتمرد على قرارات ما يسمى بالشرعية الدولية، ولا يكترث لقرارات مجلس الأمن.
أمَّا لبنان، فمستقبل أوضاعه، ليس رهن بما يجري في غزة أو حسب، بل بكل ما هو مطروح على طاولة ما بعد الحرب!