من المفترض أن يفتتح الموفد الشخصي للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون جان- إيف لودريان بدءاً من اليوم الإثنين الموسم الرئاسي اللبناني، والذي يستمر حتى يوم الجمعة، عبر لقاءات تميل لأن تصبح ثنائية أو أكثر مع رؤساء وممثلي الكتل والنواب الذين شملتهم الرسائل عبر السفارة، وهم مدعوون غداً للقاءات في قصر الصنوبر للتباحث في الخلاصة الفرنسية وخارطة الطريق في ضوء استمزاج رأي الكتل والنواب اللبنانيين بشأن الرئيس ومواصفاته وبرنامجه، وكيفية انتخابه..
تبدأ الحركة الفرنسية في دورتها الثالثة بمداولات تفصيلية بين لودريان ورئيس المجلس، إمَّا لتنسيق الخطوات أو لإجراء تقاطعات تفيد عقد جلسات الإنتخاب، سواء أكانت متتالية أو متواصلة أو دورات غير واضحة الوجهة، وإن كان الهدف المعلن انتخاب الرئيس.
النواب المسيحيون على الجملة، ليس بإمكانهم الإعراض عن الحركة الدولية - العربية الجارية حول لبنان بدءاً من رئيسه وصولاً الى استقراره العام، لذا هم سيحاولون، فرادى وزمر الدفع باتجاه التخلُّص من مرشح «الثنائي الشيعي» النائب السابق سليمان فرنجية، من أجل تسجيل انتصار «وهمي»، يسمح لهم بالذهاب الى تقديم تنازلات في ما خص شخصية الرئيس، ما دام أحد من الصقور أو الأقل حماسة «للمشاكسة» له فرصة في الوصول الى بعبدا.
التيار الوطني الحر، يتصرف، وكأن مبادرة الرئيس نبيه بري لعقد جلسات متتالية، تُفضي الى انتخاب رئيس، بعد 7 أيام حوار في المجلس النيابي، هو الذي طبخها مع الفرنسيين، وعليه، فهو سيشارك في لقاءات قصر الصنوبر.. مع بروز ترجيح مستجد بألَّا يشارك في حوار الرئيس نبيه بري، في ضوء العودة الى شدّ الحبال، والاشتباك الكلامي بين التيار الحر وحركة «أمل»، على خلفية اتهام النائب جبران باسيل رئيس المجلس بالتنسيق مع «القوات اللبنانية» لإطاحة المبادرة ومسارعة «أمل» على لسان المعاون السياسي لرئيسها النائب الحالي علي حسن خليل لاتهام باسيل وعمّه الرئيس السابق للجمهورية ميشال عون بالسعي الى تطيير حوار بري النيابي..
على وقع هذا التهوُّر اللبناني، والمسيحي، على وجه الخصوص في مقارنة ملف حيوي الى درجة أن المجتمع الدولي والعربي يعربان عن استياء متتالٍ من الإستهتار اللبناني بمعاودة انتظام الحياة الدستورية والسياسية، لفتح الباب أمام ضخّ مساعدات وتمويل، بعد وضع الاصلاحات موضع التنفيذ، يمكن القول معها ان لبنان وضع على سكة التعافي..
تمكَّن ماكرون، مع عودة لودريان، بعد جلسة تقويم لمجريات التطورات المتصلة بآليات تعجيل إنهاء الشغور الرئاسي في لبنان، من حشد مواقف عربية وإقليمية، تساعد في وضع الخيار الرئاسي على نار حامية، بعد الدعم الذي لقيه من الجانب السعودي، بعد اللقاء بين ماكرون وولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان في مؤتمر قمة دول العشرين في نيودلهي (الهند).
من الورق الى الأرض، ثمة جهد لا يخفى لإنهاء الشغور في الرئاسة الأولى، بعد إعادة ربط لبنان بالحركة المالية الدولية، عبر منصة بلومبورغ للتصنيف الائتماني، والتداول بأسعار العملات، التي تسمح بربط لبنان بالأنظمة والقواعد المالية الدولية، وتسمح بالشفافية والحوكمة، استجابةً الى طلبات صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية، وللحد من تحوُّل لبنان إلى «نظام الكاش» بعدما كاد يتحول بالكامل الى اقتصاد نقدي، وصفته السفيرة الفرنسية آن غريو، في 14 تموز الماضي، قبل مغادرتها، بأنه خادع «ويتغذى من الترسيخ المتزايد لعمليات التبييض وللجريمة المنظمة التي تنتشر في كافة أنحاء المشرق، بدفع من سوريا التي أصبحت دولة مخدرات...». وختمت ان نموذجكم المالي والاقتصادي بات منهكاً.
بالتزامن مع عودة لودريان، يكون وفد صندوق النقد قد أجرى مراجعة لما اتفق عليه في زيارات سابقة، بانتظار التوصل الى الإصلاحات القانونية الجذرية، كالكابيتال كونترول، والدمج المصرفي، واستعادة الأموال المنهوبة إلخ..
مع فرصة دبلوماسية ومالية داعمة لإنهاء الوضع الشاذ في البلد، ما تزال بعض القوى اللبنانية تلعب على حافة الهاوية، لا سيما المسيحية منها، لإعادة إنتاج وضع يشكل عتبة للإنعتاق من دولة لبنان الكبير، بعد الطائف، او اللعب على حافة هاوية الفدرالية بعنوان اللامركزية الادارية الموسعة، استناداً الى نص في الطائف..
المسألة، هنا تخطَّت الرئيس وهويته، وهو كلام حق يُراد به باطلاً، الى وضعية تأسيسية مع الرئيس العتيد أو بدونه، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً!