عمر البردان
ما خلا التسريبات الإعلامية عن مشاورات تجري بحثاً عن حل سياسي للحرب الإسرائيلية على لبنان، فإن المعطيات لا تشير إلى تحرك جدي بهذا الخصوص، سيما مع ارتفاع وتيرة التصعيد الإسرائيلي ضد العديد من المناطق اللبنانية، وفي وقت واصلت آلة القتل والتدمير استهدافاتها على نحو غير مسبوق، على وقع استمرار مسلسل الإنذارات والتهديدات على طول مساحة البلد، توازياً مع عمليات الاغتيال عبر المسيرات التي زادت وتيرتها في الساعات الماضية، وشملت مناطق يتم استهدافها للمرة الأولى منذ بداية الحرب . وإذ لم يطلب المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين مواعيد مع المسؤولين اللبنانيين لغاية الآن، فإنه وبحسب ما نقل عن مصادر وزارية في حكومة تصريف الاعمال، قولها ل"اللواء"، فإن لبنان ليس مستعداً للبحث في أي مقترحات أميركية مكتوبة بصياغة إسرائيلية، بما يتصل بتعديلات مرفوضة على القرار الدولي 1701 . وقد جرى تنسيق المواقف بين المسؤولين اللبنانيين حيال ما سيسمعه هوكشتاين في حال زيارته بيروت، بعد إسرائيل التي سيصلها، اليوم، استناداً إلى تقارير إعلامية، مع أن هناك من يستبعد زيارة الرجل للمنطقة، قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في الخامس من الشهر المقبل . باعتبار أن قادة الاحتلال لن يقدموا على اتخاذ أي مبادرة لوقف الحرب على لبنان، قبل إعلان الفائز بالانتخابات الأميركية .
وفي وقت رجحت أوساط غربية أن تواجه المفاوضات لإنهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان الكثير من الصعوبات، فإنها أشارت إلى أن إيران التي هددت برد يفوق التصور ضد إسرائيل، تواجه ضغوطات كبيرة من جانب واشنطن وحلفائها، لعدم أخذ المنطقة إلى حرب واسعة، وإن أبدت دوائر أوروبية شكوكاً في إمكانية أن تقوم طهران باستهداف إسرائيل مجدداً، باعتبار أن اتساع رقعة الحرب إلى الإقليم ، من شأنه أن يعرض لبنان للمزيد من التصعيد الميداني الإسرائيلي، بعدما برز أن جيش الاحتلال ماض في سياسة القتل والتدمير بحق الشعب اللبناني، بصرف النظر عن الدعوات الدولية، لوقف العدوان المتمادي على لبنان وشعبه . ولا تخفي الأوساط، مخاوفها من اقتراب موعد المواجهة الكبرى، في حال استعرت حرب الردود والردود المضادة، لأن أحداً لا يمكنه التكهن بمسار التطورات الميدانية، إذا ما خرجت الأمور عن السيطرة، وأصبح من المتعذر مواجهة اتساع رقعة الحرب على مختلف الجبهات. سيما وأن إيران باتت تمسك بقرار "حزب الله" أكثر من أي وقت، من خلال الدفع باتجاه تزكية انتخاب الشيخ نعيم قاسم أميناً عاماً للحزب، ما يفتح الأبواب أمام مرحلة جديدة من التعاطي الإيراني مع الملفات اللبنانية، في ظل شد الحبال القائم بين طهران والغرب على الساحتين الإقليمية والدولية.
وتعتبر المصادر، أن المواقف التصعيدية الأخيرة التي صدرت من جانب المسؤولين الإسرائيليين، يمكن النظر إليها، على أنها انعكاس لإصرار قادة العدو على المضي في الحرب على لبنان ، بعدما أخذ جيش الاحتلال قراره بشن المزيد الهجمات ضد القرى والبلدات اللبنانية، مع بدء العد العكسي لموعد الانتخابات الرئاسية الأميركية . وهذا من شأنه بالتأكيد أن يزيد القلق على لبنان من النوايا العدوانية الإسرائيلية، في ظل تزايد المؤشرات على أن الجواب الإسرائيلي على مبادرة الوسطاء لوقف الحرب، جاء سلبياً، سواء في لبنان أو غزة . وهو ما دفع دولاً عديدة إلى التحذير من خطورة المرحلة المقبلة، وأن الأوضاع تتجه لمزيد من التصعيد الذي يبدو أنه مفتوح على كل الاحتمالات، مع غياب أي مؤشرات لإمكانية سلوك طريق التهدئة، رغم كل المساعي التي تقوم بها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون . ولا يبدو أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، قد نجح في الحصول على وعد من نظيره الإيراني مسعود بزشكيان، بعدم الرد على إسرائيل، خشية أخذ المنطقة إلى حرب إقليمية .
وعليه، وفيما لا زالت طبول الحرب الواسعة تقرع في الإقليم، فإن هناك مخاوف جدية من اشتعال فتيل الانفجار الكبير الذي يخشاه الجميع، في ظل وجود رغبة جامحة من قبل رئيس وزراء العدو لتجاوز كل الضغوطات التي يواجهها، والقفز من فوقها، بهدف توجيه ضربات أكثر تدميراً ضد لبنان و"حزب الله"، لتأمين الأمن على حدوده الشمالية، وإطالة أمد العدوان على غزة. لا بل أكثر من ذلك، من خلال الدخول في حرب واسعة مع إيران، مستغلاً ضعف الإدارة الأميركية وانشغالها بالانتخابات الرئاسية . ما قد يسمح للاحتلال وقادته بتوسيع رقعة الاعتداءات على لبنان، سعياً من أجل الدخول في مواجهة أوسع مع "حزب الله"، استجابة لضغوطات الجبهة الشمالية .
ويشير المراقبون،إلى أن إسرائيل ما زالت تسعى لتوسيع نطاق التحالف الذي دعا إليه رئيس وزرائها لمواجهة إيران، على وقع تصاعد التهديدات الدولية ضدها، واتهامها بالوقوف وراء هجمات "الحوثيين" على السفن لتعطيل الملاحة الدولية . وهذا الأمر ينظر إليه الغرب على أنه خط أحمر، بما لذلك من تداعيات سلبية على حركة الاقتصاد العالمي . ولهذا فإن واشنطن وحلفاءها أرادوا توجيه رسالة شديدة اللهجة إلى إيران، لوقف دعمها لأذرعها العسكرية في المنطقة، وفي المقدمة، حزب الله و الحوثي . وهذا الأمر مرشح للتصعيد أكثر من أي وقت، في ظل اتساع رقعة الغضب العالمي على النظام الإيراني وممارساته في المنطقة . في وقت لا يبدو أن الملف الرئاسي في لبنان، مع دخول الشغور عامه الثالث، قد وضع على نار حامية، في ظل الحرائق المتنقلة في الإقليم، والتي تهدد بما لا يحمد عقباه، إذا خرجت الأمور عن مسارها.
وسط هذه الأجواء، وفي حين لم يحصل أي خرق على صعيد الأزمة الرئاسية، تتحضر بيروت لاستقبال موفد قطري رفيع ، سعياً من جانب الدوحة لجسر الهوة بين اللبنانيين حيال هذا الملف، وتعبيد الطريق ما أمكن، من أجل استعجال انتخاب رئيس للجمهورية، يطوي صفحة هذا الشغور القاتل الذي يتحكم بمفاصل البلد، في ظل توقعات بإمكانية معاودة سفراء "الخماسية" تحركهم باتجاه القيادات السياسية، من أجل تهيئة مناخات للتوافق على إنجاز هذا الاستحقاق، تزامناً مع الحراك القطري على هذا الصعيد . لكن ليس قبل أن تضع الحرب الإسرائيلية على لبنان أوزارها، بحثاً عن مخارج تفضي لانتخاب رئيس جديد، يخرج لبنان من مأزقه، ويعيد إحياء عمل المؤسسات الدستورية المعطلة . ولم تستبعد مصادر أن يزور قائد الجيش العماد جوزف عون، قطر بناء لدعوة رسمية، سعياً من أجل تأمين المزيد من الدعم المالي للمؤسسة العسكرية، كذلك البحث في تطورات لبنان والمنطقة، سيما وأن اسم العماد عون، لا يزال في طليعة الأسماء المرشحة للرئاسة الأولى .